الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تقرير «تقصي حقائق 30 يونيو» يفضح جرائم الإخوان: الشرطة تعرضت لإطلاق نار من قبل معتصمي رابعة والنهضة.. الجماعة حاربت الدولة داخليًا وخارجيًا.. وشكلت ميليشيات مسلحة لخطف ضباط الجيش والشرطة والقضاة

تقصي حقائق 30 يونيو
تقصي حقائق 30 يونيو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حصلت "البوابة نيوز" على الملخص التنفيذي لتقرير اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق في الأحداث التي واكبت 30 يونيو، الذي تم إعلانه اليوم الأربعاء، في مؤتمر صحفي عالمي من مقر مجلس الشورى. 
وتنشر "البوابة نيوز" نص التقرير كاملاً وهو كالتالي: 
"شهدت مصر منذ يوم 30 يونيو 2013، وما أعقبه من أحداث جسام وتداعيات عنيفة، راح ضحيتها مئات من القتلى وآلاف من الجرحى من المواطنين وقوات الأمن والجيش، وانطلقت في سياقها موجة من الأعمال الإرهابية لا تزال البلاد تعاني من أعراضها، وردود أفعالها في عدد من المحافظات، رغم مرور أكثر من عامٍ على اندلاعها، واكتنفت هذه الأحداث التباسات عديدة بدا بعضها عشوائيًا، وبعضها ممنهجًا على المستويين الوطني والدولي اتصالًا بالرؤى السياسية للقوى التي خاضت غمارها، ومصالحها وتحالفاتها، كما امتدت أصداؤها إلى المجتمع الدولي".

تشكيل لجنة تقصي الحقائق:
وفي ضوء هذه الظروف، وما يكتنفها من غموض وتضارب في سرد الأحداث وما ترتب عليها من نتائج، أصدر المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية "السابق" القرار رقم 698 لسنة 2013 في 21 ديسمبر 2013 بتشكيل "لجنة قومية مستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي واكبت ثورة 30 يونيو 2013 وما أعقبها من أحداث، وتوثيقها وتأريخها، برئاسة الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، القاضي الدولي السابق وأستاذ القانون، وعضوية نخبة من أعلام القانون البارزين، أُدخل عليها تعديلات محدودة لشغل أماكن شغرت، أو تعزيز قدراتها بضم أعضاء من تخصصات أخرى. 
وتولى المستشار إسكندر غطاس، مساعد وزير العدل السابق للتعاون الدولي منصب نائب رئيس اللجنة، وأوكل إليه مسئولية التنسيق والمتابعة مع الجهات والأجهزة المختصة، كما أوكل إليه الإشراف على إعداد التقرير النهائي للعرض على اللجنة توطئة لإصداره، كما ينوب عن رئيس اللجنة في حال غيابه.
وشملت عضوية اللجنة: الدكتور حازم عتلم أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس، والدكتور محمد بدران أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة، والدكتورة فاطمة خفاجي رئيس مكتب الشكاوى بالمجلس القومي للمرأة، ومحسن عوض عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. 
وأتاح القرار الجمهوري للجنة الاستعانة بأمانة فنية وإدارية تختارها اللجنة وتحدد مهامها وما تكلفها به من أعمال، وعين المستشار عمر مروان مساعد وزير العدل أمينًا عامًا للجنة وله حضور اجتماعاتها دون أن يكون له الحق في التصويت، وضمت الأمانة الفنية عددًا من المستشارين من أعضاء الجهات والهيئات القضائية، وهم: هشام أحمد، خالد عثمان، وإيهاب المنباوي، ومحمد السيد، ونرمين أسمر، وحسن السركي، وأشرف لبيب، ومحمد عجاج، وأحمد أبوالعزم، وإيمان القمري، وعلا راضي، ووليد محمود، وإيهاب سرور، ومصطفى سامي، وحسن يوسف، ومحمد أبوشادي، ومحمد أحمد. 
وعززت اللجنة تشكيلها بعدد من المستشارين هم: الدكتور أحمد زكريا الشلق أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتورة سهير لطفي الرئيس السابق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والدكتور حسن سند أستاذ القانون الدولي العام بجامعة المنيا.

مهام اللجنة: 
وأوكل القرار الجمهوري للجنة مهمة تجميع وتوثيق المعلومات والأدلة ذات الصلة بشأن الوقائع المشار إليها في قرار تشكيلها وعلى الأخص: وضع إطار ونظام عمل لتنفيذ مهامها، وعقد اللقاءات والمقابلات وسماع الشهادات وإجراء المناقشات التي تراها للأزمة، وتحليل الأحداث وتوصيفها والكشف عن كيفية حدوثها وتداعياتها والفاعلين لها، وما ترتب عليها من آثار. 
كما تضمنت الاطلاع على ما تم من تحقيقات: بيان الوقائع والمعلومات والأدلة المتعلقة بالجرائم التي تكون قد أرتكبت في حق المواطنين ولم يسبق التحقيق فيها. 
ورخص القرار للجنة في سبيل أداء مهامها أن تستعين بمن تراه من المسئولين والخبراء والفنيين من كل الجهات الحكومية وغير الحكومية، وأن تطلب تزويدها بكافة الأجهزة والأدوات والآليات من كل الوزارات والجهات الحكومية لتيسير أدائها. 
كما نص على تدبير الاعتمادات المالية اللازمة للجنة لمواجهة نفقاتها وأنشطتها بالاتفاق بين رئيس اللجنة ووزير المالية، وأتاح لها استخدام مجلس الشورى كمقر مؤقت لمباشرة أعمالها. 
وأوجب القرار على أجهزة الدولة والجهات المختصة التعاون مع اللجنة وتزويدها بكافة المعلومات والبيانات والمستندات والأدلة ذات الصلة التي تطلبها عن المهام المنوطة بها. 
ونص القرار على أن تقدم اللجنة تقريرها النهائي، وما انتهت إليه من توصيات إلى رئيس الجمهورية خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، لكن تم تمديد هذه المهلة لمدة ثلاثة أشهر إضافية بناء على طلب اللجنة، ثم شهرين آخرين حيث تنتهي فترة عمل اللجنة في 21 نوفمبر 2014.

منهجية عمل اللجنة:
بدأت اللجنة أعمالها في 25/12/2013 وعقدت سلسلة من الاجتماعات التحضيرية العامة، حددت فيها إطارها التنظيمي ونطاق عملها ومنهجيته ونظام الاتصال والتوثيق. 
وعقدت اجتماعات أسبوعية بلغت 47 اجتماعًا عامًا حتى تاريخ إعداد هذا التقرير بخلاف الاجتماعات الفرعية واللقاءات والزيارات الخارجية. 
وأعدت اللجنة قوائم أولية بالشخصيات الرئيسية التي ساهمت في التأثير في مسار الأحداث للحصول على شهاداتها، وقائمة أولية أخرى بالزيارات الميدانية التي كانت مسرحًا لمواقع الأحداث الرئيسة لمعاينتها، وأخرى بالوقائع الرئيسية التي شهدت مواجهات عنيفة. 
وحددت اللجنة احتياجات التحقيق فيها من قضاة وإداريين، كما حددت إطار عملها الزمني من بداية الأحداث يوم 30/6/2013 وانتهاء بانتخاب رئيس الجمهورية وهو ما تحقق عمليا في 3/6/2014.
وحرصت اللجنة على الإعلان عن نفسها ومهامها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وأتاحت وسائل الاتصال بها من خلال الشبكة الدولية على الموقع والبريد الإلكترونى، وأيضًا من خلال الهواتف والفاكس. 
ودعت اللجنة كل المواطنين والمنظمات الدولية والأهلية لموافاتها بما لديها من معلومات تفيد التحقيق، مع كفالة "حماية الشهود" من خلال إخفاء بياناتهم عن التداول العلني لمن يرغب في ذلك، كما خاطبت السلطات المعنية بالدولة لموافاتها بما لديها من تقارير أو معلومات تتعلق بمهمة اللجنة.
وتواصلت اللجنة مع المجتمع من خلال بيانات صحفية تصدرها على الأقل كل أسبوع وأيضًا بالحوارات واللقاءات في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. 
وتلقت اللجنة عشرات من التقارير والدراسات والإفادات والشكاوى كما اطلعت على العديد من الكتب والمقالات التي تناولت وقائع هذه المرحلة. 
وحرصت اللجنة على فحص وتسجيل جميع البلاغات والمواد الواردة إليها بدقة وموضوعية، كما وضعت في اعتبارها جميع التقارير والإفادات التي تلقتها من جميع المصادر. 
وفي إطار التوثيق، أجرت اللجنة مسحًا إلكترونيًا للمواقع الإعلامية المعنية، ومواقع منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية، كما التقت من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان الوطنية والدولية وفودًا من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي كما اطلعت على البيانات الصادرة عن المنظمات الدولية الحكومية ومن بينها بيانات الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، ووثقت هذه الإفادات والمواد الواردة من هذه الجهات. 
وأعطت اللجنة اهتمامًا خاصًا بتوثيق نوعية أخرى من الوثائق، وهى القضايا التي أحيلت إلى القضاء، والأحكام الصادرة فيها، وما أتيح من وثائق النيابة العامة ووثائق الطب الشرعي، وتقارير الأمن العام والأمن الوطني والمخابرات العامة. 
وقام ممثلون عن اللجنة بزيارات لبعض السجون ومؤسسات الرعاية الاجتماعية للتحقيق في شكاوى تعذيب أو معاملة قاسية أو مهينة، فضلًا عن استقصاء مدى ونوعية تطبيق الحقوق القانونية للسجناء وغيرهم من المحبوسين احتياطيًا. 
شملت الزيارات الميدانية التي قام بها ممثلو اللجنة مواقع الأحداث والكنائس والمؤسسات التي تعرضت لاعتداء عليها في كل المحافظات التي شهدت هذه الأحداث لمعاينتها وتوثيق شهادات الشهود حول مسار هذه الأحداث والجرائم التي رافقتها.

كما شملت الزيارات محافظة شمال سيناء، والاستماع إلى شهود يمثلون مختلف المناطق التي يعاني فيها مواطنو سيناء جراء الإرهاب ومكافحته. 
وضمت أيضًا الزيارات الميدانية زيارة الجامعات والمدن الجامعية، واستمع المحققون لعدد من الطلاب ومسئولى هذه الجامعات والإجراءات التي اتخدوها لمواجهة أعمال العنف واحتوائها وحماية الطلاب والأساتذة والإداريين ومرافق هذه الجامعات. 
واستأنست اللجنة بشهادات من جميع الأطياف من قيادات سياسية ودينية وتنفيذية وفكرية وأمنية، سواء للتعرف على خلفيات بعض القرارات، ومسار الأحداث، أو الحلول المطروحة، لمعالجة بعض أنماط المشاكل المزمنة التي أسهمت في تفجر العنف. 
تضمنت المواد التي تلقتها اللجنة ادعاءات بجرائم جسيمة مثل جرائم قتل والشروع في قتل، والخطف والتعذيب والاغتصاب والتحرش، والاحتجاز غير القانوني، والسرقة والنهب وحرق وتخريب المرافق العامة والخاصة، والاعتداء على مقار الشرطة ومعسكرات الجيش والكمائن والمنشآت الحكومية ودور العبادة، وانتهاك الحريات العامة والتحريض عليها، وحرصت اللجنة على التحقق منها وما اتخذ في شأنها من إجراءات، ومدى اتساقها مع القانون المصري والمعايير الدولية الراسخة بموجب المواثيق والاتفاقيات التي انضمت إليها الدولة المصرية. 
وفي تفاعلها مع الوقائع، حددت اللجنة الأبرز منها ورأت أنها تمثل المجرى الرئيسي للأحداث أو كانت تمثل سببًا أو نتيجة لهذه الأحداث أو كليهما، أو تمثل ذروة لمراحل تطور الأحداث وهى: الأحداث التي أدت إلى 30 يونيو، أحداث دار الحرس الجمهوري وما تلاها من حادث المنصة، وأحداث تجمعَى رابعة العدوية والنهضة وفضهما، وأحداث العنف والإرهاب، وأحداث سيناء، وأحداث العنف ضد النساء والأطفال، ومعاملة المحبوسين والسجناء في الوقائع ذات الصلة، وأحداث حرق الكنائس والاعتداء على المسيحيين وممتلكاتهم فضلًا عن إلقاء نظرة تحليلية على قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013 والمعروف إعلاميًا باسم "قانون التظاهر". 
وشكلت اللجنة أمانة فنية من أعضاء بالجهات والهيئات القضائية، يعاونهم أمانة إدارية تحت إشراف الأمين العام للجنة. 
وقسمت اللجنة العمل على أعضاء الأمانة الفنية، وتولى متابعة كل ملف أكثر من عضو من أعضائها، وانتقلت اللجنة وكذلك أعضاء الأمانة الفنية إلى عدد من المحافظات التي شهدت أبرز الأحداث (القاهرة ـ الجيزة ـ القليوبية ـ الدقهلية ـ الشرقية ـ الفيوم ـ بني سويف ـ المنيا ـ أسيوط ـ سوهاج ـ الأقصر ـ قنا ـ أسوان). 
والتقت المواطنين والمسئولين وعاينت الأماكن والمنشآت وجمعت ما تيسر من الوثائق والتسجيلات، ودعت كل من لديه معلومات من مختلف التوجهات إلى التعاون مع اللجنة وتقديم معلوماته إليها، وكررت هذه الدعوة في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية حتى آخر وقت ممكن. 
لم يكن سير هذه الأحداث وتحليل سياقها ونتائجها وكشف حقائقها، وجمع الأدلة الخاصة بها هو غاية جهد هذه اللجنة، بل ربما يكون الأهم من ذلك هو الوصول إلى فهم معمق لما حدث حتى لا يتكرر، والحيلولة دون إفلات الجناة من العقاب، واستخلاص دروس المرحلة من أجل بناء علاقات سليمة بين السلطة والمجتمع، وبين فئات المجتمع المختلفة، تقوى مناعته، وتطلق طاقاته نحو التقدم، وهو ما سعت إليه استخلاصات وتوصيات هذه اللجنة.
وتم تناول هذه الأحداث سعيًا للإجابة على ما يثور من تساؤلات كتحديد زمان ومكان الحدث، والأطراف الفاعلة فيه والطرف البادئ بالاعتداء، والنتائج المترتبة عليه، ولم تجد اللجنة غضاضة في تسجيل قصور المعلومات لديها في أي ملف، لا يمكنها من الرد على سؤال أو أكثر مما سبق.

