الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإعلام يُهدِّد تجربة السيسي..

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تُبدِ إدارةُ الرئيس السيسى حتى الآن أمارة جادة تدلّ على إدراكها لأهمية دور الإعلام الجماهيرى فى هذه المرحلة شديدة الحرج، بما عليها من مسئوليات استثنائية، وبما يحيط بها من مخاطر داخلية وإقليمية وخارجية. وهذا يؤشر إلى عدم فهم أن هناك استحقاقاً مُلِحّاً للجماهير فى معرفة الأمور العامة التى شاركوا فى الثورة من أجل تحقيقها، كما أنه لا يَحسبُ العواقبَ السيئة التى تترتب على تجاهل هذه الاستحقاقات.
بل على العكس، فإنّ أمورَ الإعلام تسير كما كانت عليه فيما قبل الثورة: مجرد استبدال أسماء بأسماء، حذفوا اسم مبارك ووضعوا مكانه اسم السيسى، مع الإبقاء على متن لم يعد أحد يقبله أو يطيقه! لم يعد شيء يحدث فى البلد إلا بناءً على توجيهات السيسى بعد أن كانت توجيهات مبارك! وخُذْ مثلاً واحداً من آخر الأخبار، عندما قام السيسى قبل أيام بزيارة الأردن، فتصدَّر الخبرُ كلَ النشرات، ليس بأهمية مضمون ما يحتويه من تفاصيل، وإنما لكونه من نشاطات الرئيس التى ينبغى فى عرفهم أن تتصدر كل الأخبار الأخرى! وقيل، نقلاً عن المحفوظات التى أبدعها صفوت الشريف وأسس بها مدرسة إعلامية لا تزال حية تسعى، إن الرئيس السيسى التقى العاهل الأردنى، وإنهما تبادلا وجهات النظر حول تطورات الأوضاع وكيفية دعم العلاقات الوطيدة بين الشعبين المصرى والأردنى! مع تفاصيل مملة بالصوت والصورة عن اللقاء الرسمى فى مطار عَمّان، وعزفِ الموسيقى وتفقُّدِ حرس الشرف..إلخ، وفقط، وانتهى الخبر! ولا كلمة تفسر لماذا تجشّم الرئيسُ السفرَ إلى الخارج فى زيارة شديدة القصر لم تزد عن بضع ساعات، بما أعطى انطباعاً بأن هناك أمراً ما هاماً وعاجلاً مما لا يسعف فيه لا دور سفيرى البلدين ولا أن يسافر ممثلٌ للرئيس لمقابلة مسئولين من مساعدى العاهل الأردنى، ولكن الأخبار المذاعة لا تفسر ما يدور فى أذهان الجمهور عن وجوب أن يكون هناك شيء ما يستحق هذا السفر!
والغريب أن القائمين على الإعلام لا يحسبون أن الاكتفاء بما أعلنوا، وكأنه كل شيء، يأتى بنتيجة سلبية، لأنه يعنى للجماهير العريضة أن الرئيس يُبدِّد وقته فى مثل هذه الرحلات التى ليس فيها سوى هذه المظاهر، كما أنه يعنى للسياسيين وللفئات المتعلمة أنهم جميعاً ليسوا جديرين بالاهتمام بإعلامهم بأخبار بلادهم!
فهل يجوز هذا بعد ثورة كان من أهم طلباتها الإطاحة بمسئولى إعلام مبارك، ثم مسئولى إعلام الإخوان، الذين تورطوا عبر عقود فى خدمة الرئيس وعائلته، ثم خدمة المرشد وممثله فى القصر الرئاسى، على حساب الحقيقة وهدراً لحق الجمهور فى معرفة الأخبار؟
وفوق ذلك، فإنه يبدو كما لو أن ليس هناك استيعاب لخطورة وأهمية الأشخاص الذين يشكلون الواجهة الإعلامية التى تتصدر الآن لمواجهة الرأى العام وكأنها مُمَثلِة للسيسى ومدافعة عن قراراته!
