رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المندهشون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس أسوأ من خروج مبارك بحكم البراءة إلا حالة الاندهاش العامة التي أصابت قطاع ليس قليلا ممن يسمون أنفسهم نشطاء أو ثوريين، وهذا الاندهاش المبالغ فيه يعطينا صورة عامة عن الحالة الفكرية الضحلة التي يتمتع بها هؤلاء الذين الذين هاجموا الحكم ببراءة مبارك.
ورغم أنه لم يتيسر لي حتى الآن قراءة التبيان الذي أصدره القاضي، والذي يشرح فيه لماذا صدر الحكم بالبراءة، كما أنني- مثلنا جميعا- لا أمتلك مؤهلات كتابة تحليل قانوني عن القضية والحكم الصادر فيها، وبغض النظر عن محاكمة "القرن" منذ بدايتها وحتى الآن تبقى الحقيقة العارية هي أن الإتهامات التي تم توجيهها لمبارك عبثية ومن النوع الفالصو، ولا ترقى أبدا إلى ما شهده عصر مبارك من جرائم منظمة ومتكاملة في حق هذا البلد، ومن عاش عهد مبارك كاملاً يعرف أن ماوصلت إليه مصر الآن من تردي هو صناعة مباركية، وأن ملايين المصريين قد ماتوا في عهده أما معنويا بسبب البطالة والفقر وانعدام الأمل في المستقبل، أو فعليا بسبب تفشي الفساد والفقر وانهيار العلاج، وتردى الأوضاع الصحية، ففي عهده عرفنا المبيدات المسرطنة والأغذية الفاسدة وعرفنا المياه الملوثة وعرفنا الفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي.
مئات الجرائم الموثقة يتحمل مبارك ومن خلفه من جماعات الفساد المنظم المسئولية الكاملة عنها، فعندما يتدني التعليم، وتصل الأمية الثقافية حتى حدود أدمغة خريجي الجامعات وحاملي أعلى الشهادات الجامعية يصبح من الطبيعي أن ينهار الوطن، وتنتشر جماعات الظلام تحت رعايته وبإشرافه، هكذا أراد مبارك للوطن أن يبقى بين الدول مريضًا لا أمل في علاجه.
لذلك يأتي اندهاش المندهشين بعد صدور الحكم كتتويج لحالة الفراغ كما أرادها مبارك بالضبط، ولم يكن من اللائق بحالة ثورية أن تكون بهذا الضعف والوهن، ويكون ردها التشنج والولولة والصراخ، بدلاً من التفكير والتنظيم وترتيب الأوراق، وبقدر الغضب المتنامي في الصدور مما شهدته مصر في زمن مبارك، إلا أن هذا لا ينسينا أبداً معركة المصير ضد الإرهاب والتطرف، فتيار الإسلام السياسي الذي كان حليفا مخلصا لنظام مبارك ومؤيدًا للتوريث مازال يلعق جراحه، ويستعد للانقضاض على ما تبقى من الدولة في أي لحظة، وهم يتخيلون الآن أن حالة الغضب العامة بسبب حكم براءة مبارك تمثل لهم فرصة ذهبية للعودة.
إذن من المهم لكل متابع، وكل مهتم أن يعرف أن مبارك ورجاله وبديع وأتباعه وجهان لعملة واحدة، فلا ننجر في الخصومة الأبدية ضد مبارك لنخلي بأيدينا الساحة للمتأسلمين، ولا يأخذنا الغضب ضد الإخوان فنقع في فخ الدفاع عن مبارك ورجالة لصوص القوت والأراضي، فالحالة بشكل عام محفزة للتفكير، وتحتاج أكثر من أي وقت مضى لحلول مبتكرة من خارج الصندوق بدلا من ردود افعال دائما ما تأتي متأخرة.
وإذا كان ما بدا واضحا من حكم البراءة أن الأدلة لم تكن كافية للإدانة فالتركيز الآن يجب أن يكون على إيجاد آليات جديدة لتوثيق وتجميع أدلة حقيقية وإيجاد آلية قانونية مناسبة تضمن محاسبة مبارك ورجال عهدة باعتبار مسئوليتهم المادية والمعنوية والسياسية عن سوء إدارة البلاد طوال عقود كاملة.
بلادنا في هذه المرحلة في أمس الحاجة لاسترداد أموالها المنهوبة، وفيما يبدو أن مبارك ورجاله لن يستسلموا بسهولة، وربما ما أعلن عنه الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق السابق، ومحامي المليونير المصري الهارب حسين سالم، يشير إلى بداية جديدة لاسترداد الأموال، فقد قال كبيش لوكالة الأناضول أمس أن حسين سالم سيتبرع بنصف ثروته إلى الخزينة المصرية، وتقدر بنحو 4 مليارات جنيه وأوضح أن طلباً أمام النائب العام تم تقديمه للسماح بهذا التبرع وأكد كبيش أن التبرع لصالح البلد لا علاقة له بالقضايا التي مازالت منظورة ضد موكله.
فهل يمكن استنساخ تلك التجربة وأن تمتد يد الدولة القوية إلى جيوب كل اللصوص لتسترد البلد أموالها، لو حدث هذا يكون أمراً طيباً وقد ترتاح الأفئدة المشتعلة غضباً من الحكم ووقتها لن يجد المندهش مبرراً لاندهاشه.