رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الابتلاء بالشريك المخالف المُعارِض للمعارَضة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لدينا فرقة تصرخ بالمعارَضة دائما بغض النظر عما يحدث وعما تئول إليه الأمور! يعترضون على تجاهل حقوق الإنسان وهدرها وعلى تقاعس الدولة عن حمايتها، بل ويتهمونها بالتورط فى انتهاكها، فإذا انتُهك أهم الحقوق على الإطلاق، وهو الحق فى الحياة، على يد عصابات إرهابية تقتل بدم بارد، تجاوزوا الجريمة، وتجاهلوا حق الضحية والحق العام، وانتقدوا العنف المبالَغ فيه عند إلقاء القبض على القاتل المسلح المتلبس ويداه ملوثتان بالدم، فإذا سألتهم أجهزة الأمن عن كيف يمكن أن تتعامل مع رافع السلاح اتهموها بضعف الأداء المهنى، والاستهانة بحقوق المتهم! وإذا حكم القضاء بتبرئة المتهمين أو جاءت الأحكام أخفّ مما يرونه واجبا احتجوا مطالبين بإعدامهم، وإذا جاء الحكم بالإعدام اعترضوا بأنه حكم جائر!
وإذا تسربت تسجيلات لمكالمات تليفونية تلطخ سمعة بعض المنتمين للثورة، لا يندهشون من محتواها ومعانيها السياسية، ولا يناقشون مضمونها وما يترتب عليه من إعادة تفسير بعض الأحداث، وإنما يكتفون بزاوية واحدة تخصّ الإجراءات فى موضوع متعدد الأبعاد، فيعترضون بأن هذا عدوان على الحرية الشخصية، ويتساءلون عن إذن النيابة فى التسجيل والإذاعة، ويطالبون بمحاكمة علنية عاجلة لمن سرَّب ومن أعلن ومن أيَّد ومن حبَّذ، وعندما تُنشَر أحاديث يُقال إنها لبعض القادة العسكريين يعتبرونها دليلاً دامغاً ضد قادة الانقلاب، ولا يذكرون كلمة واحدة عن وجوب استخراج إذن النيابة المختوم بختم النسر!
وقد أصرّوا على أن تكون أهم مهام الثورة القصاص من مبارك ومن كبار قادة وزارة الداخلية، وأن يمثلوا أمام قاضيهم الطبيعى، ثم بدأوا فى التململ والتشكيك فى بطء التقاضى الذى كان يسير على إيقاعه المعتاد، ثم أدانوا الأحكام المخففة والبراءة المتوقعة وفق القوانين السائدة! بل واتهموا القضاء بالتبعية وبالدفاع عن جرائم الدولة المستبدة!
وإذا قام الأمن بإغلاق ميدان أو شارع اتهموه بالتساهل فى اتخاذ أى إجراء دون اعتبار لتعطيل مصالح الناس، وإذا ترك الأمن الطرق مفتوحة اتهموه بعد وقوع الكارثة بعدم الكفاءة وعدم إدراك خطورة ترك المخربين يتحركون بسهولة تسمح لهم بالسيطرة على المرافق العامة!
وإذا صدر قرار بمنع الجمهور من حضور مباريات الرياضة قالوا إنه استسلام للإرهاب وحرمان لحق الجمهور فى التسلية والترويح عن النفس وتحطيم للعبة التى لا تنتعش إلا بأنفاس الجمهور، وإذا سُمِح للجمهور بالحضور انتقدوا الاستسهال بتعريض المواطنين للخطر فى ظروف لا يهدأ فيها الإرهاب!
وبعضهم يقاطع الانتخابات ويُحرِّضون على عدم التصويت، ويدينون كل من يشارك فيها معتبرينها تمثيلية مكشوفة يأبون على أنفسهم أن يكون لهم يد فى إسباغ الشرعية عليها، ثم يعترضون بعد ذلك على النتائج ويقولون إنها لا تُعبِّر عن الواقع!
وبعضهم كان من أصحاب أعلى الأصوات ضد الأحزاب الدينية التى تخلط الدين بالسياسة، ولكنهم تحمسوا بشدة لانتخاب مرشح الإخوان للرئاسة دون أن يتحصلوا منه على أى ضمانة، وعندما فشل فى الحكم وخرج الشعب عليه، تمسكوا هم بحقه الشكلى فى أن يستمر حتى تنتهى ولايته القانونية، واعتبروا الجريمة المتكاملة فى الهيمنة والتمكين وإقصاء الجميع للاستفراد بالبلاد، مجرد سياسة يمكن أن تتغير بعد انتخابات تالية، ورفضوا الالتفات إلى دلائل قوية تؤكد أنه ليس هنالك نية فى انتخابات تالية، ولم يُقدِّروا خطورة اعتماد العنف ضد الجميع وفتح معارك مع كل الأحزاب والتيارات والنقابات والفئات الأخرى!