التحديات التي واجهت اللجنة في أداء مهمتها: 
اجتهدت اللجنة قدر المستطاع في جمع المعلومات وتوثيقها لرسم صورة تعكس الأحداث على حقيقتها، وذلك رغم عدد من الصعاب التي واجهتها، ولكن تغلبت اللجنة على الكثير منها، ويمكن إجمال أهم هذه الصعاب في الآتي: 
تضارب المعلومات والبيانات والتفسيرات حول الأحداث، وهو مشهد ساهمت فيه أطراف سياسية عديدة وليس فقط الإخوان وحلفاؤهم، ولم تقتصر هذه السمة على تفسير الوقائع فحسب بل أيضًا باختلاقها أحيانًا، ولكن اللجنة اعتمدت على المعلومات والبيانات الموثقة بتسجيلات أو مستندات أو أي وسيلة أخرى أو ما تواترت عليه أقوال الشهود. 
عزوف بعض الأطراف المباشرة مثل جماعة الإخوان ومناصريها من التيار الإسلامي عن التعاون مع اللجنة، سواء في سياق موقفهم المبدئي من الأحداث، الذي ينبثق من رؤيتهم لأحداث 30 يونيو، باعتبارها مجرد انقلاب عسكري على الشرعية، أو عدم تقديمهم ما يثبت أقوالهم المتعلقة بأعداد الضحايا التي يسوقونها من خلال إعلامهم الإلكتروني، وعدد من وسائل الإعلام الدولية المتعاطفة معهم، وقد وجهت اللجنة دعوات كثيرة لهم للتعاون معها من خلال كل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وعلى شبكة المعلومات الدولية. 
وأسفر ذلك عن تعاون محدود من نفر قليل منهم، أعقبه إعلان القيادي الإخواني الدكتور محمد على بشر عن حضوره للجنة والالتقاء بها، وتحدد له يوم 15/8/2014 إلا إنه اعتذر في اليوم السابق على الموعد، وساق أسبابه ولم يكن فيها جديد يدعوه إلى تغيير موقفه، ورفضت قيادات الجماعة وعلى رأسها خيرت الشاطر مقابلة اللجنة. 
واستطاعت اللجنة الحصول على إفادات عدد من المحبوسين من أنصار جماعة الإخوان، كما اطلعت اللجنة على تقارير بعض المنظمات الحقوقية المعنية في هذا الشأن والتي تعكس وجهة نظر هذه الجماعة. 
ودعت اللجنة أيضًا الدكتور محمد سليم العوا المرشح الرئاسي السابق للإدلاء بمعلوماته عن الأحداث فاعتذر كتابة عن عدم الحضور. 
وتخوف كثير من المواطنين في بداية عمل اللجنة من التعاون معها بسبب الادعاءات بملاحقتهم، أو تهديدهم من أي طرف، وبمرور الوقت خف هذا الأثر شيئًا فشيئًا، مع إصرار اللجنة على الحصول على إفادات المواطنين، وكذا الاعتبارات الأمنية التي حالت دون التنقل والاستماع لأكبر عدد ممكن من أبناء سيناء رغم أنها تمثل عنصرًا أساسيًا في تقصي حقائق هذه الفترة وأحداثها. 
كان للبيانات والمعلومات غير الموثقة وتكرار نشرها من مروجيها أثر لدى البعض الذي تعامل مع غيره على أنها حقيقة، ولكن بالتواصل مع مصادر هذه البيانات والمعلومات سواء كانوا أفرادًا أو منظمات في داخل البلاد أو خارجها، لم نتلق ردًا موثقًا، وإنما ذكر لأرقام خالية من الدليل، وستعتد اللجنة فقط بكل ما هو موثق أيًا كان مصدره.

التعاون مع اللجنة: 
ومن الإنصاف القول إن المعلومات والأدلة والقرائن التي توصلت إليها اللجنة لم تكن نتيجة جهدها فقط بل عاونها في ذلك عدد كبير من المواطنين والجهات والمؤسسات، وكان مــن أبرز المتعاونين مع اللجنة السادة رؤساء الكنائس الثلاثة ورؤساء جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر ووزارة الداخلية، وأيضًا محكمة استئناف القاهرة ومحكمة استئناف أسيوط، والهيئة العامة للمساحة، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، والدكتور هشام عبدالحميد المتحدث الرسمي لمصلحة الطب الشرعي والدكتور صلاح سلام عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والقنوات الفضائية، "أون تي في" و"سي بي سي" و"المحور"، وصحف الأهرام واليوم السابع وفيتو، وغيرهم ممن فضل عدم الإفصاح عنه.

خلفية تاريخية (الطريق إلى 30 يونيو 2013)
..
تقدم هذه الخلفية عرضًا تاريخيًا للأحداث التي أدت إلى 30 يونيو 2013، وتطرقت إلى دور الإخوان في ثورة 25 يناير 2011، وإعلانهم في البداية عدم المشاركة كجماعة وتركوا لعناصرهم حرية المشاركة فيها، ولم تبدأ المشاركة كجماعة في الأحداث إلا يوم 28 يناير 2011، كما أوضح التقرير دورهم في المرحلة الانتقالية حتى جاء الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى الحكم في 30 يونيو 2012. 
وعدّدَ التقرير أبرز الأحداث في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي والتي بدأت برفضه أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا ثم اضطراره إلى أدائها أمامها، ودعوته مجلس الشعب المنحل للانعقاد رغم صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون مجلس الشعب الذي تم انتخاب أعضائه على أساسه، ما رتب حل المجلس. 
وأشارت إلى إصدار الإعلان الدستوري في 12 أغسطس 2012 وأن مرسي أعطى لنفسه كل الصلاحيات التشريعية بجانب التنفيذية، ثم أصدر الإعلان الدستوري الثاني في 21 نوفمبر 2012 وحصن كل قراراته من مراقبة القضاء، وما لبث أن ألغاه بالإعلان الدستوري الثالث الصادر في 8 ديسمبر 2012 دون أن يلغى ما ترتب عليه من آثار.

وكانت هناك تداعيات للإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر 2012 ومنها:
1 ـ وقوع أحداث قصر الاتحادية في أيام 4 و5 و6 ديسمبر 2012 راح ضحيتها عدد من المواطنين ما بين قتيل ومصاب 
تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من أعضاء غالبيتهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم، ما أثار حفيظة التيارات المدنية السياسية. 
حصار المؤسسات القضائية والإعلامية والدينية: فجرى حصار المحكمة الدستورية العليا ودار القضاء العالي ومدينة الإنتاج الإعلامي، ثم الاعتداء على مشيخة الأزهر الشريف ومبنى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. 
تزايد معارضة المواطنين لسياسات الرئيس الأسبق محمد مرسي، ونشوء حركة تمرد التي جسدت هذه المعارضة في صورة استمارات يوقع عليها المواطنون، واستطاعت تجميع ملايين الاستمارات، ودعت مع غيرها من القوى السياسية المدنية للنزول إلى الشارع يوم 30 يونيو 2013 وهو يوم تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي للسلطة للتعبير عن رفضهم لسياساته، ونزلت الملايين في جميع أنحاء البلاد معلنة رفض سياساته.
5 ـ في 23 يونيو 2013 أعلن وزير الدفاع آنذاك عن إمهال القوى السياسية أسبوعًا للوصول إلى حل حتى لا ينفجر الموقف.
6ـ في 1 يوليو 2013 أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانها الذي أمهلت فيه الأطراف 48 ساعة أخرى لتلبية مطالب الشعب.
7ـ في 3 يوليو 2013 انتهت المهلة دون اتفاق على حل لتحقيق مطالب الشعب وأهمها إجراء انتحابات رئاسية مبكرة، ودعت القيادة العامة للقوات المسلحة إلى عقد اجتماع طارئ للقوى السياسية والرموز الدينية وأعلن الحضور عن خارطة الطريق للمستقبل.
8ـ كانت أول خطوة بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي هي تولى الرئيس السابق عدلي منصور – رئيس المحكمة الدستورية العليا – رئاسة البلاد بصفة مؤقتة ابتداءً من 4 يوليو 2013 إعمالًا لما أجمع عليه الحضور في اجتماع 3 يوليو 2013 المشار إليه.


القسم الأول: التجمعات في الطرق والميادين العامة
الفصل الأول: تجمع ميدان رابعة:
دعت جماعة الإخوان إلى التظاهر بميدان رابعة العدوية منذ يوم 21 يونيو 2013 وذلك استباقًا لليوم الذي دعت إليه القوى الشعبية والسياسية بالتظاهر يوم 30 يونيو 2013 ضد حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي. 
وفي 28 يونيو ظهرت الدعوة لتحويل المظاهرات إلى تجمع، وقد بدأت أحداث العنف منذ اليوم الأول للتجمع بعضها مسجل في محاضر رسمية وأخرى لم تسجل، ورصد التقرير يوميات العنف والمحاضر المحررة بشأنها وأيضًا محاضر عن التضرر من ممارسات المتجمعين وصولاً إلى يوم الفض 14 أغسطس 2013، وبلغت هذه المحاضر 108 محضرًا.
ووضعت وزارة الداخلية خطة الفض لتنفيذ قرار النيابة العامة الصادر في 31/7/2013 وأيضًا تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء الصادر بالإجماع بضرورة تنفيذ قرار النيابة العامة.
وحددت وزارة الداخلية يوم 14 أغسطس 2013 موعدًا لتنفيذ قرار النيابة العامة بضبط الجرائم ومرتكبيها في ميداني رابعة والنهضة وغيرهما، وسربت وزارة الداخلية الخبر لإعطاء فرصة لمن يرغب في مغادرة التجمع، والتقى وزير الداخلية مع مجموعة من الإعلاميين والنشطاء من منظمات حقوق الإنسان عشية الفض ودعاهم إلى مصاحبة القوات المخولة بالفض. 
ضم التجمع عناصر مسلحة بأنواع مختلفة من السلاح الناري والأبيض والمفرقعات والمواد الكمياوية وغير ذلك. 
وعندما طوقت قوات الشرطة مكان التجمع في السادسة صباحًا تقريبًا، وأعلنت عن ضرورة الإخلاء والخروج من الممر الآمن في طريق النصر باتجاه المنصة والممرات الفرعية الأخرى، والتأكيد على عدم ملاحقة الخارجين من هذه الممرات، قابلها المسلحون بالتجمع بإطلاق النار والملوتوف والحجارة، وذلك في الساعة السادسة وخمسة وأربعين دقيقة وأصيب النقيب محمد حمدي بطلق ناري في ذراعه الأيسر أثناء وجوده في شارع الطيران.
كان أول قتيل أيضًا في الأحداث من قوات الشرطة حيث أصيب الملازم أول محمد جودة بطلق ناري في الوجه الساعة السابعة وخمس دقائق جراء إطلاق النار عليه من شارعي الطيران وأنور المفتي، ثم توفي في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة حسبما أثبتت ذلك الإخطارات الرسمية ومستندات مصلحة الطب الشرعي.