كيف يمكن العمل، أو القبول، أو السكوت عن أن يقوم بهذه المهمة نفس الأشخاص الذين كانوا مدافعين أشدّاء عن نظام مبارك وعن حكمته التى أبهرت العالم، وعن دور السيدة الفاضلة قرينته الذى يفيض بالحب والرحمة، وعن جمال مبارك أمل مصر ووعد مستقبلها، وهجومهم الضارى آنذاك على جماعة الإخوان المحظورة، وفى أثناء الثورة أيام يناير وفبراير 2011، ناشدوا الشبابَ فى الميادين بالعودة إلى منازلهم وإتاحة الفرصة لمبارك أن يستكمل فترته الرئاسية، ويكفى أنه صاحب الضربة الجوية، وكانوا يذرفون الدمع مع كل بيان يتحايل فيه على الثوار، وسكتوا مرعوبين وهم يشهدون الإطاحة به، ثم لم يترددوا فى أن يبيعوه علناً عند أول منعطف، وراحوا يفتحون ملفات فساد عصره وأعربوا عن دهشتهم كيف يكون الجشع إلى هذا الحد، ثم أعلنوا عن اكتشافهم أن الإخوان فصيل وطنى وأن لهم دوراً تاريخياً لا ينكره إلا جاحد، ثم بعد أن خرج الشعب عليهم، رأوا أن الإخوان شيطان رجيم لم يكن من الممكن إنقاذ البلاد منهم إلا بفضل الدور العظيم الذى لعبه السيسى!! وهاهم الآن يحتجّون على تبرئة مبارك مُعبِّرين عن غضبهم من إفلاته من الإدانة دون عقاب بعد كل الجرائم التى اقترفها فى حق هذا الشعب الصابر!
حسناً، هم لا يخجلون من أن يلعبوا هذه الأكروبات السياسية الإعلامية! ولكن ماذا يُجبِر "السيسى" على أن يُقرِّبهم منه أو أن يقبل أن يكونوا فى جواره؟ ألا يرى أن سُمعتهم يمكن أن تنال من صورته؟
ليس مطلوباً أن يتدخل الرئيس، ولا أحد من طرفه، فى أمور الإعلام، ولا أن ينصحهم بما يفعلون وما يتجنبون، لأن الإعلام ينبغى أن يكون حراً، والمقصود هنا أن يتحرر الإعلام من قيود الإدارة لينطلق عمله فى نشرة الأخبار وخلفياتها والتعليق عليها، حتى إذا كانت تطال الرئيس والحكومة! أما حرية تأييد الرئيس فلم يكن هنالك شكوى فى يوم الأيام أن أحداً يتعرض لها، ولم يقل أحد إنها فى حاجة لمساندة الرئاسة! وليقم بها من شاء أن يفعل، ولكن فليكن بعيداً عن حضن السلطة، وإلا لجلب عليها الشكوك والاتهامات!
وأما الدور المطلوب من إدارة الرئيس السيسى أن تقوم به خدمة للإعلام فهو ينحصر فى توفير المعلومات وتسهيل تدفقها للرأى العام، كما يحدث فى الدول الديمقراطية التى تشهد مؤتمرات يومية، أو تكاد أن تكون يومية، فى الرئاسة وفى الوزارات المهمة، يلتقى بالصحفيين والإعلاميين فيها كبارُ المسئولين، أو ممثلون عنهم، أو متحدثون رسمياً باسمهم، لإتاحة المعلومات وللإجابة على الأسئلة ذات الصلة بمجريات الأحداث، وقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة مجالات أخرى لمصادر المعلومات عن طريق خدمات المواقع الإلكترونية التى تُتاح فيها الأخبار وتطوراتها أولاً بأول لمن يهمه الأمر. ثم يأتى دور الدولة المهم فى حماية الإعلاميين من أى عدوان أو تهديد.
وتبقى حقيقة لا خلاف عليها: أن الإعلام، الذى يمكنه أن يهبط بتجربة ناجحة، يعجز عن إنجاح تجربة فاشلة، مهما كانت مهاراة القائمين عليه ومهما كانت الأموال والإمكانيات المرصودة له والتسهيلات المتاحة.
ليس من مفرّ أمام تجربة السيسى، بعد كل هذا، إلا أن تلتزم بمطالب الشعب فى ثورته، وألا تحيد وألا تعطى انطباعاً بالحيود.