الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

فلول الإخوان والحديث عن الإقصاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد ساعاتٍ من سقوط الإخوان على يد ثورة 30 يونيه العظيمة، انطلقت الأقلام والأصوات الزاعقة التي تسعى لإرجاعهم مرة أخرى إلى المشهد السياسي بحجج المصالحة أو عدم الإقصاء أو خلاف ذلك من مصطلحات يضللون بها العامة. قلة من هذه الأصوات تنطلق من حسن النيات، ولكن الأغلبية تنطوي تحت ما يسمى فلول الإخوان، ومنهم ليبراليون مزيفون يعملون مقاولين لجهات خارجية عدة، أفهم أن الإقصاء هو حرمان مواطن من ممارسة حقوقه السياسية والدستورية كاملة، فهل نادى أحد بحرمان أي شخص مصري من ممارسة هذه الحقوق؟ كل ما ننادي به هو تحديد قواعد صحيحة للمشاركة السياسية تتماشى مع تطلعات شعب نحو بناء دولة عصرية والانطلاق نحو المستقبل، هل منع التداخل بين السياسي والديني في أمريكا هو حرمان لليمين الديني من ممارسة حقوقه السياسية؟ الإجابة قطعًا بالنفي، فهناك رجال دين ترشّحوا للرئاسة في أمريكا، ولكن وفقًا للدستور والقانون وقواعد اللعبة السياسية الصحيحة، ما نقوله إذن إنه لكي تتقدّم مصر وتنطلق للأمام عليها أن تأخذ بالقواعد الصحيحة للممارسة السياسية، وهى كتابة دستور عصري حديث يؤكد الحقوق الوطنية والدولية للمواطن المصري، وفي نفس الوقت يبتعد عن دينية الدولة، بما في ذلك منع الأحزاب الدينية والدعاية الدينية والشعارات الدينية والمرجعيات الدينية واستخدام دور العبادة في السياسة، هل هذا إقصاء؟ من حق المسلم والمسيحي والإخواني والسلفي والشيعي والبهائي والملحد، أن يمارس حقوقه الدستورية في المشاركة السياسية والترشيح لأعلى المناصب كمواطن مصري وليس كأخواني، وبناء عليه يجب حل جميع الأحزاب الدينية والجمعيات الدينية التي تمارس عملًا سياسيًّا، الإخوان هم الذين أقصوا المصريين سواء بالأخونة واحتكار معظم المناصب السياسية والقيادية أو من خلال إصدار قانون غير دستوري يحرم الكثيرين من ممارسة العمل السياسي بحجة إبعاد الفلول الذين أفسدوا الحياة السياسية، رغم أن الإخوان هم أكبر جماعة أفسدت الحياة السياسية في مصر على مدى عقود، إذن نحن لا ندعو لحرمان الإخوان من ممارسة حقوقهم الدستورية الكاملة كأفراد، ولكن فقط نريد إبعاد التنظيمات الدينية والأحزاب الدينية والأيديولوجيات الدينية، حتى تنطلق مصر نحو المستقبل، فقط يحرم من ممارسة العمل السياسي مَن ارتكب جريمة وحكم عليه بعقوبة من خلال القضاء الطبيعي.
ولكن السؤال لماذا يتشنّج البعض بالتمسّح بالليبراليةن ويدافعون بشراسة عن عودة الإخوان؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعود إلى الوراء إلى أحداث 11 سبتمبر2001، حيث رأت إدارة جورج بوش أن التطرف والإرهاب في الدول العربية يعود إلى غياب الديمقراطية والمشاركة السياسية، ومن هنا جاء التفكير في دعم أجندة للديمقراطية أو حتى فرض النموذج الديمقراطي من خلال غزو العراق، استمرت هذه المرحلة من عام 2002 حتى عام 2005، حيث فشلت تمامًا فكرة تصدير الديمقراطية من خلال نظرية الدومينو. انتقلت أمريكا إلى الخطة ب، وهي امتصاص فائض العنف والكراهية والتطرف من خلال مشاركة الإسلاميين أنفسهم في الحكم، منذ عام 2005 وحتى 30 يونيو 2013 استثمرت أمريكا استثمارًا سياسيًّا ضخمًا في هذه الفكرة وهذا المخطط، ووقع الاختيار على جماعة الإخوان المسلمين بوساطة قطرية وتركية لتكون هي التى تقود التحوّل نحو الحكم الإسلامي في الشرق الأوسط، وتستوعب تحت مظلتها كل أجنحة الإسلام السياسي والجهادي، ولهذا أزعم وبعد دراسة متأنية لمئات المقالات والأبحاث خلال الفترة الماضية أن الربيع العربي الذى بدأ في عام 2011 لم يكن عفويا، ولكن استغلت فيه الجماهير البريئة والطبقة السياسية الوسطى المتعلمة لمساندة خطة التحول من نموذج حكم العسكر المستبد