والمستفاد من أقوال الشهود والتسجيلات أن الشرطة تدرجت في استخدام القوة بدء من الإنذار واستخدام سيارة الطنين والمياه والغاز، ولم تلجأ إلى استخدام الرصاص الحي إلا بعد وقوع أكثر من قتيل ومصاب بين صفوفها، فاستدعت المجموعات القتالية في منتصف النهار للرد على مصادر إطلاق النار عليها، وجرى تبادل إطلاق النار بين قوات الشرطة والمسلحين الذين اتخذوا من بعض المتجمعين دروعا بشرية، وتنقلوا بينهم فأصابتهم نيران الطرفين (الشرطة والمسلحين)، ووقع منهم عدد من القتلى والجرحى، وتمكنت القوات من الوصول إلى قلب ميدان رابعة في نحو الثالثة عصرًا، وأحكمت سيطرتها وأخلت المسجد في السادسة مساء تقريبًا ثم سمحت لبعض المواطنين بنقل الجثامين وانتهت من ذلك في الثامنة مساء. 

ثبت من الخطط المضبوطة لدى أعضاء جماعة الإخوان في الجناية رقم 2210 /2014 قسم العجوزة أنها تنوعت ما بين خطط لمواجهة الدولة بالمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، وتعطيل أجهزتها وإنشاء حكومة موازية، وإرهاق الأمن وكسر وزارة الداخلية لإسقاط النظام، وتشكيل قوة الدفاع الشعبي للقبض على عدد من رجال القضاء ورجال النيابة والقيادات الأمنية ومحاكمتهم علنا وكذلك خطة لتقطيع أوصال الدولة بقطع الطرق ووسائل المواصلات، وخطة إعلامية تتبنى استيراتيجية الإلحاح في تكرار الخبر أو المعلومات حتى تصبح حقيقة يصعب نفيها، والتواجد بكل وسائل الإعلام للنفي الفوري لكل ما يتسرب من حقائق للإعلام، كمابثوا صورا ومواد فيلمية لأحداث وقعت بالخارج على أنها حدثت في مصر، وأشخاص يدعون الإصابة وعلى ملابسهم الخارجية ما يشبه الدماء وبكشف الملابس الداخلية يتبين خلوها من أية آثار لدماء أو جروح. 

خلفت عملية الفض النتائج التالية: 

ــ 8 قتلى و156 مصاب في جانب الشرطة. 
ـ 607 قتلى بعضهم من المواطنين غير المتجمعين الذين قتلوا برصاص مسلحي التجمع،كما هو مسجل بالمحضر رقم 15899/2013، إداري قسم أول مدينة نصر بتاريخ 14/8/2013 وحالة أخرى مسجلة بالمحضر رقم 57 لسنة 2013 أحوال قسم أول مدينة نصر، وكشفت مصلحة الطب الشرعي عن نقل عدد من الجثث من أماكن وفاتها ( المرج، السلام، النهضة، الدقي، النزهة) إلى منطقة رابعة فتكرر تسجيلها، وتم التصحيح بقصر تسجيلها على مكان وفاتها فقط، ورصدت ايضًا مصلحة الطب الشرعي تكرار في بعض الأسماء للمتوفين في منطقة رابعة وجرى حذف المتكرر، وهذا يفسر سبب انفخاض أعداد القتلى عما ذكر من قبل. أما عدد المصابين فبلغ 1492 مصابًا وذلك بخلاف الذين آثروا العلاج خارج المستشفيات الحكومية. 

ـ ما تم تشريحه من جثث بمعرفة مصلحة الطب الشرعي 363 حالة، وباقي العدد صمم المتجمعون على دفنهم بتصاريح دفن من غير تشريح، وصدرت تصاريح الدفن ولم يثبت في أي منها أنها حالة انتحار حسبما سبق الإدعاء بذلك، ويترتب على إصدار تصريح الدفن آثار قانونية كاتخاذ إجراءات تحديد الورثة وصرف المستحقات المالية، ومن ثم كان هناك عقاب جنائي على الدفن بدون تصريح. 

هذا وقد كان اتجاه الطلقات التي أصابت الحالات التي جرى تشريحها كالتالي: 

ـ 29 حالة من أعلى إلى أسفل. 
ـ 87 حالة من الأمام إلى الخلف. 
ـ 89 حالة من الخلف إلى الأمام. 
ـ 145 حالة من اليمين لليسار. 
ـ 95 حالة من اليسار لليمين. 


ــ تم ضبط 51 سلاح ناري مختلف العيارات، وعـدد من الطلقـات التي تستخدم عليها إضافة إلى نبال وكريات حديدية وغيرها من الأدوات والمواد التي استخدمت في الاشتباكات. 

ــ ثبت من تقرير المعمل الجنائي أن الحرائق اشتعلت في مختلف الأماكن والخيام داخل التجمع في وقت متزامن، ولم تمتد من واحدة إلى أخرى مما يشير إلى تعدد الفاعلين. 


الاستخلاصات: 

ــ التجمع وإن بدأ في مظهر سلمي إلا أنه لم يكن سلميا قبل أو أثناء الفض. 
ـ توافرت المسوغات القانونية للشرطة لفض التجمع بالقوة بعد أن فشلت مساعي إخلائه إراديا. 
ـ تم الإعلان عن عزم الحكومة فض التجمع من خلال البيانات التي كانت تلقى على المتجمعين وفي وسائل الإعلام قبل تحديد موعد الفض، وجرى تسريب موعد الفض بعد ذلك لوسائل الإعلام التي أرسلت مراسليها لتغطيته، إضافة إلى الإنذار الصادر قبيل الفض، وتحديد الممر الآمن، ودعوة المتجمعين للخروج الآمن منه، ولكن كثيرا منهم رفضوا الخروج أو أجبروا على ذلك. 

ــ ثبت أن هدف قوات الشرطة منذ البداية إخلاء الميدان وليس قتل المتجمعين غير أنها اضطرت إلى الرد على مصادر النيران التي أطلقها عليها المسلحون من بين المتجمعين، والدليل على ذلك: 

ـ أخطرت الشرطة وسائل الإعلام بموعد الفض، وناشدت المتجمعين الخروج قبل وأثناء الفض. 
ـ تدرجت الشرطة في استخدام القوة، ولم تستدع المجموعات القتالية الا بعد وقوع قتلى وإصابات في صفوفها. 
ــ عند ضبط المتهمين بإطلاق النار على الشرطة من "عمارة المنايفة" لم تتم تصفيتهم بل جرى القبض عليهم وتسليمهم إلى المختصين. 

ـ 

كانت خطة الفض واحدة في تجمعي رابعة والنهضة، وعندما أعلن المتجمعون في كلية الهندسة جامعة القاهرة رغبتهم في الخروج الآمن، وطلبوا وساطة السيد / محافظ الجيزة، وافقت الشرطة على ذلك، ولو كانت الشرطة تنفذ خطة للقتل لاستمرت في حصارهم وقتالهم داخل الكلية. 





وترى اللجنة أن المسئولية عن أعداد الضحايا في فض ميدان رابعة تقع على: 

التجمع وقادته ومسلحوه وقوات الشرطة: 

قادة التجمع الذين سلحوا بعضا من أفراده، ولم يقبلوا مناشدة أجهزة الدولة والمساعي الداخلية والخارجية لفض التجمع سلميا، مع عدم الاكتراث بنتائج الصدام، ويشاركهم المسلحون الذين بدءوا إطلاق النار على الشرطة من بين المتجمعين، فتسببوا في وقوع الضحايا من القتلى والمصابين من جميع الأطراف بل وقتلوا غيرهم من المواطنين غير المتجمعين. 
قوات الشرطة وإن كانت اضطرت إلى الرد على إطلاق النار، إلا أنها أخفقت في التركيز على مصادر إطلاق النار المتحركة بين المتجمعين مما زاد من أعداد الضحايا. 
بعض المتجمعين يتحملون نصيبًا من المسئولية لإصرارهم على التواجد مع المسلحين واستخدامهم دروعا بشرية أثناء إطلاق النار على الشرطة، ولم يمتثلوا لدعوات الخروج الآمن قبل وأثناء الفض. 

كما أن الإدارة المصرية جانبها أيضًا الصواب في الآتي: 

السماح بزيادة التجمع عددا ومساحة، ونقل مجموعات الأفراد والمعدات والمواد اليه التي تدعم تحصينه واستمراره بشكل واضح دون اتخاذ موقف حاسم لمنع ذلك. 
تردد الحكومة بين فض التجمع في وقت قصير مع ما يرتبه من تداعيات، وبين فضه بكلفة أقل ومدة أطول غير معلوم مداها، وقد انحازت الحكومة للخيار الأول حفاظا على وجود الدولة، وكان أمامها بدائل لتجفيف مصادر العنصر البشري في التجمع، وشن حملة إعلامية واسعة لإعلان عزمها على الفض، وإشراك المواطنين معها لإرجاع أبنائهم عن الإنخراط في هذا التجمع غير السلمي. 

* * * * 


الفصل الثاني: تجمع ميدان النهضة 
بدأ هذا التجمع بالتزامن مع تجمع ميدان رابعة العدوية في موعد متقارب، وبدأت فعالياته في 1يوليو2013، وتسجل يوميات هذا التجمع أحداث عنف كثيرة بين أعضائه وبين أهالي المناطق المحيطة به والشرطة، ونتج عنها قتلى وجرحى مسجلة في محاضر رسمية، وقد تسرب خبر الفض إلى المتجمعين، فتحركت مجموعات إلى داخل كلية الهندسة بجامعة القاهرة قامت بفك لمبات الكهرباء، وجمع بعض الأخشاب، وكميات من الرمال، وعلقوا تعليمات بالإجراءات اللازم اتباعها في حالة الفض.

وبدأ الفض يوم 14 اغسطس2013 تنفيذا لقرار النيابة العامة الذي لبته الحكومة، وصلت القوات إلى الميدان قبيل الساعة السادسة صباحا، وأعلنت عن الدعوة للإخلاء، وحددت الممر الآمن من شارع الجامعة باتجاه ميدان الجيزة، فوقف عدد من المتجمعين أمام سيارات الشرطة رفضا لدعوتها، وأطلقت إحدى السيارات طنينا، واستجاب عدد من المتجمعين للدعوة، وخرجوا من الممر الآمن، ثم بدأ المسلحون في إطلاق النار على الشرطة، واشعال النار في الخيام لوقف تقدمهم، وتمركز عدد من المتجمعين المسلحين بمبنى كلية الهندسة، وأطلقوا النار على الشرطة، فبادلتهم إطلاق النار، وفر عدد من المتجمعين إلى الشوارع والأماكن المحيطة. وطلب المتجمعون بداخل كلية الهندسة وساطة السيد/ محافظ الجيزة لإخراجهم، وتم قبول ذلك من جانب الشرطة، وفي نحو السابعة والنصف مساء خرجوا إلى الممر الآمن، وعقب ذلك شبت النيران بالطابق الثاني من كلية الهندسة. 

ترتب على عملية الفض: 88 قتيلا و366 مصابا بالتفصيل الآتي: 
ميدان النهضة: في الشرطة كان عدد القتلى 2 وعدد المصابين 14 مصابا. والمتجمعون جاء عدد القتلى 23 قتيلًا وعدد المصابين 38 مصابا.
مناطق محيطة بالميدان: 63 من القتلى و314 من المصابين، حيث دارت الاشتباكات بين المتجمعين الخارجين من الفض ومناصريهم من جانب وبين أهالي تلك المناطق والشرطة من جانب آخر، وكان قد سبق وقوع أحداث عنف بين المتجمعين وعدد من أهالي المناطق المحيطة بالتجمع أثناء فعالياته أسفرت عن العديد من القتلى والمصابين. 



الاستخلاصات: 
التجمع وإن بدأ في مظهر سلمي إلا أنه لم يكن سلميا قبل وأثناء الفض، وتوافرت للشرطة المسوغات القانونية لفضه. 

كان هدف الشرطة إخلاء الميدان وليس قتل المتجمعين ويرجع في بيان ذلك لما سبق ذكره في فض رابعة. 

تم ضبط 41 سلاحًا ناريًا مختلف العيار وآلاف من الذخائر التي تستخدم عليها، وأثبت تقرير المعمل الجنائي أن اشتعال النار في كلية الهندسة تم بفعل فاعل قام باشعال النار في أماكن متفرقة في وقت متزامن. 

