الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"شجر الدر" أشهر ملكة مسلمة قتلتها "القباقيب" وشوَّهتها الدراما.. مسلسلات وأفلام اختارت رواية واحدة لنهايتها.. مؤرخون اعتبروا شخصيتها الحازمة سبب كراهيتها.. والفنانون اعتبروا نهايتها فرصة للتشويق

شجر الدر أشهر ملكة
شجر الدر أشهر ملكة مسلمة قتلتها القباقيب وشوَّهتها الدراما
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ترتكب الدراما السينمائية والتليفزيونية خطأ فادحًا، في حق التاريخ عندما تعيد تقديم شخصيات تاريخية، لتتناول حياتها بطريقة مشوهة، بغية صناعة دراما مشوقة، قد تتناقض مع الحقيقة التاريخية، ومن أشهر تلك الشخصيات التاريخية المؤثرة، شخصية، "شجر الدر"، أشهر امرأة عربية مسلمة، صعدت إلى كرسي الحكم في مصر.

لم تكن الجارية "شجر الدر"، التي نالت حظوة عند سيدها الملك الصالح نجم الدين أيوب مجرد امرأة عادية في بلاط الملك، فقد تزوجت الملك، وأصبحت أشهر ملكة في تاريخ مصر والإسلام والعرب، لكنها لم تسلم من التشويه في الأعمال الفنية التي تناولت حياتها، مثل فيلم "شجرة الدر" بطولة أحمد جلال، وفيلم "وا إسلاماه" للفنان أحمد مظهر ومسلسل "الفرسان"، بطولة أحمد عبد العزيز، حيث قامت بدورها الممثلة نوال أبو الفتوح.

تاريخيًا، حملت "شجر الدر" ألقابًا مثل الملكة "عصمة الدين" و"الملكة أم خليل المُستعصميّة"، نسبة إلى الخليفة المستعصم، حيث نقش اسمها على الدراهم والدنانير، وبدأ في عهدها تسيير "المحمل المصري" إلى الحجاز، والذي يحمل كسوة الكعبة إلى بيت الله الحرام، إضافة إلى المؤن والأموال.


تحكي كتب التاريخ، أنها كانت جارية جركسية في بلاط الملك الصالح، إلى أن أعجب بها وتزوج منها، فشاركته في إدارة الحرب ضد الصليبيين، أثناء مرضه حتى يتحقق النصر، ويموت زوجها أثناء الحرب فتخفى خبر موته، وتستمر في حكم البلاد وتقود الجيوش باسمه وبمساعدة أمراء المماليك، حتى جاء ابنه توران شاه لتولي الحكم، ويعلن العداء على زوجة أبيه، حتى تمكنت من التخلص منه.

توجت "شجر الدر" ـ وهذا اسمها الصحيح تاريخيًا ـ ملكة على مصر محاولة أن تمسك بزمام الأمور، بعدما جاءت ردود الفعل الغاضبة من مختلف بلاد العالم الإسلامي، رافضة تولي امرأة لعرش مصر، حيث أرسل الخليفة العباسي المستعصم بالله رسالة يقول: "ويل لبلد تحكمه امرأة، إذا كانت مصر أقفرت من الرجال فأخبرونا حتى نرسل إليكم رجلًا".

أدركت الملكة أن الأمور حولها لن تستقر بدون رجل إلى جوارها، فقررت الزواج من الأمير عز الدين أيبك التركماني، الذي اتخذ من الملك المعز لقبًا له وبدأ في إرضاء الفئة الباقية على ولائها للأسرة الأيوبية، فاختار موسي الأمير الصغير من سلالة الملك العادل ونصبه ملكًا معه، قبل أن يزج به في السجن بعد استقرار الأمور، حيث قتله فيما بعد، ليصفو الجو له مع شجر الدر.


