رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العلم.. من هنا نبدأ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام شهدنا تكريم 24 عالما مصريا بمناسبة عيد العلم وبحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي.. كان من الممكن أن يكون هذا الخبر خبرا عاديا وبروتوكوليا، وأنه جاء من باب الوجاهة السياسية والإعلامية لمؤسسة الرئاسة، ولكن المتابع للكلمات التي قيلت في ذلك الاحتفال سيعرف أننا على أبواب زمن جديد يسترد فيه العلم قوته المفقودة منذ سنوات، ليضع مصر على الطريق الصحيح نحو التنمية القائمة على التخطيط والبحث العلمي.
وبعيدا عن رصد المجالس التي تم تشكيلها لتهتم بالبحث العلمي، يمكننا رؤية البشارة في هذا المجال عند النظر للدستور المصري 2014 الذي أكد في نصوصه على كفالة الدولة لحرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة ورعاية الباحثين والمخترعين، وتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمالى تتصاعد تدريجيا، وإلزام الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها.
إذن يمكننا الآن التمسك بالقول البليغ "من هنا نبدأ" فقد تعلمنا الدرس من الأمس القريب عندما كانت الستينيات وما أدراك ما الستينيات، عندما اشتبك المصري بجدية مع التعليم والتصنيع وفهم مكونات الآلات وترجم الخامة إلى منتج، عندما عرف قيمة الإنتاج الكثيف من خلال مصانع تستوعب عشرات الآلاف من العمال، وقتها ظهرت أجيال من المتعلمين وتبلورت الطبقة الوسطى التي هي صمام الآمان لأي مجتمع، والأهم من ذلك إيجاد مجتمع كان أبعد ما يكون عن الجهل والتطرف.
وعندما تسترد مصرعافيتها الآن، وتلتفت إلى البحث العلمي والعلماء فالمجتمع المصري ينتظر حصاد ذلك العلم ومُنتج تلك الأبحاث، فالعلم ليس خيالاً يحلق فوق الرءوس ولا ينزل على الأرض، خاصة وأن رئيس الجمهورية طالب بإرسال 50 ألف باحث سنويا لبعثات خارجية، بعد وضع استراتيجية وفقًا للنظام الجديد، تقضي بإلزام الباحث بالعودة وتطبيق التجارب التي نفذها خلال فترة البعثة الخارجية داخل مصر.
هذا أمر جلل وتقدم كبير في توجه الدولة ووعيها، فالتاريخ الحديث يرصد أن جميع الدول التي كانت في نفس ظروفنا لم تنجح في تحقيق نقلة والتحول إلى نمو مستدام إلا بالاهتمام بالتعليم والاقتصاد المعرفي وكتاب التاريخ يحكي لنا عن بناء مصر الحديثة في عهد محمد علي، وعن البعثات لأوروبا التي أرسلها لتتعلم الطب والهندسة والفنون، ومع عودة هؤلاء المبتعثين انطلقت مصر في حينها لتكون قوة عظمى ورقما صعبا في المعادلات الدولية، وفي الحقبة الناصرية التي نعتبرها التأسيس الثاني لمصر الحديثة لم يغب عن ذهن ناصر الاستفادة من روسيا وتقدمها العلمي، فأوفد الطلاب المبتعثين ليندمجوا مع التقدم ويرجعوا لمصر بعلومهم التي هي أولى خطوات على طريق النجاح وكثير من أبناء تجربة التعليم في الستينيات والذين هاجروا لدول متقدمة أصبحوا من صفوة خبراء وعلماء العالم.
وحسب تقرير بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط فإن مخرجات العلماء المصريين من حيث النشر العلمي الدولي تؤكد أنهم الأفضل فى المنطقة، حيث لا يوجد منبر علمى أو مؤسسة أوهيئة بحثية إلا وتشرف بأحد العلماء المصريين الذين هم ثروة مصر الحقيقية وطريقها الوحيد لمستقبل أفضل.
ولكن تبقى هناك حلقة مفقودة وهي عدم شعور المواطن المصرى بقيمة البحث العلمي ومخرجاته بسبب الافتقار لسياسات متكاملة تدعم المنظومة البحثية بمصر وتضمن تطبيق نتائجها على أرض الواقع، بالإضافة إلى عزوف رجال الأعمال والمستثمرين عن الاستثمار فى البحث العلمى لكونه استثمارا طويل الأمد، وحتى يتحول الكلام الجميل الذي سمعناه في عيد العلم إلى حقيقة يومية ننتظر أعلانا عن خطة متكاملة لتطبيق هذه المنظومة في التخطيط والتعليم والقطاع الصحي وغيرها من كافة جوانب الحياة، وننتظر ترجمة ما تم إعلانه في عيد العلم إلى واقع يجعل العلم قيمة أساسية يعرف كل مواطن أنها طريقه الأساسي كفرد ودولة لكي نصبح مرة أخرى داخل سياق ما يحدث في العالم من تطور.. بالعلم لا بد أن نبدأ حتى لا تظل كل خطواتنا تشدنا إلى الوراء!