كان لطلب المتجمعين بكلية الهندسة وساطة السيد محافظ الجيزة لإنهاء المواجهة مع الشرطة والخروج من محيط التجمع، وقبول الشرطة لتلك الوساطة أثرًا كبيرًا في تقليل عدد الضحايا وتحجيم الخسائر مما يدل على أن هدف الشرطة لم يكن ابتداء قتل المتجمعين. 



الفصل الثالث 
أولا: الحرس الجمهوري 
بدأ التجمع يوم 5 يوليو وحتى فجر 8 يوليو حيث توجه حشد من المتجمعين برابعة إلى منشأة عسكرية تضم معسكرات وقيادة ودار الحرس الجمهوري لاقتحامها، وإخراج الرئيس الأسبق محمد مرسي منها.

حذرت قوات تأمين المنشأة العسكرية هؤلاء المتجمعين بعدم الاقتراب من السلك الشائك المحيط بهذه المنشأة، وأخبرتهم أن الرئيس الأسبق غير موجود بداخلها، ولكنهم رفضوا التحذير، وتوجه عدد منهم إلى السلك الشائك لمحاولة الاقتحام،فتعاملت معهم القوات، وسقط 5 قتلى وأصيب عدد آخر. 

افترش المتجمعون شارع صلاح سالم أمام المنشأة العسكرية، وقطعوا الطريق وأغلقوا المباني الحكومية، ومنعوا الموظفين من الدخول، واعترضوا أهالي المنطقة المقيمين والعاملين فيها. وفي فجر يوم 8 يوليو 2013 عقب فراغ المتجمعين من الصلاة في الشارع، بدأ الطرق على أعمدة الكهرباء ـ وهي إشارة للحشد ـ، فتجمع عدد كبير منهم، وعاودوا التوجه إلى المنشأة العسكرية في محاولة أخرى لاقتحامها، وأطلقوا النار على قوات التأمين كما ألقوها بالزجاجات الحارقة من أعلى أسطح بعض المباني المجاورة، فردت عليهم القوات بإطلاق النار. 

أسفرت الاشتباكات عن وفاة 2 من قوات الأمن وإصابة 42 آخرين، وتوفي من المتجمعين 59 فردا وأصيب 435 شخصا. 
تم ضبط عدد من الأسلحة النارية مختلفة العيار منها طبنجة مبلغ بسرقتها من مديرية أمن السويس وكذلك أعداد من الذخيرة والأدوات الأخرى التي تستخدم في الاشتباكات. 
ومن المعلوم للكافة أنه لا يجوز الاقتراب من المنشآت العسكرية، ومن ثم كانت محاولة اقتحام إحدى هذه المنشآت المهمة، وتكرار ذلك باستخدام الأسلحة خلال أيام قليلة، يشكل اعتداء خطيرًا، يوفر لقوات التأمين المسوغ القانوني للدفاع عنها، أخذًا في الاعتبار أن الاعتداء وقع على منشأة عسكرية داخل العاصمة. 


ثانيا: مسيرة المنصة: 
بدأت المسيرة في الساعة العاشرة من مساء يوم 26 يوليو 2013 حيث توجه حشد من المتجمعين في رابعة بمسيرة نحو مطلع كوبري 6 أكتوبر باتجاه المنصة (النصب التذكاري) لتوسعة تجمع رابعة، وعند اقتراب المسيرة من مساكن امتداد رمسيس، حدثت اشتباكات بين المسلحين من أفراد المسيرة وبين أهالي المنطقة الذين أنضم لها عدد من أهالي منشأة ناصر للحيلولة من التوسعة حتى لا تتكرر التجاوزات التي وقعت في منطقة رابعة )، وتدخلت قوات الأمن للفصل بين الطرفين، وتطورت الأحداث بعد الاعتداء على قوات الشرطة وقتل أحد الضباط وإصابة غيره، فردت الشرطة بإطلاق النار وانتهت هذه الاشتباكات في السابعة تقريبا من صباح اليوم التالي 27 يوليو 2013. 
نتج عن الاشتباكات وفاة ضابط شرطة وإصابة 3 من رجال الشرطة، وأيضًا وفاة 95 من المدنيين وإصابة 120 شخصا. 
المعلومات المتوفرة لدى اللجنة تفيد أن الاشتباكات بدأت بين مسلحي التجمع وأهالي منطقة امتداد رمسيس ثم وقع الاعتداء المسلح على رجال الشرطة فردوا بإطلاق النار حسب إفادات الشهود، غير أن هذه المعلومات لا تسمح بتحديد المسئول عن كل الوفيات والإصابات نظرًا لوجود ثلاثة أطراف (أفراد المسيرة من جانب وبعض أهالي مساكن امتداد رمسيس ومنشأة ناصر من جانب آخر والشرطة من جانب ثالث)، وجار التحقيق في هذه الواقعة من جانب القضاء في المحضر رقم 4393/2013 جنح مدينة نصر ثان. 

الفصل الرابع 

التوصيات 
v بالنسبة للحكومة: 
1. تعويض كل الضحايا الذين سقطوا نتيجة الاشتباكات المسلحة ممن لم يثبت تورطهم في أعمال عنف أو التحريض عليها، وينبني هذا التعوض على أساس مسئولية الدولة عن نتائج أحداث الشغب، فلقد كان على الدولة واجب الحفاظ على النظام العام بعناصره المعروفة وهي الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة وإن لم تتمكن الدولة من تحقيق ذلك، فعليها التعويض لكل الضحايا بالضوابط السابقة. 
2. الحيلولة دون التأثير على المواطنين البسطاء بأفكار متطرفة من خلال عوامل الجذب مثل الدعم المادي والخدمات واستغلال الدين وذلك من خلال رؤية متكاملة يشارك في وضعها كل المتخصصين والباحثين المعنيين. 
3. ترشيد العمل الدعوي والفصل بينه وبين العمل الحزبي أو السياسي أو النقابي. وتفعيل عدم قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني حفاظًا على وحدة المجتمع وتماسك النسيج الوطني. 
4. التأكيد على حرية التعبير عن الرأي طالما أن ذلك لا يحمل تحريضًا أو يدعو إلى استخدام العنف. 

v بالنسبة للشرطة: 
1. تطوير مهارات الشرطة من خلال وضع برامج تدريبية تستهدف بناء القدرات، خاصة ما يتعلق بأساليب البحث الجنائي، والتعامل مع فض التجمعات والحشود الجماهيرية بالطرق السلمية فضلًا عن مهارات التفاوض والحلول الودية، والإطلاع الدوري على المعايير الدولية ذات الصلة بفض التجمعات بالقوة ووسائل الفض بغية الوقوف على المستحدثات وتقليل الخسائر والإصابات البشرية إلى أدنى حد ممكن. 
2. تفعيل استخدام أجهزة التصوير والتسجيل في الأقسام ومع ضباط العمليات لتسهيل مراقبة أعمالهم والاحتفاظ بهذه التسجيلات مدد معينة بموجب قانون أو لائحة ومعاقبة من يعمد إلى تعطيل أو عدم استخدام هذه الوسائل. 
3. إعادة النظر في استخدام طلقات الخرطوش وذلك لكثرة الاصابات التي تحدثها إذ كثرت حوادث فقدان البصر والعاهات المستديمة لاستخدام هذا النوع من التسليح ويمكن الاستعاضة عنه بوسائل أخرى مبتكرة لدى كليات العلوم لا تؤدي إصابات. 
4. حسن التعامل مع الجمهور واحترام كل حقوقه من خلال تفعيل المناهج المقررة بكليات الشرطة التي تبلور وتعظم من شأن حقوق الإنسان. 

v بالنسبة للمؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية: 

1. ترسيخ مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لكونهما دعامتين أساسيتين لبناء المجتمعات الحديثة، فهذه قيم أصيلة ونبيلة، وقد تهتز هذه القيم أحيانًا في صراعات الحياة المعاصرة، ولكنها سرعان ما تعود إلى الاستقرار. 
2. ضرورة نشر وتدعيم ثقافة التظاهر السلمي في النظام السياسي المصري، وذلك بتربية المواطن على قواعد الديمقراطية، وإرساء مبدأ أن التظاهر هو وسيلة سلمية للتعبير عن الرأي، وليس تخريبًا للمجتمع، وتوجيه صانعي السياسات العامة نحو مصالح تهم الفئات المختلفة في المجتمع تراها بعض الجماهير ضرورة لها، مع الأخذ في الاعتبار أن الأنظمة القانونية المعاصرة تجمع على حق سلطات الأمن في فض المظاهرة في حالات محددة خاصة إذا كانت غير سلمية. 
3. تفعيل دورالأزهر كمنارة للإسلام الوسطي في مواجهة دعوات التطرف الديني من خلال نشر قوافله في المناطق التي تكثر فيها دعوات التطرف وذلك لإعطاء الدروس وتوزيع المطبوعات عن وسطية الإسلام. 
4. مراجعة وتغيير ومراقبة دور التعليم في إنماء فكرة المواطنة وخاصة في المناهج التلعيمية. 
5. دراسة وتحليل أسباب اللجوء إلى العنف ومن ثم وضع الحلول لها بدلًا من مواجهة العنف بالحل الأمني فقط. 






بالنسبة لسلطة التشريع: 
1. تعديل قانون التظاهر على ضوء الرؤية المرفقة حول الجدل الدائر على ذلك القانون. 
2. سرعة إصدار قانون حماية الشهود والمرسل مشروعه من وزارة العدل إلى مجلس الوزراء منذ أكثر من عام. 

v بالنسبة لجهات التحقيق: 
1. سرعة الكشف عن نتائج التحقيقات في الأحداث المهمة درءًا للفتن ومنعًا للدعوات الخارجية بتشكيل لجان تحقيق دولية، وأيضًا الإعلان عما تم من إجراءات في البلاغات المقدمة من جانب بعض المتجمعين أو ذويهم حتى لا يفسر ذلك على أنه تعمد لإهدار حقوقهم. 
2. استكمال التحقيقات في أحداث المنصة لبيان الفاعل في حالات القتل الناجمة عنها. 
3. استكمال التحقيقات في أحداث فض رابعة العدوية لبيان إن كان جميع القتلى من المتجمعين أم بينهم من غير المتجمعين، وأيضًا إن كانت بعض الجثث منقولة من مناطق أخرى أم قتلت في منطقة رابعة، وذلك على ضوء ما تبين للجنة في هذا الشأن. 

v بالنسبة للإعلام: 
1. تقديم البرامج من خلال إعلاميين ملتزمين بالمعايير المهنية. 
2. وقف الحملات الإعلامية المؤججة للكراهية والمحرضة على العنف والإقصاء، وذلك لما تمثله من خطورة بالغة على استقرار وأمن البلاد وما تحمله من انتهاكات لحقوق الإنسان. 
3. الاهتمام بالبرامج والحوارات الكفيلة بتوضيح الحقائق وكشف الأكاذيب بطرق موضوعية وليس بالعبارات الإنشائية والسباب وتحقير الآخر. 
4. دعم دور الأسرة في توعية أبنائها، وإمدادها بالطرق والمعلومات التي تؤهلها للقيام بهذا الدور لحماية الأبناء من الوقوع في براثن التطرف أو التعاطف مع المخربين. 




