الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أخطاء إجرائية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يعنيني كثيرا اذا ما كانت تسريبات اللواء ممدوح شاهين مفبركة او حقيقية لكنها شديدة الارتباط ببراءة مبارك وحبيب العادلي ورجال العهد الاسبق، فكلاهما يرتبط بمفهوم قانوني اصبح دارجا اسمه "أخطاء في الإجراءات"، مفهوم يجعل المجرم ينفذ بسهول من جريمته لأسباب شكلية لا تعني شيئا لكنها تمثل اختلالا كبيرا في القوانين وثقوبا اوسع من ثقب الاوزون في ثوب العدالة.
في حالة مبارك لعب المحامون على الثغرات الشكلية واستغلوا أن النيابة لم تدرج مبارك في محضر الاتهام الأول عند تقديم القضية، ومرة أخرى سواء كانت التسريبات كانت صحيحة ام لا فإنها ايضا تشير إلى أنه من الوارد أن يلعب محامو مرسى على نفس الثغرات الشكلية ليخرجوه محكوما بالبراءة من أضخم تهمة يمكن أن يتهم بها مصري وهي الخيانة وهذا سيكون لمجرد ان مكان احتجازه الأول ليس تابعا للداخلية.
الحالتان من أكبر ما شهدت المحاكم المصرية على مر تاريخها وليس هينا سواء في مصر او خارجها أن يوضع رئيس داخل قفص الاتهام فما بالنا برئيسين في وقت واحد، ومع ذلك فليست هاتان الحالتان هما المستفيدتان من منفذ الاجراءات الشكلية على الاوراق، فكثير من القضايا سواء جنح أو جنايات يخرج المجرم منها ربما لأنه كان يرتدي زيا مخالفا لما أثبت في المحضر، و ربما لأنه جرى القبض عليه في السادسة وليس السادسة وخمس دقائق حسب ما أثبت في المحضر، رغم ثبوت الجريمة في الحالتين.
والمهم أن ذلك الشعار للعدالة معصوبة العينين لم يكن مقصودا به أن يغمض القانون عينيه عن الجريمة بذاتها، ويرى فقط المحسوس منها في الشكل الخارجي، كان الغرض والمعني أن الجميع سواء فالعدالة لا تفرق بين متهم وآخر، وكذلك كان يفترض أن العدالة لا ترى بعينيها لكن بعقلها وقلبها، وهذا للأسف ما يغيب كثيرا أمام بيروقراطية طالت القوانين والمحاكم، وسارت خلفها جوقة المجرمين ومحاميهم الذين يعرفون أن تغذية هذه البيروقراطية والشكلانية و"تستيف" الأوراق هي مخرجها من السجن في جرائم يعلمون علم اليقين أنهم ارتكبوها.
أما عن مرسي فربما كان اللواء شاهين بالفعل يبحث عن مخرج من الثغرة الإجرائية وربما كان أنصار المتهم بالخيانة فبركوا الصوت ليثيروا تلك النقطة على الملء، وفي الحالتين فالواقع والحقيقي أن المحاكم التي تفخر بأنها تحكم من "واقع الأوراق" قد تجد نفسها مضطرة لإخراجه، ليس لأنه لم يتخابر مع الأجانب على بلده لكن لأن الظروف التي يعلمها الجميع اقتضت تصرفا اضطراريا باحتجازه في مكان محكم التأمين وبعيد عن توقعات المتعاون معهم سواء في الداخل أو الخارج.
وما لم يحكم العدل روح القانون بعقله وقلبه وليس بحواسه، وما لم نرتق فتقات القانون ونسد ثغراته وما لم ينصب اهتمام القضاء على طبيعة الجرائم ومرتكبيها فستظل اختام البراءة اختيارا اجباريا على القضاة وسيظل المحامون يبحثون عن منافذ الهروب من العقوبة وهم يعرفون أن موكليهم من اقترفها.
نعلم أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته لكن أن تكون المحاكم والنيابات مسرحًا للعب الأرجوزات وفهلوة المحامين فهذا لا يقيم عدلا ولا يرد حقا، ونتذكر جيدا كيف استخدم هذه الفهلوة نجاح المرجي خلال تجسيده لشخصية الهرم في فيلم الكيت كات وهو الأمي تاجر الحشيش الذي لا يعرف عن القانون سوى اختراقه عندما نجا بمجرد تغيير ملابسه مع نزيل آخر فأفرجت عنه النيابة لأنه لم يكن يرتدي الملابس المذكورة في محضر الضبط.
ومثلما رأى الناس بعيونهم أن الهرم تاجر حشيش فإنهم يعلمون ان مبارك اجرم بشكلٍ أو آخر، ويعلمون أن مرسي اجرم أيضاً لكن الناس تجلس أمام الشاشات تتابع فيلم مبارك ومرسي وتشاهد كليهما يخرج كما الشعرة من العجين والفضل للقوانين المخرمة والمحامين العُقر.
وحتى لا نبقى سائرين نضع عيوننا في أقفيتنا ولا ننظر إلا إلى الخلف فعلينا أن نصنع دولة القانون التي ننشدها، الدولة التي يتاح فيها للقضاة الحكم بما استقر في ضمائرهم عن القضايا. وليس الحكم الذي يضطرون لارفاق مذكرة اعتذار على اصداره في حيثيات احكامهم، وهذا يحتاج إعادة النظر في كل القوانين التي تتراكم بتعديلاتها سنة بعد أخرى وتتناقض وتغل ألسنة القضاة عن الأحكام الرادعة، وإن اقتضى الامر فلنعدل المنظومة القضائية كلها ونبتكر اساليبا للمحاكمة تتناسب مع نوعية القضايا وأحجامها وظروفها .