الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسبوع من الصمت ولكن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذهبت إلى معرض الشارقة في أسبوعه الأخير وعدت في يومه الأخير. فصلت نفسي تماما عن كل ما يحدث في مصر . بل والعالم العربي . ارتحت جدا . عدت مشتاقا إلى كتابة جديدة تفصلني عن كل شيء . في مصر تجد نفسك وسط القضايا التافهة والحقيقية منذ تخرج في الصباح. منذ تفاجأ بزحام السيارات والمركبات بلا ضابط ولا رجال مرور إلا نادرا . في مصر إذا توقفت في إشارة أو لأي سبب تجد عدد الشحاذين يفوق ما تتخيل وما تتحمل . كلهم طبعا ليسوا شحاذين . لكنها مهنة . وقد تجدهم أحيانا آخر النهار في مكان ما يقتسمون ما رزقهم الله . لا حرج عليهم فيلس لك إلا الظاهر وهو أنهم بؤساء . وإذا نظرت إلى الصحف تجد مانشيتات جميلة . ربما . وتنظر حولك فلا تجد شيئا جميلا بسبب الزحام . إذا ذهبت الى المقهى تجد الكل يتحدث في السياسة .
وجدت منذ يومين الخناقة محتدمة بين أصدقائي وزملائي الكتاب على مقهى البستان حول عبد الناصر، أخطائه ومزاياه . من لا يرى له أي ميزة . ومن يرى له ميزات وعيوبا  ومن لايرى أي خطأ . ظللت جالسا صامتا . نادما على انضامي لهم . كنت مرتاحا في الشارقة . لكن لابد أن أعود إلى مصر. الجلوس في البيت أيضا كارثة . الصحفيون الشباب يتصلون بك ويسألونك عن اسماعيل سراج الدين ويوسف زيدان. ولا يقتنع أحد إلا بصعوبة أنك غير مهتم بالشأن الثقافي . لايدرك أحد دون أن تقول إنك لاتريد أن تدخل في المعارك بين المثقفين . وأنك مللت قراءة هذه المعارك . لأنك تشتاق الى قضية فكرية . لا يقتنع أحد أن الدولة عبر أربعين سنة كانت تقدم ثقافة تنويرية إلى حد كبير جدا وفي النهاية غلبت الثقافة الرجعية على البلاد . لا يدرك أحد أن الثقافة الأكثر تأثيرا هي من صنع الناس . إن فكرة ثقافة الدولة هي فكرة شمولية كانت مع عبد الناصر والدولة المركزية . واننا الآن ندعى عصر المشروع الحر ومن ثم فالمجتمع المدني هو الأولى بالثقافة والتشجيع. عبرالأربعين سنة الماضية ثقافة التخلف والتكفير غلبت ما تقدمه الدولة . والدولة لن تستطيع أبدا أن تنتج أفلاما مثل الستينات مثلا. فقط تدعم بعض الأفلام . والدعم مهما كان كبيرا لا يكفي . ومن ثم تتأخر الأفلام حتى يتم العثور على دعم أكثر من منتجين أو جهات أخرى أحيانا أوربية .لايدرك أحد أبدا أهمية دعوة المجتمع المدني ورجال الأعمال لإنتاج الأفلام الجيدة وعدم الاكتفاء بالتوزيع واحتكار دور العرض. المهم أعود بكم إلى ذلك اللقاء عن عبد الناصر . جلست صامتا حتى سألوني لماذا لاتقول رأيك . لماذا أنت صامت . كنت شاردا أتذكر الوقت الطيب الذي قضيته بالخارج بعيدا عن كل سياسة . قلت لهم عبد الناصر مات سنة 1970 حتى لو كان خرب الدنيا كان يمكن الإصلاح . أربع وأربعون سنة تكفي لنهضة أي بلد فضونا من هذا الحديث . ضحكوا وقال بعضهم  الأفضل أن نتحدث عن المستقبل . قلت  هل ترون مستقبلا حقا؟ فاشتعلت المناقشة من جديد . قلت: جبته لنفسك . وضحكت وقلت ياجماعة والله باهزر . المستقبل دائما موجود  لكن لم يكن هناك بد من المناقشة . جلست صامتا من جديد . ثم قمت أمشي بعيدا فدق التليفون ووجدت من يسألني عن المرحوم الكاتب الكبير محمد ناجي . الروائي العظيم والإنسان الراقي . قلت له: أخرجتني من فوضى إلي حزن . انت لا تعرف كم كنت أحب ناجي . وكم كانت لنا أيام رائعة ونحن شباب . كيف فرقت بنا البلاد . وطلبت منه أن يحدثني ليلا . لم يعرف السبب . كانت دموعي بدأت بالانفراط من عيني .