الجدل الدائر حول قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة 
والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013: 


حرصت لجنة تقصى الحقائق (يشار إليها فيما بعد بعبارة اللجنة) أن تتوقف أمام الجدل المجتمعى المحتدم في تلك الآونة حول هذا القانون المعروف إعلاميًا "بقانون التظاهر"، إذ ترتب على تطبيقه حبس عدد من الناشطيين السياسيين لمدد تراوحت بين عام وثلاثه أعوام، ومن ثم، اهتمت اللجنة بتضمين تقريرها مذكرة موجزة عن هذا القانون حتى تعبد الطريق لإدخال التعديلات اللازمة عليه ليصير أكثر ملاءمة للواقع المصرى الجديد ومتفقًا مع المعايير الدولية في هذا الشأن. 
إيجابيات القانون: 
يهدف القانون المشار إليه إلى وضع حد لأجواء الفوضى والإنفلات التي تلت ثورة 25 يناير 2011 وأثرت سلبًا على الاقتصاد والأمن والسياحة وانتهكت العديد من الحقوق كالحق في الحياة والسلامة الجسدية والأمن والخصوصية والحقوق المالية وحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية وما شاكل ذلك. الأمر الذي أوجب ضرورة إصدار تشريع يضبط السلوك في الشارع، وأصبح هذا المطلب أكثر إلحاحًا بعد أحداث 30 يوليو 2013 وما تلاها من إضرابات واعتصامات واحتجاجات كان أشهرها تجمع رابعة العدوية، وتجمع النهضة أمام جامعة القاهرة، ثم وصل الأمر إلى ذورته يوم 14/8/2013 عقب فض هذين التجمعين، حيث شهدت تلك الفترة العدوان على مرافق عامة حيوية كالمحاكم ومجالس المدن والمتاحف ومراكز الشرطة ودور العبادة الخاصة بالمسيحيين وبعض المحال والممتلكات الخاصة والمنازل والجامعات والاعتداء على الأرواح وترويع الأمنين. 
وعليه ثارت أهمية إصدار قانون التظاهر ولا سيما أنه قد مرت مائة عام على صدور قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 وتسعون عامًا على قانون الاجتماعات والمظاهرات رقم 14 لسنة 1923. ولذلك استهدف هذا القانون تخفيف أجواء الاحتقان التي اكتنفت إصداره في تلك الظروف غير الطبيعية التي تمر بها مصر، فكانت أهم مزاياه ما يلي. 
1- تأكيد حق المواطن المصري في التظاهر وحقه في عقد الاجتماعات العامة 0. 
2- حظر الاجتماعات لاغراض سياسية في دور العبادة. 
3- حظر حمل الأسلحة والمفرقعات في هذه الأثناء. 
4- وضع حد للفوضى التي أثرت على الطاقة الإنتاجية للبلاد كإغلاق المصانع وضرب قطاع السياحة وقطع الطرق واقتحام المؤسسات والهيئات واحتجاز الأشخاص وإغلاق المرافق العامة وتعطيل المرور إضافة إلى الاشتباكات الجماعية بين الأهالي والمتظاهرين أو المعتصمين. 


ب ) مثالب القانون: 
إنه على الرغم من الإدراك العميق للظروف الحرجة التي تمر بها مصر، إلا أن الموضوعية تقتضى الإقرار بأن هذا القانون تشوبه العديد من المثالب سواء على المستوى النظرى أو العملى وذلك على النحو الآتى: 

1. 
جاء تعريف الاجتماع العام في المادة ( 112 ) من القانون فضفاضًا. 
2. 
تضمن القانون مصطلحات فضفاضة وغامضة مثل تعطيل الإنتاج ( م 7 ). 
3. 
عدم إيلاء التجمعات العفوية أية أهمية بخصوص الإخطار. 
4. 
لم يضع القانون ضوابط في حالة عدم استلام الشرطة الإخطار أو تراخيها عمدًا أو إهمالًا في تحديد موقفها منه. 
5. 
لم يضع القانون المعايير التي يحدد مسئولو الإدارة المحلية على أساسها المناطق المسموح فيها بالتظاهر. 
6. 
أعطت المادة ( 10 ) الحق لوزير الداخلية في منع أو نقل أو إرجاء التجمعات السلمية دون قيد. 
7. 
تسوية القانون بين الاجتماع العام والمظاهرة رغم الاختلاف بينها 
8. 
العقوبات المغلظة غير المناسبة ويسري ذلك على العقوبات المقيدة للحرية والغرامات. 
9. 
شبهة مخالفة القانون في بعض نصوصه لدستور مصر الحالي 2014 في شأن الحقوق التي ينظمها، وعلى سبيل المثال مخالفة القانون الحالى للمادة 73 من الدستور، حيث جعل قانون التظاهر من الإخطار إذنًا. 
10. 
لم يتضمن القانون تحديدًا لدور الشرطة حال وجود أكثر من إخطار لمظاهرات متعارضة في نفس الزمان والمكان مثلما فعلت القوانين الغربية. 




توصية اللجنة 
ترى لجنة تقصى الحقائق أن هناك حاجة لتشكيل لجنة من الخبراء لإعادة النظر في قانون الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات رقم 107 لسنة 2013 بغية مواءمته مع مقتضيات عملية التحول الديمقراطى الجارية في البلاد بموجب دستور 2014 والمعايير الدولية في هذا الشأن، دون أن يخل ذلك بضرورة حماية المجتمع من الإرهاب والعنف والبلطجة، وتحرص اللجنة أن تستأنس في هذا السياق بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 4 مارس سنة 2012 الذي أكد على الحق في التجمع السلمي نص على: 



"....إن الحق في التجمع سواء كان حقًا أصيلًا أم تابعًا، أكثر ما يكون إتصالًا بحرية عرض الآراء وتداولها، وكلما أقام أشخاص يؤيدون موقفًا أو إتجاهًا معينًا، تجمعًا منظمًا يحتويهم، يوظفون فيه خبراتهم، ويطرحون آمالهم، يعد ذلك شكلًا من أشكال التفكير الجماعى". 


* * * * 



القسم الثاني: الاعتداء على الأفراد والمنشآت 

الفصل الأول: حرق الكنائس والاعتداء على المسيحيين وممتلكاتهم 

في واحدة من أسوأ الأحداث التي شهدتها البلاد في أعقاب فض تجمعي رابعة والنهضة تلك الهجمات التي شنتها جماعة الإخوان المسلمين ومؤازريها على المواطنين المسيحيين وكنائسهم وممتلكاتهم، وامتدت إلى إحدى وعشرين محافظة وذلك في ضوء الخطاب التحريضي ضد الأقباط، وقد طالت تلك الاعتداءات الكنائس الثلاثة الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية. 



نتائج الاعتداءات: 

حرق 52 كنيسة ومنشأة كنسية كليا وجزئيا، والاعتداء على 12 كنيسة ومنشأة أخرى وسلب ونهب محتوياتها، إضافة إلى وقوع حالات من الخطف والاختفاء القسري معظمها بغرض الحصول على فدية، (وفي بعض الحالات كان الخاطف والمخطوف من المسيحيين ) وأشارت وزارة الداخلية أن حالات الغياب والاختطاف تزايدت بعد ثورة 25 يناير 2011 في مختلف المحافظات، وإجمالي الحالات الخاصة بالمسيحيين 140 حالة غياب وخطف، عاد منهم 96 حالة، وبلغت حالات الاعتداء على ممتلكات المسيحيين (402) حالة موزعة على المحافظات المختلفة، وأشدها يقع في محافظة المنيا(281 حالة )، ووثقت اللجنة( 29)حالة قتل في سياق العنف الطائفي. 
إن خطورة هذه الجرائم لاتكمن في حجم ما طالته من ضحايا وما خربته من ممتلكات فحسب، ولكن تكمن أيضًا في مستهدفاتها وهي إشعال الفتنة الطائفية، وتقويض الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، كما تكمن الخطورة في نمط إرتكاب هذه الجرائم الذي بلغ حد التمثيل بالجثث، ومن ثم كانت هناك ضرورة ملحة لنبذ خطاب التحريض والكراهية والتأكيد على المواطنة ومنع التمييز. 

إفادات القيادات الكنسية وبعض الشخصيات العامة: 

أعرب قداسة البابا تواضروس الثاني عن تفهمه أن إحراق وإتلاف المنشآت أمر يمكن تحمله في سبيل إنقاذ الوطن، وأنه على يقين من تعافي الدولة وتلاشي هذه الأوضاع السلبية، وأوضح أن المشاكل التي يعاني منها الأقباط تتركز في بناء الكنائس، والعلاقات العاطفية والزواج بين أبناء الديانتين، وعدم تفعيل معيار الكفاءة والتمييز في تبؤ مواقع المسئولية، والخطف مقابل الفدية، واقترح عددا من الحلول في هذا الصدد. وأشاد قداسة البابا تواضرس الثاني بالرئاسة والحكومة الحالية وقال أنها أفضل من تعامل مع الشأن القبطي، ونوه بجهد القوات المسلحة في ترميم وبناء الكنائس. 

وقال قداسة البطرك / إبراهيم إسحق – بطرك الأقباط الكاثوليك – أن الأمن لم يتعاف حتى نطالبه بالقيام بدوره على النحو الأكمل، وأفاد أنه لا يستطيع الجزم أن الخطف تم على أساس ديني بل على الأكثر لطلب الفدية. 

وقال الدكتور /صفوت البياضي –رئيس الطائفة الإنجيلية – أن الاعتداء على عدد من الكنائس كان لعدم تعافي الأمن كلية، وأن الكنائس جرى ترميمها وبناؤها بمعرفة القوات المسلحة بالاتفاق مع رؤساء الكنائس الثلاثة. 

وتحصلت اللجنة على آراء نخبة من الشخصيات العامة والمفكرين، وطرح كل منهم رؤيته لعلاج مشاكل الأقباط. 



ويمكن رصد أهم التوصيات في هذا الشأن بالآتي: 

1. إصدار تشريع لبناء الكنائس امتثالا لدستور 2014. 
2. الالتزام بتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، ومنع التمييز بكل أشكاله. 
3. تطوير منظومة الوعي التي تشمل الإعلام والتعليم والثقافة العامة فضلًا عن الخطاب الديني وذلك لنبذ خطاب الكراهية والتعصب. 
4. إعادة النظر في نظام المجالس العرفية الحالية ـ التي لا تخل فقط بسيادة القانون وسلطة القضاء فحسب بل بسيادة الدولة ذاتها ـ وحظر أي قرار ينطوي على عقاب جماعي. 
5. التصدي للحيل القانونية بالتحول الصوري عن الديانة. 
6. مناشدة القضاء سرعة البت في القضايا الطائفية، ومطالبة الجهات الأمنية بمواجهة زيادة حالات الخطف في بعض المراكز طلبًا للفدية. 

* * * * 

الفصل الثاني: العنف والإرهاب 
يستعرض التقرير في هذا الفصل جانبًا نظريًا عن كيفية التجنيد والتخطيط والتدريب والتسليح والتمويل للجرائم الإرهابية وتوفير الملاذ لمرتكبيها، وجانبًا تطبيقيًا يتناول أهم الجرائم التي وقعت وتعتبر تطبيقًا جليًا لما جاء في الجانب النظري، وقبل ذلك حدد التقرير الإطار القانوني على المستوين المحلي والدولي لمواجهة الإرهاب. 

وفي الجانب النظري، سرد التقرير أنماط العنف والإرهاب الذي تعرضت له البلاد وكان النمط الأول باستهداف رجال الشرطة كمحاولة اغتيال السيد وزير الداخليـة / محمد إبراهيم واغتيـال المقدم / محمد مبروك واللواء / محمد السعيد والضابط / محمد أبو شقرة وأدت هذه العمليات إلى وفاة نحو (317) من رجال الشرطة، والنمط الآخر وهو استهداف المنشآت الشرطية كتفجير مديرية أمن الدقهلية ومديرية أمن القاهرة ومديرية أمن شمال سيناء ومديرية أمن جنوب سيناء، أما النمط الثالث فكان استهداف ضباط وجنود القوات المسلحة، والنمط الرابع استهداف المرافق الحيوية في الدولة كشبكات الربط الكهربائي ووسائل النقل العام ومحاولة تعطيل العملية التعليمية، والنمط الخامس محاولة إثارة الفتنة الطائفية بالاعتداء على المسيحيين وكنائسهم وممتلكاتهم، والنمط السادس تسيير مظاهرات غير سلمية في أماكن عدة لإثبات الوجود ونتج عنها عديد من القتلى والمصابين وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، أما النمط السابع والأخير فكان زرع العبوات الناسفة في أماكن مأهولة بالسكان، سقط نتيجتها العديد من القتلى والمصابين في الشرطة والمواطنين، وأشاعت هذه العبوات الذعر، وألقت الرعب بين أفراد المجتمع، وعرضت سلامتهم وأمنهم للخطر. 

وتناول التقرير بيان العلاقة بين جماعة الإخوان واللجوء للعنف، وتأسيس التنظيم الدولي للإخوان، ووسائل ترويج الجماعة لعقائدها، ومسئوليتها عن ارتكاب بعض الجرائم الإرهابية، ومصادر تمويل الجماعة، وكيفية تجنيد عناصرها، وتدريب هذه العناصر، وتوفير السلاح لها، وعلاقة الجماعة بحركة حماس، وبتنظيم 




القاعدة، وبجماعة أنصار بيت المقدس، وأخيرا مواجهة الجماعة لمؤسسات الدولة، وذلك كله بهدف تحقيق مشروعهم بالقوة والانتقام من النظام الحالي. 