تمكن أيبك من توطيد ملكه وعرشه، محاولًا بسط نفوذه وسلطانه ليكون صاحب الكلمة العليا، خصوصا أن زوجته الملكة بلغت الخمسين من عمرها، ولا يوجد لها وريث للعرش، فهي لم تنجب من الملك الصالح نجم الدين، بعدما مات طفلهما الوحيد صغيرًا، كما أنها تجاوزت الخمسين من عمرها، ولن تتمكن من الإنجاب مجددًا.

نهاية حياة الملكة احتلت جزءًا رئيسيًا من اهتمام الأعمال الدرامية، حيث قتلت الملكة على أيدي نساء تحت وطأة الضرب بالقباقيب، حيث استطاعت "سلامة" زوجة أيبك، شراء حراس شجر الدر لتنفرد بها وتقتلها في عقر ملكها وتكون نهاية شجر الدر، وبحسب نهاية الفيلم الذي لعب بطولته المخرج أحمد جلال، فإن الملكة قتلت أيبك، حينما وجدت أنه يمثل عقبة أمام استمرارها على العرش، فتؤجر من يقتله.


وعن الظلم الذي لحق بها يبدأ يقول د. أيمن فؤاد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وأستاذ التاريخ الإسلامي، في جامعة الأزهر: من الخطأ الشائع في نطق اسمها، "شجرة الدر"، بينما الصحيح أنها كانت تسمى "شجر" بدون تاء مربوطة، مضيفًا: "يكفيها أنها بحكمتها وبإخفاء خبر موت زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب، إبان دخول الصليبيين مصر واحتلالها، أسهمت في تحقيق النصر عليهم".

علق على أحداث الأفلام التي تناولت شخصيتها قائلا إن تلك الأعمال ما بين مسلسلات أو أفلام، جاءت بعض ملامح الشخصية التاريخية وليس كلها، لأن العمل الدرامي ليس من المفترض أن يكون فيلما تسجيليا لكن يكون فيه التشويق من خلال قصص الحب ومشاهد الأكشن في بعض الأحيان مما يجذب المشاهد ويجعله يستوعب الحقيقة التاريخية بسهولة أكثر مما لو عرضناها في فيلم تسجيلي أو وثائقي.

أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر اعتبر أن التاريخ له أربعة محددات هي: "أشخاص وأماكن وأحداث وزمان"، وطالما توفرت تلك العناصر فلا خوف من معالجة الدراما للتاريخ، لكن بشرط أن يكون الكاتب أو المؤلف واع للخطوط العريضة وان يلتزم بالوقائع التاريخية كما ذكرت ويستخدم الحبكة الدرامية في أحداث بعيدة عن المسار التاريخي للشخصية، وأضاف:"شخصية شجر الدر لا يفوت أي عمل درامي أن يبرز طبيعتها الحازمة والمتسلطة وزواجها من المملوك "أيبك"، بعد وفاة زوجها الصالح نجم الدين أيوب، إلا أن التاريخ مازال يختلف حول كيفية موتها ففيه عدة روايات منها أن زوجة أيبك اتفقت مع المماليك أن يسلموها شجر الدر لتضربها بالقبقاب ثم تتركها لجواريها لينقضضن عليها فيقتلنها.


أما المؤرخ د. قاسم عبده قاسم فقد أوضح أن "الفيلم التاريخي" الحقيقي يستحق اهتمامًا حقيقيًا؛ لأن التاريخ مهم جدًا في بناء الهوية الوطنية، وإقبال الجماهير على معرفة التاريخ من خلال السينما أو من خلال التليفزيون يفوق إقبالهم عليه من خلال أي وسيط آخر. وأضاف قاسم: "ربما يكون الجوع إلى التاريخ بين جماهير الناس الذين يقرأون الكتب، ويشاهدون التليفزيون، ويذهبون إلى السينما، انعكاسًا لحقيقة نقص ما يتعرفون عليه من الموضوعات التاريخية، بسبب تدنى تدريس التاريخ في المدارس، سواء من حيث الكم أو من حيث كيفية التدريس".