السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر تنتج والعالم يستهلك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لو تبادر إلى ذهنك أي سؤال لمواطن في دولة ما من العالم مهما كانت درجته العلمية رفيعة أو متدنية بمن هم أول من ابتكروا أي شىء؟ لأتتك الإجابة البديهية بأنهم القدماء المصريون دلالة على تاريخ وفضل مكانة المصريين الحضارية حتى يومنا هذا في كل ما وصل إليه العالم من تحضر وتقدم من أسرار وعلوم، على الرغم من التراجع الحضاري المؤقت الذي تعيشه مصر الآن، ومع انتشار الفقر والجهل لدولة تاريخها الحضاري أكثر من سبعة آلاف عام، ومع هذا لا يمنع استمرارية تواجد العبقريين المصريين في أرجاء العالم.
فذكرى التاريخ تحدثنا عن سبتمبر عام ١٩١٨، العام الأخير للحرب العالمية الأولى، أرسلت مصر أكثر من ٥٠٠ ألف فرنك فرنسي لإنقاذ الشعب البلجيكي من الفقر ومرض السل، بل استمرت مصر في إرسال المزيد من الأموال، وبعثت جلالة الملكة إليزابيث، ملكة بلجيكا، برسالة بخط يدها تعرب فيها عن عظيم كرم الشعب المصري، وما قدمه للشعب البلجيكي خلال الحرب العالمية الأولى، أما سكرتيرة جلالة ملكة بلجيكا فبعثت هي الأخرى بخطاب شكر على إنقاذ مصر للشعب البلجيكي معلنةً عن أن بلجيكا ستدون هذا العمل الجليل في الكتاب الذهبي لها ليعلم العالم من كان يساند بلجيكا، وأوضحت في رسالتها عن أنه تم تقسيم هذه الأموال إلى ثلاثة أقسام منها ١٦٥ ألف فرنك لحساب الملكة الشخصي باعتبارها رئيسة الممرضات وللإنفاق منها على تمريض ضحايا الحرب العالمية الأولى، ومنها ٢٥٠ ألف فرنك لشراء الغذاء الكافي للجنود، و١٥٠ ألف فرنك لشراء ملابس عسكرية للجنود في الشتاء وكانت مصر في ذلك الوقت لديها أهم وأشهر بورصة للقطن في العالم، وكانت عبارة "مصر تنتج والعالم يستهلك" هي الجملة المتداولة في الإعلام الإخباري الأجنبي، وهو ما يستوجب على المجتمع الأوروبي رد الجميل للشعب المصري، ولا يكون رد الجميل بالتآمر أو التهديد بقطع المساعدات وغيرها، فأين هو الكتاب الذهبي الآن؟
أما أمريكا دولة القوى العظمى الآن فقد بعثت من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق هيربرت هوفر الذي جاء إلى القاهرة للقاء جلالة الملك فاروق الأول، بصفته مبعوثًا من الرئيس الأمريكي هاري ترومان آنذاك، وكرئيس لجنة طوارئ المجاعة ملتمسًا من الملك معونة مادية لبعض الدول الأوروبية "إيطاليا واليونان" واللتان كانتا على شفا مجاعة بعد الحرب العالمية الثانية، ٢٧ أبريل 1946، وفي عام 1948 قام الملك فاروق بإغلاق منجم السكري أكبر منجم ذهب في العالم للحفاظ على هذا الإرث للأجيال القادمة، فقد كانت مصر ذلك الوقت لديها الكثير من الثروات ولم تكن بحاجة إليه حفاظا عليه للمستقبل، تلك كانت نظرة لشخصيات مصرية وطنية تركوا إرثا ماديا وعلميا ومعنويا لأجيال المستقبل.
وعلى الرغم من كل هذا تعرضت مصر لابتزاز عالمي وتهديدات أمريكية بوقف المعونات والمساعدات العسكرية بعد تخلصها من الإرهاب الإخواني الذي كاد يطيع بمصر عام 2013.
فالمعونة الأمريكية لمصر لم تكن إنقاذا لمصر من المجاعة إنما كانت معونة لأهداف استراتيجية وتحقيقا لمصالح أمريكية تمكنها من السماح لطائراتها العسكرية بالتحليق في الأجواء العسكرية المصرية وحصولها على تصريحات على وجه السرعه لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس.
وهذا ما تلجأ إليه أمريكيا كورقة ضغط على مصر لتحقيق مصالحها السياسية، ولكن في الآونة الأخيرة نرى المصريون هم الساعى الأول لقطعها في ظل الظروف الديمقراطية الجديدة، ولا تمثل في الوقت الحالي خللا في الدخل القومي.
تلك الذكرى التاريخية هي بمثابة حافز راق لمصر والمصريين للعودة إلى مكانتهم العظيمة بين دول العالم، استحقاقا لما كانت عليه من قبل، فما زال الخير في أمتي، ولا ننتظر من الآخرين مد يد العون إلا تحقيقًا لمصالحهم، فلا تصبح معونتهم ورقة سياسية يضغط بها على شعب كان منارة للعالم في جميع المجالات، خاصة بعد الجهد العظيم المبذول لعبور الأزمة ومكافحة الإرهاب والإرهابيين في مصر من قبل الشعب العظيم والإدارة السياسية الموجودة على الساحة المصرية الآن، أملا في عودة مصر للمكانة الحضارية إن لم تكن مكانة عالمية.