وعن الجانب التطبيقي استند التقرير إلى تصرفات النيابة العامة في عدد من القضايا التي من شأنها التأكيد على ما جاء في الجانب النظري المشار إليه من قبل: 
1. القضية رقم 423/2014 حصر أمن دولة عليا ( تنظيم بيت المقدس ) وأقر عدد كبير من المتهمين بانتمائهم لهذا التنظيم وتشكيل خلايا عنقودية في عدة محافظات وتدريبهم عسكريًا وتسليحهم على يد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية، وتصنيع المتفجرات، والحصول على صواريخ من الحدود مع السودان وأقروا باستهداف المجرى الملاحي لقناة السويس، وأنهم استهدفوا أيضًا رجال الشرطة والقوات المسلحة والمسيحيين ومقارهم انتقامًا لأحداث 30 يونيو 2013 وفض تجمعي رابعة والنهضة، وأشاروا إلى وصول تحويلات مالية لهم من بعض الأفراد غير المصريين، وأن سيناء كانت الملاذ لإيواء عناصر التنظيم وعقد دورات التدريب العسكرية. 
2. القضية رقم 375/2013 حصر أمن دولة عليا ( تنظيم الجهاد ): أقر عدد من المتهمين بانتمائهم لهذا التنظيم ومسئوليته عن قتل اللواء / نبيل فراج لاستهدافهم رجال الشرطة والقوات المسلحة لمساندتهم نظام لا يطبق الشريعة الإسلامية على حسب تعبيرهم. 
3. القضية رقم 26/2014 أمن دولة عليا: أقر عدد من المتهمين بانضمامهم إلى جماعة الإخوان المسلمين وإحراز الأسلحة النارية والذخائر والتدريب عليها، واشتراكهم في التجمع والاحتشاد لتأييد الرئيس الأسبق / محمد مرسي، واعتراض المناهضين لهم، واشترك بعضهم في جريمة قتل أحد رجال الشرطة ( الرقيب ع.ع. م)، وكانت جماعة الإخوان تتولى تدبير الأموال لهم. 

التوصيات 
1. تجمع المباديء القانونية الراسخة محليًا ودوليًا على أن الإرهاب يشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق الإنسان إذ يهدد الحق في الحياة والسلامة البدنية، كما يهدد الأمن القومي والنظام العام وسلامة المجتمع والدولة، وتلزم هذه المبادئ ذاتها الدولة بمحاربة الإرهاب لحماية مواطنيها، وتتيح لها اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية مثل إعلان حالة الطوارئ، بيد انها تقيد صلاحيات الدولة في هذا الشأن بمبدأي الضرورة والتناسب، وعدم المساس بحقوق معينة أبرزها التحرر من التعذيب وحرية الدين والعقيدة. 
2. وبينما تدين اللجنة القومية المستقلة لتقصي الحقائق بشدة الإرهاب بكل أشكاله وابعاده، وتعرب عن تقديرها البالغ للتضحيات التي تقدمها القوات المسلحة والشرطة في مكافحة الإرهاب ومساندتها الكاملة لأسر ضحايا الإرهاب، فإنها تهيب بالدولة التمسك بالمبادئ السابق الإشارة إليها وأن تضع معيار حقوق الإنسان في صميم استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه. ولا ينطلق التشديد على هذا المبدأ من الحرص على سيادة حكم القانون فحسب، بل وبالقدر نفسه من مفهوم أن الدول التي تضحي بحقوق الإنسان تساعد الإرهابيين من حيث الواقع. 
3. وتدرك اللجنة أن الإجراءات الأمنية لمكافحة الإرهاب أمر ضروري، غير أنها لا تكفي وحدها لمكافحة الإرهاب ومن المهم أن يواكبها عمل سياسي واجتماعي وثقافي، يحاصر أسباب الظاهرة من تطرف وتعصب فئات من المجتمع. 
4. وعلى الصعيد الاجتماعي ينبغي أن يكون من أولويات الدولة جبر الضرر لضحايا الإرهاب، وفق معايير موحدة تحقق الإنصاف بين الضحايا دون تمييز. 
5. تجريم الاستغلال السياسي للدين وما يرتبط به من خطابات تحريضية وتمييزية، وتفعيل حظر إنشاء الأحزاب السياسية على أساس دينى. 
6. العمل على تغليب الانتماء الوطنى على الانتماءات الأخرى، وترسيخه في فكر وسلوك المواطنين للحيلولة دون وقوعهم فريسة للأفكار المتطرفة والهدامة. 
7. وضع آليات لاستيعاب الانتماءات والتوجهات السياسية المختلفة في إطار من التعددية بما يسمح بوجود أفق واضح للعمل السياسي السلمى، وممارسة فعلية للحريات المختلفة ومن ضمنها التجمع والتعبير عن الرأى. 
8. ربط السياسات التنموية بجهود مكافحة الإرهاب، والاستجابة لاحتياجات الشباب من خلال تحسين جودة التعليم والارتقاء بخدمات الرعاية الصحية، وتعزيز الأنشطة الاقتصادية الساعية لخلق فرص عمل جديدة في المناطق الأكثر تهميشًا مثل سيناء والصعيد وغيرها، وتشجيع الأنشطة الثقافية الهادفة للارتقاء بالوعى وإثراء وجدان النشء والشباب. 
9. تكثيف الدعم لجهود الأزهر الشريف في تطوير الخطاب الدينى للأئمة والدعاة لمواكبة روح العصر والانفتاح على المتغيرات الجديدة، مع توفير بيئة اجتماعية واقتصادية داعمة لهذا الخطاب ودعم دور الكنيسة في استيعاب التوجهات المتطرفة لدى أبنائها والتي قد تنشأ أحيانًا كرد فعل لتعامل التوجهات الإسلامية المتطرفة مع أصحاب الديانات المختلفة. 


تجفيف منابع التمويل للأفراد والتنظيمات الإرهابية المتسترة بواجهات الجمعيات الخيرية والشركات التجارية، مع تفعيل دور الدولة في الرقابة على أنشطة تلك الهيئات. 
11.ضرورة مساعدة المواطنين للشرطة والجيش مساعدة فعلية في حماية المجتمع من شرور الإرهاب وبراثن التطرف إعمالًا للمسئولية المجتمعية في مواجهة الأخطار التي تهدد الدولة، كأن يتولى ضابط في كل قسم التواصل مع عناصر فاعلة من سكان هذا القسم على مدى اليوم عبر هاتف ـ أو وسيلة أخرى يتفق عليها ـ للإبلاغ عن أية شواهد غريبة على وجه السرعة، وذلك حتى تتولى الأجهزة المعنية أعمالها في وقت مناسب، مما يساعد على كشف الجرائم أو ضبط المجرمين أو التقليل من الأضرار أو منع الجريمة قبل وقوعها، إلى أن تستقر الأمور وتعود الأحوال إلى طبيعتها المعتادة. 
* * * * 


الفصل الثالث: سيناء 

تنفرد سيناء بخصوصية عن غيرها من المحافظات نظرًا لأهميتها القصوى وتركيبتها السكانية وظهور الإرهاب فيها، ووقوع عمليات قتل وشروع في قتل لأفراد الجيش والشرطة، واستهداف المنشآت والآليات الخاصة بهما والمتعاونين معهما، فضلا عن استهداف المصالح الاقتصادية. 
وقد عانت سيناء من عزلة وتهميش جراء الإحتلال والإجراءات الأمنية التي تواجه الإرهاب في الأصل، مما أثر على إجراء أية تنمية فيها رغم الترتيبات المتعددة لإطلاق خطط طموحة لتنمية هذا الإقليم الهام والعزيز في نفس كل مصري. 
وتختلف المصادر حول عدد المنظمات الإرهابية في سيناء وتتراوح بين أربع كحد أدنى أو ثمان منظمات كحد أقصى، وقد تبنت الكثير من الجرائم الكبرى من تفجيرات واغتيالات، زادت وتيرتها بعد أحداث 30 يونيو2013، وظهر جليا التطور في آلياتها وأسلحتها وتدريبها، وهذا يعكس حجم التدفقات المالية التي ترد اليها. 
وترتب على تلك العمليات الإرهابية ومواجهتها عدد من التداعيات على أهالي سيناء يمكن إيجازها في الآتي: حالات الوفاة والإصابة التي تطال المدنيين، وقلة الإمكانيات لدى مستشفيات رفح والعريش العام، وقطع الاتصالات، وتجريف بعض المزارع للأغراض الأمنية، وتوسيع دائرة الإشتباه، إغلاق كوبري السلام وما يترتب عليه من زيادة فترة الإنتظار والعبور للجهة الأخرى. 

وخلصت اللجنة إلى عدد من التوصيات أهمها: 
1. ضرورة إبراز الدور الوطني لأهالي سيناء. 
2. التعويض عن الأضرار التي أصابت بعض المواطنين في سيناء. 
3. تزامن عملية التنمية مع العملية الأمنية. 
4. وضع صيغة سهلة لتملك المنازل والأراضي للمصريين في سيناء. 
5. زيادة المعابر بين شرق القناة وغربها. 
6. فتح منافذ ترعة السلام لزيادة المساحة المزروعة. 
7. إعادة توصيل السكك الحديدية إلى رفح. 


* * * * 




الفصل الرابع: العنف في الجامعات 
شهدت كل الجامعات الحكومية – تقريبا – صورا من العنف فور بدء العام الدراسي في سبتمبر 2013 اعتراضا على خارطة الطريق وفض تجمعي رابعة والنهضة، ولم تتعلق هذه المظاهرات من قريب أو بعيد بالسياسة التعليمية أو بالدراسة ولكن ترتبط جذريًا بالأحداث السياسية الجارية. ونكتفي في هذا الأمر بعرض الأحداث في ثلاث جامعات كبرى هي: القاهرة وعين شمس والأزهر. 

تعتبر أحداث الجامعات غير مسبوقة، وأثرت بشكل خطير على سير العملية التعليمية وتحصيل الطلبة للعلم، وجاء نمط العنف واحدا تقريبا من تحديد موعد للتظاهر من خلال شبكة المعلومات وغالبا ما يكون بعد صلاة الظهر ثم التجول داخل الجامعة، وإطلاق الشعارات والسباب والألعاب النارية، وتعطيل الدراسة بمحاولة إخراج الطلبة من القاعات أو الشوشرة عليهم أثناء الشرح والامتحانات، والاعتداء على عدد من أعضاء هيئة التدريس، والخروج لقطع الطرق والتحرش بالشرطة وجرها إلى الاشتباك، واستعانة منظمو التظاهرات بغير الطلبة، وتلقى العديد منهم مبالغ من المال في إصرار على تنفيذ مخططهم. 


وأسفرت الاحداث في جامعة القاهرة عن: 

وفاة 7 طلاب، بخلاف المصابين ومعظمهم لا يذهب للمستشفيات الحكومية تجنبا من الملاحقة الأمنية. 
إصابة بعض أفراد الأمن الإداري والعاملين بالجامعة. 
إلقاء القبض على178 طالبًاً. 
فصل 92 طالبًا. 
ضبط أسلحة نارية وطلقات وبارود ومسامير داخل كلية الهندسة. 
إتلاف عدد من منشآت الجامعة. 



وأسفرت الأحداث في جامعة عين شمس عن: 
وفاة طالبين، بخلاف المصابين. 
ضبط 59 طالبًا أثاروا شغبا بالمدينة الجامعية، وتمت إحالتهم لجهات التحقيق، فضلا عن 34 طالبا ارتكبوا عنفا في الحرم الجامعي وجرى فصل بعضهم نهائيًا، والبعض الآخر مؤقتًا. 
ضبط 4 من أعضاء هيئـة التدريس وموظف في ارتكاب أعمال عنف،وتمت إحالتـهم لجهات التحقيق.
إتلاف عدد من منشآت الجامعة. 
ضبط 3 سيارات بها مواد وأدوات تستخدم في العنف. 

وأسفرت الاحداث في جامعة الأزهر عن: 
الاعتداء على بعض أعضاء هيئة التدريس. 
وفاة 6 طلاب بخلاف المصابين. 
فصل 131 طالبا لارتكابهم أعمال عنف. 
إتلاف عدد من منشآت الجامعة. 
توقيع عقوبات تأديبية على 29 عضو هيئة تدريس. 

ضحايا الشرطة: 

في ظل هذه الأحداث كان الضحايا في جانب الشرطة عبارة عن قتل 4 ( ضابط وثلاثة جنود) وإصابة 118 من رجالها وذلك حتى نهاية مايو 2014. 
وخلصت اللجنة إلى الآتي: 
عدم سلمية مظاهرات الطلبة في الجامعات. 
عنف مظاهرات الطلبة ممنهجا ووراءه من يخطط له ويحرك ويمول وهم جماعة الإخوان والتيار المناصر لها. 
تورط عدد من أعضاء هيئة التدريس في أعمال العنف. 
تدرج الشرطة في استخدام القوة مع المتظاهرين غير السلميين. 




التوصيات: 

1. تعديل قانون (التظاهر) ليكون لإدارة الجامعة دور في الموافقة عليها داخل الحرم الجامعي. 