ومِنهم مَن اقتنع بجرائم الإخوان ووجوب التخلص من حكمهم وشارك فى 30 يونيو مطالباً بالإطاحة بحكمهم، ثم إذا به بعد ذلك يتعامى عن إرهابهم ضد الجيش والشرطة ثم ضد عامة المواطنين، وعن وضع المتفجرات فى الطرق العامة، ولا يزال يتحدث عن مصالحة معهم لأنهم فصيل وطنى!
وعندما نجح الإخوان فى زرع العناصر الإرهابية فى سيناء خلال عام الحكم الكئيب الذى تولوا فيه، وجرى تزويدهم بالمدفعية الثقيلة والصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، أشار هؤلاء بأصبع الإدانة إلى الجيش الذى غفل عن المؤامرة، ولم يدينوا الإخوان بذات القدر، ولكن عندما قام الجيش بالتصدى اتهموه باستخدام القوة المفرطة، وأنه عليه أن يقوم بالقبض عليهم بما يراعى سلامتهم البدنية وتقديمهم للعدالة!
وهم يطالبون بالسيادة على كامل التراب الوطنى وبعدم التفريط فى متر مربع واحد، ولكنهم يجدون المبررات لوجود الأنفاق مع غزة التى تخترق السيادة ويقولون إنها الحل الوحيد لحصار أشقائنا الفلسطينيين، وعندما تتوافر الأدلة الدامغة على تورط حماس فى جرائم ضد السيادة الوطنية، يستنكرون مجرد اتهامها بأى من ذلك لأنهم يرون استحالة أن يأتى هذا من حركة تحرر وطنى!
ومنهم من لا يخجل من أن يتخذ الموقف وضده حسب مجريات الأمور دون أن يفسر ودون أن يعترف أنه غيّر رأيه! ولا عيب فى أن يُغيّر أحدٌ رأيَه! بعضهم له رأى مسجل عند مناقشة قانون الطفل بالإصرار على أن يقرّ القانون أن يرتفع سن الطفل إلى 18 عاماً، وعندما وقعت جريمة اغتصاب طفلة صغيرة وقتلها على يد فتى أقل من الثامنة عشرة ببضعة أشهر، قاموا هم أنفسهم وبأعلى صوت بانتقاد القانون بأنه قد بالغ فى رفع سن الطفل بما ترتب عليه إفلات الفتى المجرم من عقاب رادع! ولم يعترفوا بدورهم فى أن يصدر هكذا!
ثم انظر إلى انقسامهم بشكل يدعو للأسى فى أزمة إنسانية حقيقية حاول فيها أب أن يغتصب ابنته ذات العشرين ربيعاً، وهى فتاة بسيطة تكدح لتعول الأسرة، وراح يراودها عن نفسها مرة بعد أخرى، فقامت بالتسجيل له على تليفونها كدليل دامغ على فعلته، فإذا ببعض هؤلاء، ممن يهاجمون التحرش ويطالبون بحماية المرأة ووضع الضوابط للذئاب البشرية، وبدلاً من أن يمدوا لها يد العون، وهى فى أمسّ الحاجة لسند نفسى قبل مساعدة قانونية، إذا بهم ينتقدونها لأنها سجلت الواقعة دون إذن النيابة! بل ولامها آخرون لأنها لم تراع تحطيم أسرتها بإعلان سقطة أبيها التى كان يمكن علاجها فى إطار الجو الأسرى!
وهذا قليل من كثير يتكرر باستمرار من البعض الذين يصحون يومياً وفى نيتهم أن يعارضوا، فإذا لم يعثروا على جديد مشوا على جدول الأمس، وإذا لم يجدوا هدفهم فى سياسة أو إجراء من الرئيس أو الحكومة أو هيئة رسمية، راحوا يُنقبِّون فى تصرفات من المجتمع، وأخضعوا كل هذا لرؤيتهم ولمازورة خاصة غامضة تحدد للجميع ما عليهم أن يفعلوه وإلى أى مدى!
وهذا مما يستنزف ويبدد الجهود الجادة الحريصة على الإصلاح والتى لها انتقادات موضوعية، كما أن لها رؤى تلبى مطالب الثورة.