الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة (6)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا حدث خارج ميدان التحرير؟
أو ماذا عن موجة الاحتجاجات الاجتماعية؟


ثورة 25 يناير لم تكن "انتفاضة خبز" تقليدية مثل انتفاضة يناير 1977، أو انتفاضات الخبر، التى شهدتها عدة بلدان عربية، مثل الجزائر أو الأردن، فالدوافع الاقتصادية/ الاجتماعية، التى ميزت انتفاضات الخبز، لم تكن هى الدوافع الرئيسية التى أطلقت الثورة من عقالها، رغم أنها كانت جزءًا من الدوافع المهمة لبعض المشاركين، حيث يمكننا القول أن الأمر الجامع ، بين كل المشاركين، كان رفض القهر بكل أنواعه وأشكاله، وحتى الذين خرجوا لدوافع اقتصادية /اجتماعية، كان رفضهم للفقر والإفقار، هذه المرة، مرادف لرفضهم للقهر شأنهم فى ذلك شأن من خرج رفضاً للقهر الثقافى أو القهر السياسي.. الخ، والبحث عن الكرامة عند المشاركين المقهورين الفقراء هو ما كان يجمع بينهم وبين الباحثين عن الكرامة لإسباب سياسية أو ثقافية، ولعل هذا ما يفسر كيف أن الجوعى والفقراء الذين شاركوا فى يناير 2011 لم يخرجوا رداً على قرارات اقتصادية مُحددة مثلما حدث فى كل انتفاضات الخبز، ولم يخرجوا طلباً لزيادة ما فى الأجور، أو تخفيضاً ما فى الأسعار تقيهم شر الجوع، وإنما خرجوا لأن الفقر قهرهم ونال من كرامتهم، وبصياغة أخرى لأنهم تعرضوا، جراء الفقر، لقهر اقتصادى، ومن ثم فقد طالبوا بالكرامة الإنسانية أولاً وقبل أى شئ آخر، طالبوا بتحريرهم من هذا القهر الاقتصادى، وبالطبع فإن التحرر الاقتصادى من القهر كان يعنى، أو ربما بالأحرى يتضمن، كل ما يمكن أن يقي هؤلاء المقهورين شر هذا القهر، أى يتضمن زيادة الأجور، وخفض الأسعار ... الخ.
بسبب هذه الطبيعة- غير التقليدية لثورة 25 يناير- لم يفهم الكثير من المراقبين والمحللين أسباب هذه الثورة ودوافعها، بل واعتبر بعضهم أن عدم وضوح هذه الأسباب والدوافع هو أمر لا يمكن تفسيره إلا بالبحث والتحري عن مؤامرة أو مؤامرات تفسر ما اعتبروه غامضا وغير مفهوم، ولخص البعض الأمر بأن الشباب "عايز يبقى له دور"، بل ووعدوا الشباب بأن يوفروا لهم الدور الذي يطلبونه أو يتمنونه، وكانت الترجمة العملية لهذه الفكرة عند قوى الثورة المضادة ، تقضى برشوة بعض القيادات الشبابية وإفسادهم.
دخل الأمر برمته إلى مسار جديد عندما بدأت موجة الاحتجاجات الاجتماعية ترتفع بعد اندلاع الثورة بأسبوعين تقريباً، وهو ما كان يُنذر بانفجار واسع يعصف بكل أسس وأركان النظام، وكانت موجة الاحتجاجات الاجتماعية هى التطور الطبيعى للشرارة التى اندلعت فى 25 يناير، أو بصياغة أخرى هي بدايات تبلور برنامج مطلبي محدد للطبقات الاجتماعية الأكثر فقرا التي شاركت في الثورة، ومنذ اليوم الأول لبداية موجة الاحتجاجات الاجتماعية بدا واضحاً عداء قوى الثورة المضادة لهذه الموجة التي أطلقت عليها فوراً "تحركات أصحاب المطالب الفئوية" وهكذا تم وصم هذه الموجة بأنها "مطالب" لـ "أصحاب مصالح فئوية" بينما يقتضي حب الوطن أننا "ما نقولش إيه اديتنا مصر" و إنما نقول "هندّي إيه لمصر " وعيب أصلا أن يكون لنا" مطالب" أو "مصالح" في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن وكمان لازم المطالب تكون للبلد كلها مش لفئة محددة و"لا إحنا عايزين نقسم البلد ؟!" .