2. تأمين الشرطة للأسوار الخارجية للجامعة، ووجوب دخولها إلى الحرم الجامعي بعد موافقة رئيس الجامعة لضبط الجرائم التي تخرج عن قدرة الأمن الإداري. 

3. تدريب الأمن الإداري تدريبا راقيا يسمح بأداء المهمة المنوطة به، وتركيب الكاميرات، وتزويدهم بالأجهزة، ومنحهم الضبطية القضائية. 

4. عقد اللقاءات مع الطلاب وذويهم والتحاور معهم لتوضيح الحقائق فيما يعن لهم لتوعيتهم وتعميق الإنتماء الوطني لديهم وعدم تركهم لأصحاب الأهواء المتطرفة. 


* * * * 



الفصل الخامس: العنف ضد النساء والأطفال 
أولا: العنف ضد النساء: 
تناول التقرير الحركة النسائية ـ تاريخيًا ـ وتطورها، وما حققته من مكاسب كان من أهمها إنشاء المجلس القومي للمرأة، وما لحق بها من ضعف أحيانًا كعدم التمثيل المناسب في المجالس النيابية، وتناول الاتفاقيات الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضدها والتي انضمت إليها مصر ـ مع بعض التحفظات ـ إلى أن وصل التقرير إلى دستور 2014 وما قدمه من مميزات إلى النساء. 
واشتركت النساء في كثير من المظاهرات والتجمعات سواء مساندة أو معارضة لحكم الإخوان، فتعرض عدد منهن إلى أشكال متعددة من العنف والإيذاء، وهو ما دعا الرئيس السابق / عدلي منصور إلى إجراء تعديلات في 5 يونيو 2014 على قانون العقوبات بتغليظ العقوبة على التحرش، وصدرت أحكام رادعة في عدد من القضايا، وكان لذلك أثر ملحوظ في انخفاض هذه الجرائم. 
رصد التقرير حـالات العنف التي ارتكبت في حق النساء حيث زادت وتيرتها بعد ثـورة 25 يناير وجرت في فترة حكم الرئيس الأسبق / محمد مرسي محاولات للنيل من مكاسبها، ومن ثم لم يرق دستور 2012 إلى المستوى الذي يلبي طموح النساء بصفة عامة. 
ورصدت اللجنة حالات اختفاء النساء وأغلبيتهن من الصعيد، وكذلك حالة النساء في أحداث رابعة العدوية، والنساء المقبوض عليهن في المظاهرات، وسجل التقرير الزيارات التي قامت بها اللجنة إلى السجون وسؤال عدد من المحبوسات والسجينات. 
وانتهى التقرير إلى عدد من التوصيات أهمها: 
1. محاسبة مقترفي العنف ضد النساء وإجراء التحقيقات والمحاكمات الناجزة. 
2. تطبيق المواثيق الدولية لاتفاقيات الخاصة بالمرأة التي صدقت عليها من الدولة. 
3. اشراك المرأة مع الرجل في كل المناصب بما فيها المهمة على أساس الكفاءة فقط. 
4. سرعة التحقيق في أسباب حالات اختفاء النساء. 
5. استحداث وتحسين وتطوير برامج التوعية لمواجهة التمييز. 
6. إعادة النظر بشكل جذري في برامج التعليم على جميع المستويات وكذلك في الإعلام والخطاب الديني لنشر الوعي لحقوق المرأة وعدم العنف ضدها ماديًا أو معنويًا. 



ثانيًا: العنف ضد الأطفال: 
انشأت مصر المجلس القومي للأمومة والطفولة تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء، وكانت مصر وراء وضع وإخراج الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل إلى النور، وصدر قانون الطفل مسترشدًا بنصوصها. 
وتلاحظ زيادة حالات العنف ضد الأطفال بعد ثورة 25 يناير 2011 في أثناء حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي كما كانت هناك محاولات لتخفيض سن الزواج وإلغاء تجريم خفاض الإناث، كما جرى استغلال الأطفال سياسيًا في المظاهرات والتجمعات من جانب تيار الإسلام السياسي.
وزارت اللجنة مؤسسة الأحداث بالمرج، ولاحظت اختلاط المحبوسين احتياطيًا والمسجونين، وإن كانت الخدمة المقدمة لهم جيدة. 

وانتهى التقرير إلى عدد من التوصيات أهمها: 
1. الإلتزام بتطبيق قانون الطفل والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. 
2. التعامل مع الأطفال المقبوض عليهم في المظاهرات على أنهم ضحايا قبل أن يكونوا جناة. 
3. تشديد رقابة وزارة التضامن الاجتماعي على دور رعاية الأيتام وأطفال الشوارع. 
4. فصل المحبوسين احتياطيًا عن المسجونين من الأطفال. 
5. سرعة الانتهاء من التحقيقات والمحاكمات في القضايا المتهم بها أطفال. 
6. إعادة التأهيل النفسي للطفل بعد انحراف سلوكه. 
زيادة الاهتمام بظاهرة أطفال الشوارع خاصة بعد أن تبينت خطورتهم في استغلال البعض لهم وتوظيفهم في أعمال العنف التي شهدتها البلاد. 
* * * * 

الفصل السادس: معاملة المحبوسين والسجناء 
في ظل الأحداث التي واكبت 30 يونيو، وما ترتب عليها من إزهاق أرواح وإصابات وتدمير وإتلاف للمتلكات والتظاهر على خلاف القانون، جرى القبض على عدد من المنسوب إليهم ارتكاب هذه الجرائم، وتقديمهم إلى جهات التحقيق فأمرت بحبس البعض منهم، وصدرت أحكام ضد عدد منهم أيضًا. 

تناولت تقارير بعض منظمات حقوق الإنسان في الداخل والخارج شكاوى وإدعاءات عن وقوع تعذيب وعنف في السجون المصرية وأيضًا حالات اعتقال بالمخالفة للقانون. 

انتقلت اللجنة إلى عدد من السجون أبرزها منطقة سجون طره وليمان وادي النطرون وسجن الحضرة بالإسكندرية وسجن النساء بالقناطر الخيرية، واستمعت اللجنة إلى إفادات عدد (35) من المحبوسين والمسجونين، وقرر (16) منهم بتعرضهم للعنف أثناء القبض عليهم أو وجودهم بأقسام الشرطة أو أثناء ترحيلهم، وأن أيًا منهم لم يتعرض لثمة اعتداء أثناء تواجده داخل السجون ( عدا حالة واحدة تم إبلاغ النيابة العامة عنها من صاحب الشأن). 


وجاءت إفادات النزلاء على النحو التالي: 
1. أفاد جميع النزلاء باستثناء محمد صلاح الدين بعدم تعرضهم للعنف بأي شكل من الأشكال خلال فترة حبسهم داخل السجن. 
2. تعرض بعض المقبوض عليهم للعنف وقت القبض أو أثناء الترحيل وفي الأقسام. 
3. أجمعت شكاوى المحبوسين والسجناء على طول مدة الحبس الاحتياطي. 
4. أفادت غالبية المحبوسين والسجناء بتدني الخدمة الصحية باستثناء مستشفى وادي النطرون. 
5. قلة الإمكانيات داخل السجون من الأسّرة وأدوات النظافة. 
6. قلة فترة التريض. 
7. عدم السماح باستعمال الأوراق وأدوات الكتابة. 
8. إلغاء الحاجز الزجاجي أثناء الزيارات وإلغاء الحبس في غرفة منفردًا. 
9. وفي سجن الحضرة اشتكي النزلاء من عدم وجود مراوح وتليفزيونات وقطع مستمر للمياه. 
10.أفاد عدد من النزلاء بإضرابهم عن الطعام، وعليه اتخذت المصلحة كل الإجراءات الطبية اللازمة وأخطرت النيابة العامة، وتبين أن كل الحالات مستقرة، وثبت وجود بعض الأطعمة الخفيفة داخل مقار حبسهم بالسجون، واتخذت إدارة السجن الإجراءات اللازمة لعلاج بعضهم خارج السجن منهم محمد صلاح سلطان، وتمت إعادته إليه مرة أخرى. 

رد مصلحة السجون على شكاوى النزلاء: 
ردت مصلحة السجون على شكاوى النزلاء بأنها تطبق لائحة السجون ولم تخرج عنها، غير أن التكدس ناتج عن كثرة أحداث العنف التي تشهدها البلاد وضبط بعض مرتكبيها، وجار التنسيق مع القطاع المالي بالوزارة لوضع خطة لتقليل التكدس، وبالنسبة للأوراق والأدوات فإن اللائحة توجب على مأمور السجن الإطلاع على كل ورقة ترد إلى النزيل أو يرسلها عدا ما يتعلق بالمحامي. 
وثبت من كتاب مصلحة السجون المؤرخ 21/7/2014 أن عدد المحبوسين احتياطيًا (7389) نزيلًا وعدد المحكوم عليهم (1697) نزيلًا، وعدد المحكوم لهم بالبراءة ممن سبق حبسهم بالسجون (3714). 
جرى مؤخرًا تعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية للسجون بقرار وزير الداخلية رقم 3320/2014 بتاريخ 18/9/2014، وأدت هذه التعديلات إلى زيادة الحقوق التي يتمتع بها النزيل خاصة الرعاية الصحية. 


الاستخلاصات: 
جميع النزلاء صدرت بشأنهم أوامر حبس وأحكام من السلطة القضائية ولا توجد حالة اعتقال إداري واحدة. 
عدم وجود تعذيب بالسجون، ولكن تعرض بعض المتهمين للتعدي أثناء القبض وفي الأقسام وأثناء الترحيل إلى السجن. 
بالنسبة للمضربين عن الطعام كانت حالة كل منهم مستقرة ووظائف الجسم الحيوية في حدود معدلاتها الطبيعية حسب التقارير الطبية من أطباء السجون أو المستشفى الجامعي (قصر العيني). 
حالة وفاة النزيل / محمد عبد الله إسماعيل وأحداث الشغب بليمان وادي النطرون مازالت قيد تحقيق وتصرف النيابة العامة. 
التوصيات: 


1. إعمال الحبس الاحتياطي في أضيق الحدود باعتبار أن هذا الإجراء استثنائي وليس عقوبة، مع تفعيل تعليمات النيابة العامة وضوابط إصداره بكل عناية خاصة تسبيب أمر الحبس، ويمكن اللجوء إلى بدائل الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية للحد من إصدار قرارات الحبس الاحتياطي. 

2. تعديل المادتين 126، 129 عقوبات والإلتزام بالتعريف الوارد للتعذيب في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صدقت عليها مصر عام 1986. 

3. التأكيد على حسن معاملة المتهم المقبوض عليه لأن الأصل فيه البراءة. 

4. تفعيل دور النيابة العامة في التفتيش على الأقسام والسجون وأماكن الاحتجاز القانونية وذلك بصفة دورية للتقليل أومنع التجاوزات في حق المتهمين المقبوض عليهم. 


* * * * 




الخاتمة 
عندما شرعت اللجنة القومية المستقلة لتقصي الحقائق في الأحداث التي شهدتها مصر منذ 30 يونيو 2013، لم تسع فقط لمجرد توثيق المعلومات وجمع الأدلة وتحديد المسئوليات القانونية وبلورة التوصيات، بل كانت عيونها مشدودة إلى المستقبل بالقدر نفسه، وهو أمر لا يستوعبه النظر في "كيف" حدث ما حدث، ولكن أيضا بالنظر في "لماذا" حدث، وإستخلاص الدروس المستفادة حتى لا يتكرر مرة أخرى. 
لقد خلصت اللجنة في سياق تقصيها للحقائق إلى أن كيانات التيار السياسي الإسلامي أخطأت في حق المجتمع المصري عندما حاولت أن تختزله بتراثه الفكري، وتنوعه الاجتماعي، وطموحاته السياسية والاجتماعية في أيديولوجيتها الجامدة المختلف عليها حتى بين تيار الفكر السياسي الإسلامي ذاته. 
كذلك أخطأت الجماعة عندما اختزلت مفهوم الديمقراطية في نتائج "غزوة الصناديق" على نحو ما أطلقوه على الانتخابات النيابية، وتجاهلت كل الجوانب الأخرى لمفهوم الديمقراطية من مبادئ وإجراءات ومؤسسات لا تكتمل بغيرها شرعية الانتخابات مثل تمثيل الرأي الآخر، وإدارة الصراعات بالوسائل الديمقراطية، خاصة أن شرعية صناديق الانتخاب تتجاذبها في المراحل الانتقالية شرعيات متعددة مثل "الشرعية الثورية" و"شرعية الإنجاز"و "شرعية التوافق الوطني" فيما يظل المكون الجوهري للشرعية في أعمق معانيه هو رضاء الناس. 
كذلك أخطأت الجماعات عندما عصفت بسيادة حكم القانون وحراسه من قضاء دستوري وعادي وإدارى على نحو غير مسبوق. فحاصرت المحكمة الدستورية لإعاقة قضاتها عن النظر في دستورية قانون انتخابات مجلس الشورى، وتعدت على أحكامها بحل مجلس الشعب، بسبب عدم دستورية قانون انتخابه، وأطاحت بالنائب العام، وسعت إلى إقرار قانون للسلطة القضائية يفضى إلى إنهاء خدمة نحو ثلاثة الآف قاض. وعصفت بأحكام قضائية باتة وملزمة بإطلاق سراح سجناء مدانين بجرائم إرهابية. 
وناصبت جماعة الإخوان العداء لكل من القوات المسلحة والشرطة والإعلام والأزهر والكنيسة والمؤسسات الثقافية والأحزاب السياسية المدنية. 
وعندما جاءت لحظة مواجهة الحقيقة بمظاهر تحول المجتمع عن الجماعة، وتصعيد مطالبه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أو إجراء استفتاء يفصل في شرعية الحكم من جديد، عجزت عن رؤية هذه التحولات، فقللت من شأن مظاهرها، واستهانت بالمهلة التي حددتها القوات المسلحة لكل الأطراف للحيلولة دون اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق، وبالمثل المهلة الإضافية التي مددتها. 
 

