الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل ضاع حقُّ الشهداء في القصاص؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المسئولية موزَّعة فى تبرئة مبارك، من التهم القليلة التى وُجِّهت له، وفى تعثُّر الحصول على حق شهداء يناير! ويُسأل فى هذا جهات التحرى وجمع المعلومات والأدلة، ومعها النيابة العامة، وأيضاً محامو الثورة، إضفْ إلى هذا أن هناك عدداً من القوانين المعيبة، التى لا تزال فاعلة بعد نحو 4 سنوات من ثورة يناير، والتى جرى ويجرى بها محاكمة مبارك ورجاله وعهده، والتى روعى فى وضعها أن توفر حوائط صدّ لهم جميعاً، بل ولا يزال هناك فرصة أن تستفيد منها جماعة الإخوان أيضاً!
بخصوص القواعد المفبركة خصيصاً لهم ولمعيتهم، يكفى الإشارة إلى إجراء واحد فقط جرى تفصيله للسماح بإفلات كبار الفاسدين حال وقوعهم متلبسين، وذلك فيما يسمونه مبدأ المصالحة فى القضايا المالية، التى تمتع بها مبارك وعائلته عندما تنازلوا عن هدايا مؤسسة الأهرام بعشرات الملايين من الجنيهات، التى تحصّلوا عليها بغير وجه حق، وعلى سبيل الرشوة الصريحة مقابل مد خدمة رئيس المؤسسة، ليكسب هو ملايين أخرى، وكل هذا من المال العام! فإذا بالإجراء الغريب يسمح بتسوية القضية وإسقاط الاتهام بمجرد أن يرد المرتشى المبالغ المالية التى تقدرها جهات رسمية عما تم اكتشافه وإثباته! وبناءً عليه تتنازل الدولة عن الحق العام الذى أهدر، حتى إذا كان على يد أكبر مسئول فيها!
وأما عن الأحكام الأخيرة، فعلينا أن نتحرز فى اتهام القضاء وإدارة البلاد فيما بعد 30 يونيو، ليس فقط لأن أحداً لم يقرأ بعد عشرات الآلاف من الصفحات التى تُشكِّل ملف القضية ونصّ الحُكم، ولا لأن القضية كانت على مساراتها قبل أن تتولى الإدارة الجديدة، ولكن لأن هذا يعفى المسئولين الحقيقيين عن الجريمة، ويُدارى على دورهم، كما أنه يُبعدنا عن إمكانية أن نصل للحقيقة فى وقت صارت رغبة الناس عارمة فى معرفة تفاصيل كل ما وقع وما يقع على أرض بلادهم، وصار تطلعهم شديداً فى إجراء إصلاحات جذرية.
إن المعلومات القليلة التى رشحت من آلاف الصفحات الخاصة بالقضية تشير إلى أن هناك اختلالات فى النظام الذى يُفتَرَض فيه أن يحارب الفساد. ولكن إصلاح الأمر يخرج عن صلاحيات القضاء، بل على القضاء أن يلتزم بإعمال القانون الموجود حتى يجرى تعديله، ثم يلتزم القضاء أيضاً، بعد ذلك، باتباع النصوص الجديدة بعد التعديل، عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.
وأما عبء إصلاح هذه التشريعات فيقع على كاهل مجلس النواب الجديد، الذى سوف يُناط به مسئوليات جسام، مما يجعل أهميته شديدة الاستثنائية، بل إنه سيُناط به علاج جانب من المأزق الذى دخلت فيه قضية حقوق الشهداء، ذلك أن الدستور، تبعاً لآخر تعديلات وافق عليها الشعب بعد الإطاحة بالإخوان، ألزم مجلس النواب الجديد، فى المادة 241، بأن يقوم فى أول دور انعقاد له بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أسس المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية.