إلى حكم ما سمى بالإسلام المعتدل من أجل ترويض الحركات الإسلامية، أنفقت قطر مئات الملايين على مشروع تسهيل مشاركة الإسلاميين فى الحكم بضوء أخضر أمريكي، وبدعم سياسى أمريكي، وقد أسست قطر المنظمة العربية للديموقراطية خصيصاً من أجل تسكين الإسلاميين فى الحكم عبر صناديق الأنتخابات، وكان سعد الدين إبراهيم أحد عرابى المشروع والفكرة ورئيس هذه المنظمة، وقد استطاع خلال سنوات هو وغيره استقطاب عشرات الباحثين والأكاديميين للتروييج لفكرة مشاركة الإسلاميين فى الحكم. واشهد أننى عاصرت باحثين مغمورين تحولوا إلى نجوم فى الفضائيات العربية وفى المؤتمرات بدعم مالي قطري سخي، علاوة على استقطاب عشرات الباحثين الأمريكيين، وبعض مراكز الأبحاث الأمريكية لهذه المهمة، فى سنة واحدة رصدت عشرة مؤتمرات فى أمريكا وأوروبا سواء فى الجامعات، أو مراكز الأبحاث تتحدث عن مشاركة الإسلاميين فى الحكم، ومن ثم فإن هؤلاء الباحثين الذين يدعون الليبرالية هم صناعة أمريكية قطرية تركية اخوانية في ظرف تاريخي محدد للترويج لمشاركة الإسلاميين في الحكم، وهناك البعض ممن له مصالح مع الإخوان، مثل احمد زويل الذى كتب منذ عدة شهور مقالاً بالإنجليزية يدافع فيه عن مرسى، وكتب بعد سقوطه مقالا آخر طارحا فيه خطة للمصالحة تتضمن عودة الإسلاميين بكل قوتهم للمشهد السياسى.
فى عام 2004 تم ترشيحي من قبل أحد أفراد العائلة القطرية، لعضوية مجلس إدارة قناة الجزيرة، ولكن قيادة إخوانية مصرية كبيرة تحمل الجنسية القطرية، اعترضت على ذلك وتم تعيين الصحفى الليبى “,”محمود الشمام“,” بدلا منى ( يقال إن هذا القيادي تم طرده من قطر مؤخراً وإن كان الخبر غير مؤكد). وكان ذلك من بوادر سيطرة الإخوان على توجهات الجزيرة حتى أصبحت الجزيرة هى المنبر الإعلامى الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين، وعراب تحولات ما يسمى بالربيع العربى من أجل سيطرة الإسلاميين على الحكم، وبعد ذلك بدأ ظهورى يتباعد فى قناة الجزيرة، حتى أن صديقاً لى هناك قال هذا ليس زمنك ولكن زمن الإخوان.
موضوع مشاركة الإسلاميين فى الحكم إذن لعبة دولية كبيرة، ولهذا لا نستغرب دفاع الليبراليين المزيفين، التى امتلأت كروشهم من أموال هذا المشروع، حتى آخر نفس عن المشروع الذى يعملون عليه منذ أكثر من حوالي عقد من الزمن.
لقد قلبت ثورة 30 يونيه العظيمة كل هذه الحسابات رأسا على عقب، وجميع الفرقاء (أمريكا-قطر-تركيا-التنظيم الدولي للإخوان-فلول الإخوان) الآن يدركون أن مرسي أصبح من الماضي، ويريدون حماية التنظيم نفسه من السقوط والانهيار، ولهذا يستخدمون كلمات المصالحة وعدم الإقصاء وغيرها من الكلمات المنمقة من أجل حماية الإخوان ومواصلة دعم المشروع القطري الأمريكي، حتى أن أمير قطر الجديد فى مكالمة مع الرئيس أوباما ناقشا ضرورة مشاركة الجميع فى العملية السياسة الجديدة فى مصر.
فى نفس الوقت فإن غباء بعض قيادات الإخوان فى الداخل يجعلهم يقوضون جهود حلفائهم لإبقائهم في الساحة، حيث يحرضون جهارا نهارا على العنف والإرهاب، وأثبتوا أن التنظيمات الإرهابية حول العالم ما هى إلا الذراع الحربى للإخوان المسلمين، وأن التنظيم الخاص لم ينتهِ أبدا وإنما تحول إلى شكلٍ جديد.
ارجوا أن اكون قد حاولت توضيح ابعاد هذه اللعبة التى تعمل لمصلحة الاخوان وضد مصلحة مصر. وعندما نقول لهم أننا فقط نريد خلع اسنان الثعبان ونزع سمه ويبقى بيننا بعد ذلك رغم شكله المخيف والمرعب، يصرون فى المقابل على عودة الثعبان بسمه واسنانه كاملة بحجة أنه تعلم الدرس ولن يعد يلدغ مرة أخرى.هل يمكن لأى عاقل أن يثق فى الثعبان بعد أن لدغ منه عشرات المرات؟،وهل يمكننا تصديق هؤلاء الحواة المرتزقة الذين يدعون توبة الثعبان وياللأسف بدعاوى الليبرالية المزيفة؟.
الكرة فى ملعب المصريين، فمن يوافق على عودة الثعبان لا يشتكى من لدغاته المميتة بعد ذلك.