الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين خطوط التماس

د. حازم الرفاعي
د. حازم الرفاعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على الحافة وبين خطوط التماس ظل حسين كما هو منذ عرفناه من 30 عاما قبل أن يكون أشرف عند النهاية.. بين البداية والنهاية ظل دائما جزءا من آلية (حزبنا العظيم) كما كان يصف تيار (التجمع المصري) وريث حدتو صانعة جدول الحركة الوطنية المصرية وبرنامجها منذ الأربعينيات تلك التي كان يفخر بها وبتاريخها وبمناعاتها ضد ما تروجه الدعاية الاستعمارية من ترهات، بين محيط الدائرة ومركزها ظل صاحبنا حتى أخذته قوى طرد الطبيعه خارج عالمنا المنظور، وإن كنت أراه أحيانًا مطلا علينًا بعيون فقدت أحدهما التركيز فيما نراه نحن.
لسبب غامض بهرته كما بهرتنا الاشتراكية العلمية فلسفة وعلما وجدلا، فخلقت لديه وعيا مؤمنا بالانتصار ملتحمًا بالأهالي، ظل بَعضُنَا ومنهم صاحبنا يقرأ في جدل الاشتراكيه واقتصادها السياسي حتى اليوم الأخير، ولكنه لم يكن يقرأ وقط كأن بالأدق يسمع أيضا، ويسمع بأسلوبه وكأنه يسمع بعينه الشاخصة إلى البعيد المجهول، والتي لا يدري أي منا ماذا ترى! كان داهية الإصغاء، يستمع بصمت وبوجه خالٍ من تعبيرات تظن أنت أنه وجه لإنسان مغيب، ولكنك تفاجأ بعد سنين أنه كان حاضرًا وواعيًا ومذهلا في استرجاعه لأدق التفاصيل عن الجميع.
وجهه الذي يبدو مغيّبا كان دليلا مذهلا (لي) شخصيا، فبعد أن قضيت أعواما في دهاليز الطب صارت عين الطبيب والجراح تسبقني إلى وجوه الناس وأصابعهم ودلائل الأمراض والعلل فيهم رغما عني.
اكتشفت ذات صباح أن لصاحبنا سرا كبيرا لم يكتشفه أحد إلا العبد لله، فلقد كان صاحبنا مدمنًا! ولكنه لم يكن مدمنا لأي من المواد المتداولة كالخمر أو الدخان، كان صاحبنا مدمنا رغما عنه ودون إرادته لـ(ثاني أكسيد الكربون)، وكان إدمانه وانهيار أعضائه أمام الإدمان يتزايد رغمًا عنه منذ الطفولة حتى النهاية.
كان صاحبنا ذاك يبدو كالغائب الحي أحيانا بسبب إدمان مراكز تنفسه لثاني أكسيد الكربون! فلقد أخذت رئتاه في التليف منذ الطفولة، فشلت رئتيه وتليفت مع الزمن متحولة من بالون رقيق شفاف الجدار يسبح الأوكسيجين عبر مسامهما الرقيقه لـ(ليفة) تغلق مسامها أمام الأكسيجين، وتتحول إلى كهف للأمراض، شائت ظروفي وظروفه أن نتقاطع في لحظات مغامرة شبابًا، ولكن الدراما كانت عند النهاية.
ففي أواخر العام الماضي كان صديقي مريضًا حقًا وصامدًا بسمو، دخل صديقي عنبرًا للمرضى في ذات المستشفى الذي أعمل فيه، وكان القدر يشاء أن نتلاقى أحيانا متنكرين! أنا لابس ملابس الجراح خارج من غرف الجراحة باهرة الضوء وهو جالس بشموخ وتفاؤل ورفعة متناقض مع مريلة المرضى وملابسهم المتهدلة التي يرتديها، على طرف مقعده ألمح أنبوبة رقيقة تحمل سائلا أصفر هو البول، وسلوك كثيرة تتواصل مع شاشات حمراء تشير إلى أرقام تركيز الأكسيجين أو الضغط وسرعة النبض، بهدوء ودون ادعاء يرد بثقة إنه أفضل كثيرًا وأرد عليه متمثلا دور (صانع التفاؤل والأمل) فهما جزءان من حرفه الطبيب.
تظهر زوجته الحمول لتكشف ما أراد الطبيب بداخلي أن أخفيه، عند نهاية الردهة كان صديقنا يزور مستشفاي مريضا فيرد على أسئلة الأطباء في حضوري أحيانا عن مهنته قائلا: إنه (سياسي) وكنت أؤمن فلقد كانت مصر وهمومها هي الشاغل الأكبر في قلب العامل والمحاسب ورجل الأعمال والطبيب من أفراد الفصيل المقاتل الذي امتزج بالحياة ولم نعد نعرف أيا من هؤلاء يسبق الآخر حتى وإن تباعد من تباعد، دخل صاحبنا ككل رفاقنا عالم السياسة من بوابة الصراع من أجل المقهورين، منفذ لا يؤدي إلا للمتاعب والمعاناة ولكنها تظل البوابة الحقيقية للنبل والنبلاء.
كان صاحبنا منحازا وبشدة ومتعصبا عن قناعة لـ(حزبنا العظيم) حزب شهدي وخالد محيي الدين ويوسف صديق وكمال رفعت، حزب زكي مراد وعريان نصيف ومبارك عبده فضل وعلي شوشان، ثم كان (الدكتور) رفعت كما كان يقول هو القائد الملهم لـحسين أشرف، يتحول القادة إلى مانعة صواعق في أحيان وهكذا كان الدكتور رفعت السعيد بؤرة الصواعق المنهمرة من كل مكان عندما حدد حزبنا (أن الإسلام السياسي والوطنية المصريه نقيضان لا يجتمعان) وفي الأيام الصعبة لم يتردد صاحبنا وظل رفعت السعيد في مخيلته قائدا لليسار المصري بلا منازع متجاوزا كل الرموز.
كان حسين أشرف جزءا من التروس القديمة الدوارة لتجمع المصري وبرنامجه الذي تسامى وتنفسته مصر كلها، فصار جزءا من عقيدة الوطن ذاته ومن رؤى مصر ذاتها اليوم، كان صاحبنا جزءا من فريق الحدادين الذين أداروا التروس العظيمة في معركة مصر ضد سياسات الردة وكامب ديفيد والإسلام السياسي.
كان التجمع المصري هو الحداد الذي نفخ في اللهب لصنع (سبيكة الوطنية المصرية الحديثة) محددا بوضوح أن رفض واستبعاد الإسلام السياسي أحد أهم مكونات تلك السبيكة، كان حسين أشرف ورفاقه محمد سعيد، وسمير فياض، ومجدي شرابية، وسيد عبدالعال، وأحمد سيد حسن وآخرون كثر عبر مدن مصر وقراها هم من أداروا التروس الكبيرة حتى تصل مصر إلى شاطئ عالم جديد.