ومن علامات الاستفهام الكبرى فى قضية الشهداء: كيف غاب عن محامى الثورة أن يُبصِّروا ذوى الشهداء والرأى العام أن أمد القضية لا بد أن يمتدّ، وفق القواعد الطبيعية المعمول بها فى بلادنا، إلى نحو أربعة أعوام حتى الوصول إلى حُكم نهائى بات؟ وأن البداية من محكمة الجنايات يتبعها النقض، ثم العودة مرة أخرى لمحكمة جنايات أخرى، ثم الرجوع للنقض مرة أخرى؟ ولا تتوقف أهمية معرفة هذه التفاصيل بجدولها الزمنى على أن يتهيأ الناس للصبر طوال هذه المدة، وإنما لأن معرفة هذا كان سيترتب عليها ردّ الفعل الطبيعى فى كل مرحلة من هذه المراحل.
كما أن المحامين لم يتوقفوا طويلاً أمام مسائل يُفتَرَض أنهم أول من يُدركها وأول من ينتبه لما يترتب عليها، وكان يجدر بهم أن يُحذِّروا منها. مثل الاتهام الموجه إلى مبارك ونجليه فى قضية الرشوة بالفيللات، وهو الاتهام الذى قضت المحكمة باسقاطه لانقضاء المدة، وأيضاً عدم جواز إلحاق مبارك بقائمة الاتهام فى قضية قتل المتظاهرين، بسبب انتهاء الفترة التى يجوز فيها الإلحاق!
هذه شكليات مهمة تُعتبَر شروطاً أساسية للنظر فى الدعوى، فإذا اعتورها خللٌ ما بَطُل الاتهام وتوقفت المحكمة عن النظر فى الموضوع، كما أن هذه الشكليات تنتظم بنصوص تشريعية لا تحتمل وجهات نظر، فهل أدركها المحامون؟ وإذا كانوا أدركوها بالفعل، فلماذا لم يجعلوا ذوى الشهداء والرأى العام على بينة بها وبما يترتب عليها؟
لماذا لم يكن موقف المحامين واضحاً فى أن تبرئة مبارك، أو إسقاط التهمة عنه، أمر وارد، لكل هذه الأسباب، وبرغم الاستنكار والغضب والحزن الذى كان سيعمّ الناس بسبب هذا الاحتمال، قبل أن يقع، إلا أنه كان من المفيد أن يتبصر به الرأى العام.
وأما النيابة العامة، فقد تعمدت أن تقتصر التهم إلى مبارك على قتل المتظاهرين والرشوة، إضافة إلى ما أُطلق عليها قضية قصور الرئاسة، وقد أدين فى الأخيرة بالفعل، ويُقال الآن، وفقاً لمسئول فى الجبهة الوطنية لمكافحة الفساد، إن السعى لتبرئة مبارك بدأ على يد النائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود، الذى نسب إليه المتحدث أنه تواطأ بعمل أمر إحالة ضعيف، وإنه أخفى كل البلاغات التى تدين نظام مبارك!
وأما الجهات المسئولة عن جمع الأدلة، والتى أثبتت فى الفترة الأخيرة قدرتها غير العادية على تعقب الكثير من الإرهابيين، مع كل المخاطر والصعوبات التى تعوق هذه المهام، وثبت أن لديها معدات متقدمة فى الاقتفاء والتسجيل، وأن يدها تطول أبعد الأماكن على خريطة البلاد، وأن بين صفوفها كوادر مدربة على المهام الصعبة، كما أنها تمكنت من الإفلات من سطوة الإخوان وهم فى سدة الحكم، بل ووفرت للقضاء الأدلة الثبوتية على ضلوعهم فى جرائم خطيرة، فكيف لم تتمكن من رصد اتصالات وحركات المجرمين الحقيقيين فى قضية قتل شهداء يناير؟! وإذا كان وزير الداخلية ومساعدوه أبرياء، وإذا كان مبارك خارج الاتهام لخطأ فى الإجراءات، فمَن فعلها؟ ألا يوجد ولو قدر ضئيل من المعلومات عن متهمين آخرين؟ ولا حتى شبهات؟
كيف يتوقع البعض من القضاء أن يحكم دون أن تتوفر له الأدلة الدامغة؟