ثم جاء الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه عندما اختارت المواجهة بدلا من الحوار برفض الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة الدعوة للمشاركة في وضع خارطة المستقبل مع غيره من القوى السياسية والاجتماعية يوم 3 يوليو 2013، وبدلا من ذلك حشدت قواها وحلفاءها، وانتهجت سياسية "الأرض المحروقة" في الداخل والاستقواء بالخارج، فخسرت في الأولى عطف المترددين، وسلكت في الثانية مسلكًا خاطئًا، حتى أوشكت البلاد أن تنجرف إلى حرب أهلية. 
لكن يثور السؤال عما إذا كانت جماعات التيار السياسي الإسلامي وحدها المسئولة عما آلت اليه الأمور. الواقع أن هذا السؤال يظل في أحسن الفروض "سؤالًا استنكاريا" إذ يتحمل المجتمع والسلطة الانتقالية بدرجات متفاوتة مسئولية ما آلت اليه الأمور حتى نشبت ثورة 30 يونيو 2013. 
فالشباب الذي فجر ثورة يناير 2011 لإسقاط حكم استبدادي، ولم يبخل بحياته وسلامته البدنية وحريته، ونجح في حشد المجتمع المصري من ورائه لإنجاز مطالب المجتمع في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لم يستطع هذا الشباب أن ينظم صفوفه للمساهمة في بناء النظام الجديد، وانصرف إلى النزاعات الأيديولوجية التي تؤجج الخلافات بدلا من التوحد حول التوافقات العريضة على المطالب العامة للمجتمع، واستسلم لنزاعات الزعامة. 
وبينما يحسب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي انحيازه إلى مطلب الجماهير في التغيير وتجنيب البلاد مواجهات دامية، فقد غلّب قيمة استعادة الاستقرار على مطالب المجتمع، مما ترتب عليه ترجيح كفة الإخوان المسلمين – الفريق السياسي الأكثر تنظيما على الساحة السياسية ـ في إدارة الدولة، فضم في أول قرار اتخذه بتشكيل لجنة تعديل الدستور أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين ومعه فريق من مناصريهم، كما انساق في الإعلان الدستوري الذي أجرى الاستفتاء عليه في 30 مارس 2011 لرؤية الإخوان المسلمين في تراتبية المسار السياسي فيما اصطلح على تسميته "خريطة الطريق لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة" بالبدء في بناء المؤسسات وإجراء الانتخابات النيابية قبل وضع الدستور، وأدى إلى تشكيل برلمان أغلبه من الإخوان وحلفائهم، كما ترك الإعلان الدستوري النظام السياسي مفتوحا دون توجيه، وأوكل لمجلسى الشعب والشورى انتخاب الجمعية التأسيسية دون وضع المعايير الواجبة في هذا التشكيل، وهو المدخل الذي فرضت من خلاله الجماعة هيمنتها على هذه الجمعية، وإعداد دستور إقصائى عام 2012. 
وبينما استفادت الأحزاب السياسية من مناخ الحرية الذي أطلقته ثورة 25 يناير وقانون الأحزاب الجديد، فازدهر تأسيسها حتى زادت أعدادها على ستين حزبا آنذاك، فقد أخفقت في تقدير قدراتها التنافسية، واستهان بعضها بإمكانات منافسيه من الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وتباينت رؤاها في خوض الانتخابات، فالتحق بعضها بتحالفات انتخابية مع الجماعة، وغلَب بعضها الآخر التنافسات الانتخابية على العمل الجبهوى، فأضاعت فرصة نادرة في بلوغ تمثيل قوي في مجلسى الشعب والشورى، وتفاقم المشهد في الانتخابات الرئاسية. 
ولم يستطع الاتحاد العام للعمال الذي كان قانونه قد أسسه لكبح الاحتجاجات العمالية والمفاوضة الجماعية استيعاب الاحتجاجات العمالية، وانصرف إلى منازعة القوى العمالية الصاعدة المتمثلة في النقابات المستقلة التي انتشرت في كل القطاعات العمالية، فعجز عن الدور الذي لعبه نظيره في تونس- الاتحاد التونسى للشغل- في تأطير الحركة العمالية وتأثيره السياسي. فانطلقت المطالب العمالية المشروع منها والانتهازى بغير سقف، ففاقت قدرات الدولة، وعطلت الكثير من المصالح الحيوية للمجتمع، وشابتها في بعض الأحيان مظاهر عنف، وتعددت مشروعات الاتحاد العام للعمال والنقابات المستقلة لتطوير قانون العمل، فأخفقت في تمريره في المرحلة الانتقالية الأولى. 


ويكمن وراء هذه الإخفاقات المشار إليها عدد من الإشكاليات الجسيمة الموروثة والمستجده يمكن إجمالها فيما يلي: 
1. الدمج بين الدين والسياسة، وهو أمر أساء لقداسة الدين وأفشل السياسة معا، فالدين مطلق يقوم على اليقين، والسياسة نسبية ومتغيرة. 

2. انسحاب الدولة المتوالي من أهم وظائفها الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة العامة والرعاية الاجتماعية مما أتاح الفرصة أمام جماعات" الإسلام السياسي" للحلول محلها، وتعميق أيدولوجيتها الإقصائية وإشاعة التعصب. 

3. النتاج الهدام لسياسة إضعاف المؤسسات الحزبية والنقابية بشقيها المهني والعمالي وتقييد منظمات المجتمع المدني التي اتبعها النظام الأسبق أدت إلى تجريف الحياة السياسية وعجز هذه المؤسسات عن تأطير المجتمع وتنمية الوعي السياسي فضلا عن إضعاف قدراتها التنافسية. 

4. غياب الشفافية، وعدم إتاحة المعلومات مما أضعف سياسات التخطيط الاقتصادي والاجتماعي وغرس الشكوك في سياسات الدولة وأتاح مناخا خصبا للشائعات. 

5. اتباع نمط مشوه في التنمية يقوم على النمو الاقتصادي بدلا من التنمية، وتجاهل التوازنات الضرورية التي تنتهجها الدول الراسخة في الاقتصاد الحر بالضمانات القانونية والاجتماعية مما أدى إلى اختلالات اجتماعية عميقة مثل توسيع الفجوة بين الطبقات، وتضخم القطاع غير النظامي، وتراكم المديونية، وتفاقم التهميش وانتشار العشوائيات. 

6. تفشي الفساد واتخاذه طابعا منهجيا، وتأثيره في حرمان قطاعا ت عريضه من المجتمع من السلع والخدمات العامة الأساسية فضلًا عن السلع الضرورية. 

7. شيوع آفة التمييز والمحسوبية وغيرها من المفاهيم السلبية التي تهدر على حقوق المواطنة. 

8. ترهل بيروقراطية الدولة وإدارة الحكم المحلي، وإهمال تطوير قوانينها ولوائحها، مما أدى إلى تحول كثير من القطاعات الحكومية إلى عبء على سياسات الدولة العليا بدلا من دورها كأداة لتنفيذ هذه السياسات. 

9. استسهال الحلول الأمنية في المشكلات الفنية المتخصصة بدلا من مواجهتها بحلول سياسية واقتصادية واجتماعية مما أثر على وظيفة أجهزة الأمن ووضعها في مواجهات مستمرة مع المواطنين. 

وقد ورثت جمهورية 25 يناير -30 يونيو هذا العبء، كما ورثت معه ثلاث إشكاليات إضافية: 
أولها: تحدى مواجهة الإرهاب الذي استفحل في أعقاب أحداث 30 يونيو 2013، وأفضى إلى سقوط مئات من القتلى، وآلاف من المصابين من المدنيين وضباط وجنود الشرطة والجيش. 
ثانيها: ميراث ثلاثين عاما من الإهمال العميق للبنية الأساسية والمرافق العامة في البلاد من تعليم وصحة وإسكان ومياه صالحة للشرب وفرص عمل وضمان إجتماعى وتوقف مئات المصانع عن العمل، والاعتداء المتواصل والفج على الرقعة الزراعية وهو ما كشفت عنه سلسلة الأحداث المأساوية التي تعرضت لها البلاد. 
وثالثها: دخول البلاد مستوى العجز المائى وتفاقم المشاكل البيئية، والإدارة القاصرة للنظامين السابق والأسبق في التعامل مع هذه المشاكل مما فاقم منها مثل مشكلة سد النهضة. 
وتفرز هذه الإشكاليات في مجملها- تحديين رئيسيين: أولهما تحديد الأولويات بالفصل بين المطالب المشروعة، وثانيهما استحقاقات الحد الأدنى من العيش الكريم. 
وقد حسم دستور 2014 العديد من التوجهات حيال هذه القضايا بحظر التمييز والحض على الكراهية وتجريمه وتكريس مفهوم المواطنة، وتأكيد حرية الفكر والإعتقاد، وتعزيز الحريات العامة والتأكيد على العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأولى بالرعاية، وغيرها من "القيم المظلة " لمبادئ حقوق الإنسان، بيد أنه أحال تنظيم ثمانين مبدأ دستوريا للقانون، مما ينقل عبء المحافظة عليها للمجالس التمثيلية والقضاء والسياسات العامة للدولة. 
وتقودنا الدروس المستفادة من خبرة التجربة السابقة التي مرت بها البلاد إلى اقتراح عدد من السياسات الكلية للسلطة الوطنية جنبا إلى جنب مع التوصيات التفصيلية التي تبناها تقرير اللجنة القومية المستقلة 

لتقصى الحقائق في مواجهة الإشكاليات التي عبرت عنها الملفات التي عالجتها: 
-
يأتى في صدارة هذه الأولويات استكمال خارطة المستقبل بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد حتى يتسنى للمجتمع أن يساهم في صياغة مستقبله، ودعم دوره الرقابى على أداء السلطة التنفيذية. 

-
وينافس على صدارة هذه الأولويات ترسيخ دعائم دولة القانون، ومراعاة المعايير الدولية للعدالة الجنائية من خلال عقد المؤتمر الثانى للعدالة بهدف إجراء الإصلاحات التشريعية المنشودة بعد التوقف المؤقت الطويل الذي أعقب المؤتمر الأول في نهاية الثمانينات. 

-
دعم إستقلال المؤسسات الوطنية والمجالس القومية المتخصصة، وصلاحياتها وإلزام أجهزة الدولة بإتاحة المعلومات اللازمة لأداء مهامها، والتجاوب الفعال مع الشكاوى التي تحيلها إلى أجهزة الدولة. 

-
سرعة إنشاء المفوضية المستقلة لمنع التمييز والحض على الكراهية التي نص عليها الدستور، وإعادة النظر في تأسيس مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد والتي سبق النص عليها في دستور 2012 المعدل امتثالًا لمبدأ مكافحة الفساد وتجاوزها دستور 2014 رغم إبقائه على المبدأ، ورغم ما أثبتته الدروس المستفادة من الحاجة إليها. 

-
وبينما تتابع الدولة التزاماتها الوطنية والدولية لمكافحة الإرهاب، ينبغي النظر في تأسيس مرصد لتعزيز احترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، ينبه أجهزة الدولة للأعراض الجانبية لمكافحة الإرهاب، ويقترح الإجراءات المناسبة لتلافيها وجبر الأضرار التي تقع على المضارين، ويمكن أن يتبع هذا المرصد الأمانة العامة لمجلس الدفاع الوطني أو أمانة مجلس الوزراء أو مجلس الأمن القومي.