رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طبيعة الخطاب الإرهابي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يلعب الخطاب الإرهابى دورًا أساسياً وتكوينياً فى إنتاج الإرهاب والإرهابيين، ونقصد بالخطاب الإرهابى تلك المفاهيم والمقترحات والتصورات التى يتم على أساسها التربية العقائدية والفكرية للمنتمين للحركات الإرهابية المتطرفة، مكونات هذا الخطاب المشار إليها تقدم للمنتمين لهذه الجماعات تشخيصاً لمشكلات المجتمع وحلولاً لهذه المشكلات على طريقتها.
وذلك لا يعنى بالضرورة أن هذا الخطاب الإرهابى يلعب هذا الدور فى إنتاج الإرهاب منفرداً، بل مع توفر ظروف أخرى فردية وجماعية واجتماعية ومجتمعية وثقافية، تتعلق بالفرد ونشأته وتعليمه وخبراته ووضعه الاجتماعى ومدى انخراطه فى الأنشطة المجتمعية أو عزلته عنها وكذلك بوضعه المهنى وما إذا كان يعمل أو عاطل عن العمل، وغير ذلك من الظروف التى تهيئ الفرد ذهنياً لاستقبال الخطاب الإرهابى، بل والاعتقاد فى صحته وملاءمته لحل مشكلته أو مشكلات المجتمع.
فى خضم هذه المنظومة المتباينة من العوامل التى تخلق الاستعداد النفسى والذهنى للانخراط فى التنظيمات الإرهابية، يقوم الخطاب الإرهابى باستثمار جملة وحصاد ومحصلة هذه الظروف المعقدة لصنع وإنتاج الإرهابيين.
يتميز الخطاب الإرهابى دونا عن غيره من الخطابات السياسية المختلفة بعدد من الخصائص والسمات والمكونات التى تكفل له التماسك والإقناع والفاعلية والتجنيد والحشد، أول هذه الخصائص للخطاب الإرهابى تتمثل فى الأحادية، فهو خطاب أحادى أى لا يقبل التعدد ولا يؤمن بالاختلاف ويستبعد الاحتمالات والتأويلات والتفسيرات، فتفسيره وتأويله واحتمالاته واحدة تنطبق على الجميع ويطبقها الجميع فالحقيقة الاجتماعية والسياسية فى أفق هذا الخطاب واحدة أحادية، لها وجه واحد ووجهة واحدة، وينبغى التسليم بها ولا يجوز الاجتهاد فى تفسيرها أو نقدها أو النظر إليها من وجوه متعددة ومن ثم ونتيجة لذلك فهذا الخطاب الإرهابى يصادر الاجتهاد والاختلاف ولا يسمح بهما، وكل ما يتطلبه من المنتمين إليه والمؤمنين به هو السمع والطاعة العمياء والعمل بموجب هذا الخطاب.
أما ثانى هذه الخصائص للخطاب الإرهابى فتتلخص فى الإطلاق، أى أن مفاهيم هذا الخطاب ومقولاته تعتبر مطلقة صالحة فى الزمان والمكان ولكل زمان ومكان، لأن هذه المفاهيم تنتسب إلى الدين والشريعة بطرق ملتوية ومبتسرة والدين والشريعة منها براء، ونتيجة لذلك فالمفاهيم التى يتبناها الإرهابى، لا تقبل النسبية والمراجعة والنقد والنظر العقلى، فالمجتمع كافر لأنه لا يطبق الشريعة الإسلامية، والمجتمع جاهلى على غرار الجاهلية الأولى ما قبل ظهور الإسلام، فهو لا يعمل ويحكم بما أنزل الله وحاكمه كافر وجب قتاله وقتله، تماماً كما المواطنون الذين هم فى نظر الخطاب الإرهابى غير مؤمنين وغير مسلمين وجب قتالهم واستحلال دمهم وأموالهم.
أما ثالثة الأثافى، فإن الخطاب الإرهابى يتميز بالعزلة أى والانعزال عن الناس والمجتمع، وتحقيق هذه العزلة للمنتمين لهذه التنظيمات الإرهابية يتم عبر استراتيجيات مختلفة، من بينها تكفير المجتمع وتجهيله ولا يصح من ثم لأتباع هذا الخطاب ومريديه مخالطة هذا المجتمع، وكذلك يوفر كافة احتياجات المنخرطين تحت لواء هذه الجماعات المادية والنفسية، الحاجات المادية من معيشة وزواج وخلافه، والنفسية من خلال الزعم بأنه يقاتل فى سبيل الله وأنه ينصر الدين وأنه أول الداخلين إلى جنات النعيم، وفضلاً عن ذلك فإن تحقيق هذه العزلة والانعزال للمنخرطين فى هذه التنظيمات، يتم عبر عزلهم عن الاتصال والتواصل مع العالم والمجتمع والناس وحجب الخطابات الأخرى الثقافية والفكرية المختلفة عن الوصول لهؤلاء المريدين والأتباع حتى لا يتأثروا بها أو يمعنون النظر فيها، وذلك لضمان فاعلية وتأثير الخطاب الإرهابى وانفراده بهم.
إن هذه الخصائص والصفات وغيرها التى تميز الخطاب الإرهابى مع غيرها من العوامل والعناصر المجتمعية والثقافية الأخرى، تكفل إنتاج نمط جديد من البشر يتميز بالاستهانة والاستخفاف بحق الحياة للمواطنين الأبرياء سواء انتموا إلى مؤسسات الدولة أو لم ينتموا فالآخرون فى أفق هذا الخطاب خارجون عن الملة والدين مارقون لا يستحقون الحياة، نمط من البشر ترى فى الخراب والموت والذبح والترويع للآمنين والأبرياء مجرد قرابين ينبغى تقديمها للوصول إلى الدولة الإسلامية التى ينشدون إقامتها والإسلام منها بريء إلى يوم الدين.