الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا الإمبراطورية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شيء يحدث بشكل عشوائي، فالعالم منذ لحظاته الأولى وهو في صراع مستمر، فحينما قتل هابيل أخاه قابيل كان ذلك بمثابة شريط الافتتاح لعالم سيظل في صراع إلى أن تقوم الساعة، ومع تطور البشرية كانت السلطة والمال هما محل الصراع وسبب الحروب، وكان الدين هو شعاع الرحمة الذي يرسله الله سبحانه لتهدأ نفوس البشر، وتتذكر أنها في الدنيا كعابر سبيل، وأن الآخرة هي العالم الحقيقي الذي لا انتهاء فيه ولا صراع، ومع أطماع البشر تحول الدين على يد الأحبار والرهبان إلى سلطة تزاحم بل وتتفوق على سلطة المال والحكم، وأصبح الأحبار هم الحكام الحقيقيون للعالم إلى أن جاء الإسلام ليحرر الناس من عالم الكهنوت وسلطة "وسطاء الرب"، ولكن سرعان ما انحدر المسلمون إلى خطايا دولة "الكهنوت" فصنعوا طبقة من رجال الدين لا يمكن أن تلج إلى رحمة الله من دونها، هم العلماء والحكماء وهم مَن فهموا الدين واجتهدوا أما باقي عباد الله فلا يجوز لهم أن يفهموا الدين على استقلال، ومع بزوغ دولة الكهنوت الإسلامية تشكلت طبقات تسمى نفسها جماعات إسلامية، هي التي تحتكر الإسلام وهي الممثل الرسمي له.
ولأن الغرب أراد أن يسيطر على تلك المنطقة التي نعيش فيها والتي هي بالنسبة لهم سلة غذاء ومخزن للمواد الخام، لذلك كان لا بد وأن يكون للإسلام العامل الأكبر في سيطرة الغرب، خاصة بعد أن أصبح الاحتلال العسكري لا يتفق ومقتضيات العصر الحديث، أما كيف استغل الغرب الإسلام ليجعله طريق مرورهم لاستعمار منطقتنا عسكريًا، فقد كان ذلك عن طريقة طبقة "الكهنة الإسلامية" التي تريد السيطرة على العالم باسم الدين، فتلك الجماعات الإسلامية التي من الممكن أن تبيع أي شيء من أجل الوصول للحكم كانت هي حصان طروادة الذي يخفي في داخله "أمريكا العظمى" أكبر إمبراطورية في التاريخ.
أما الفكرة التي سيتم بها ابتلاع العالم فمبتغاها النهائي هو ترييف دول العالم الثالث وتقسيمها إلى دويلات صغيرة متنازعة، ولكي يتم ترييف العالم الثالث وجعله بمثابة "ريف العالم"، فيجب أولًا أن يتم تحويل البشر في العالم الثالث إلى قطيع من الفلاحين الأجراء، أو العبيد، كل عملهم هو إعداد "مائدة الطعام" للسيد الصناعي الكبير، واستخراج المعادن التي ستستفيد منها مصانع العالم الصناعي المتقدم، وفي غضون عام 1975 أصبحت فكرة ترييف العالم خطة كاملة لها مقدمات ووسائل أصلية ووسائل احتياطية، حيث خرج إلى الوجود "مشروع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية لحقبة الثمانينيات" وهو استقراء خططي للمستقبل شارك في إعداده بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي، وهنري كيسنجر، وسايروس فانس، وقد جاءت هذه الخطة التي تعبر عن رؤية أمريكا للمستقبل في مجلد ضخم، ويتلخص هذا المجلد في كلمتين، هما "التفكيك المنضبط" لاقتصاد العالم، وتقوم فكرة التفكيك هذه على إشاعة الفوضى الاجتماعية والحروب الإقليمية بين الجارات، ثم الحروب الأهلية في الدولة الواحدة، وسيترتب على هذا زيادة نسبة الوفيات في العالم، فيما يشبه الإبادة، وستكون هذه الإبادة بيد سكان كل منطقة، لا بيد الدول الصناعية الكبرى، ولكي يؤتي المشروع ثماره يجب أن يكون تفكيك دول المنطقة عن طريق إشاعة الفتن الدينية والعرقية والحدودية، فلينقسم الشرق الأوسط إلى "سنة" و"شيعة" ثم فلينقسم العالم السني إلى أنصار الدولة الإسلامية وخصومها، ومن الأفضل تضخيم الروح العنصرية بين أبناء الدولة الواحدة، وليكن ما يكون.
وبذلك ستقوم حروب في المنطقة لا شك، وستشتعل فتن طائفية وعرقية حينما تتم تغذية مدخلاتها، وأكبر تغذية ستكون بتولية الإسلاميين الحكم في بيئة صالحة للاضطراب والاشتباك العقائدي، ولكن هل ستجني أمريكا من تلك الحروب أرباحًا؟ الربح هو الذي يدير العقلية الأمريكية، وهو المسيطر على طريقتها في الإدارة، سواء كان الحكم عندهم "جمهوريًا" أو "ديمقراطيًا" فهو هو، أمريكا في كل الأحوال هي المرابي "شيلوك" بصورته الحديثة المتطورة، هي المرابي الذي يريد اقتطاع أرطال اللحم من جسد العالم، وفي الشرق جسد على أتم الاستعداد لتقطيع لحمه، وحين يتم تقطيع لحمه سيسهل على الغرب وعلى الإمبراطورية الأمريكية التهام خيرات هذه البلاد، وقد كان هذا هو الذي أشارت إليه كونداليزا رايس منذ سنوات بمصطلح "الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد"، فهل فهمنا الآن أنه لا شيء في العالم يتم بشكل عشوائي؟!.