كتبت في ذلك الوقت تحت عنوان اللحظة السياسية الراهنة و تحديد المهام العاجلة" بدأت موجة الاحتجاجات الاجتماعية تقريباً فى اليوم الخامس عشر أو السادس عشر للثورة، ونحن نعتقد أن هذه الموجة التى كانت تشى بعصيان مدنى شامل قد تفضى إلى تقويض كل أبنية الدولة ومؤسساتها كانت أحد الأسباب الرئيسية لتنحى الرئيس مبارك، ومن ثم فإننا نرفض كل التحليلات التى حاولت التقليل من أهميتها، أو اعتبارها مقدمة لفوضى أو اعتبرتها ثورة أخرى لها دوافع أخرى وأهداف أخرى، فهذه الموجة فى التحليل الأخير خرجت هى الأخرى ضد القهر، القهر الاقتصادى المباشر، ومن ثم فقد كان من الطبيعى أن تندلع فى أماكن العمل، ولم تكن هذه الموجة بعيدة عن الشعار الرئيسى : "الشعب يريد إسقاط النظام"، بل هى الأخرى حاولت أن تحصل على مطالب ما بعد إسقاط النظام، وكل التخوفات التى ذهبت إلى أن هذه الاحتجاجات قد تؤدى إلى انهيار الدولة هى تخوفات مشروعة ومن ثم فإن على الدولة أن تستجيب لهذه الموجة بسرعة وعبر آليات مختلفة عن الأساليب البطيئة والمترددة التى تم بها الاستجابة إلى المطالب السياسية، ونعنى بالاستجابة هنا تحديداً: تحقيق المطالب المشروعة مع شفافية كاملة ومفاوضات معلنة تحصر وتحجم وتجهز على ما قيل من وجود مطالب شخصية أو فئوية غير منطقية أو غير عادلة أو غير مشروعة مثلما هو حال- مثلاً– هؤلاء الذين اعتدوا – فى غيبة الدولة – على الأراضى الزراعية وبنوا عليها، فهذا السلوك لا يعبر عن مطلب عادل لبعض الناس انتزعوه فى خضم العملية الثورية، وإنما يعبر عن جريمة على المجتمع كله حتى لو حققت مكاسب لمن قام بها، باختصار علينا أن نفاوض كل المحتجين ونلبى فوراً كل ما هو عادل من مطالبهم بدلاً من أن نطلب منهم الانصراف إلى العمل وكأننا نحاول أن نحرمهم من ثمار ثورة شاركوا فى صنعها".
والآن، يمكننا أن نقول أن الدولة لم تستجب لمطالب الناس الفئوية العادلة، لكن الأمر بدا للحظة وكأن مصر في طريقها إلى توفير آليات ديموقراطية من شأنها أن تسمح بتنفيذ ما هو ممكن وعادل من هذه المطالب من خلال آليات التفاوض الاجتماعي التي تستند على توفر حقوق التعبير والتنظيم والاحتجاج السلمي حيث تم بالفعل، وفي سياق العملية الثورية التي بدأت في 25 يناير، انتزاع هذه الحقوق، لكن التطورات التي حدثت بعد ذلك سحبت هذه الحقوق مرتين: مرة لأنها حرام، ومرة لأننا في حرب ضد الارهاب ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولكن التاريخ في مصر- بل و في العالم كله- يعلمنا أن عدم توفر آليات التفاوض الاجتماعي قد يكتم الصراع الاجتماعي لكنه لا يلغيه، أو بصياغة أخرى يعلمنا أن: "القمع يؤرخ للثورة".