الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإخوان وأمريكا «6» قيادات الإخوان فى «حِجر» أسامة بن لادن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تفاصيل أول لقاء بين بوش و«التنظيم الدولى» بعد ضرب مركز "التجارة العالمى"

الإخوان أقنعوا الأمريكان بأنهم بعيدون عن تفجيرات 11 سبتمبر والشواهد تكذِّب ذلك

الظواهرى يرى أن فكر قطب هو دستور تنظيم القاعدة

عبد الله عزام عضو مجلس شورى الإخوان هو الأب الروحى للتنظيم

تناقضات الجماعة فى علاقتها مع واشنطن.. مهدى عاكف أمر فرع الجماعة فى العراق بالتعاون مع الحاكم الأمريكى.. وأمر فرع القاهرة بالتظاهر للتعمية على اتفاق العراق

أولبرايت وصفت الجماعة بـ«البراجماتية».. والجماعة حاولت تنفيذ توصيات كونداليزا حول الفوضى الخلاقة على الأرض

نواصل سرد فصل آخر من العلاقة بين الإخوان والأمريكان، فقد أكدت دراسة أعدها القسم السياسى بجماعة الإخوان، عقب التفجيرات مباشرة، ضرورة عقد لقاءات سريعة مع الأمريكان لشرح وجهة نظر الجماعة، وإقناعهم بأنها بعيدة كل البعد عن تلك المجموعات التى قامت بهذه الأحداث، فكرًا وتنظيمًا.

كان قادة الجماعة يعرفون أنهم يكذبون، فالصلة الفكرية واضحة، عن طريق أفكار سيد قطب التى تدين بها الجماعة، والتى كانت المعين الصافى الذى استقت منه كل الجماعات الإرهابية أفكارها، وخاصة تنظيم القاعدة وزعيميه أسامة بن لادن والظواهرى.

ويكفى أن نقرأ للظواهرى هذا الكلام لنعرف حجم علاقته بقطب وأفكاره، يقول الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة فى كتابه «فرسان تحت راية النبى»: "إن كلمات سيد قطب الأخيرة وهو يرفض أن يتقدم بطلب عفو من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر"، مشددا على (أن إصبع السبابة التى تشهد لله بالتوحيد فى كل صلاة تأبى أن تكتب استرحاما)، باتت دستورا ومنهجا يدرسه الأصوليون (فى جميع أنحاء المعمورة)، فى الثبات على المبدأ»، ويشدد الظواهرى على أن قطب هو أول من أكد «مدى أهمية قضية التوحيد فى الإسلام، وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هى فى الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول لمن يكون الحكم والسلطان: لمنهج الله أو لشرعه، أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية، أم لمدعى الوساطة بين الخالق وخلقه». ويؤكد الظواهرى «كان لفكر قطب أثره الواضح فى معرفة الحركة الإسلامية لأعدائها وتحديدها لهم وإدراكها أن العدو الداخلى لا يقل خطورة عن العدو الخارجى، بل إنه الأداة التى يستخدمها العدو الخارجى والستار الذى يحتمى وراءه فى شن حربه على الإسلام». ويضيف الظواهرى فى معرض حديثه عن خطة قطب ورفاقه فى مواجهة نظام عبدالناصر «كان المعنى فى هذا التخطيط أكبر من قوته المادية، فقد كان يعنى بوضوح أن الحركة الإسلامية قد بدأت خوض حربها ضد النظام (نظام عبدالناصر) باعتباره عدوا للإسلام، بعد أن كانت أدبياتها ومبادئها من قبل تؤكد أن عدو الإسلام هو العدو الخارجى فقط». ويشدد الظواهرى على أنه «رغم أن مجموعة سيد قطب تم البطش بها والتنكيل بأفرادها على أيدى الحكم الناصرى، فإن ذلك كان أعجز من أن يحد من تأثيرها المتعاظم فى أوساط الشباب المسلم، فقد كانت وما زالت دعوة سيد قطب إلى إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الربانى شرارة البدء فى إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام فى الداخل والخارج والتى ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم.


وكان الإخوان يعرفون أنهم يكذبون بشأن الصلة التنظيمية أيضا، فالأب الروحى لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن هو الدكتور عبدالله عزام عضو مجلس شورى التنظيم الدولى، ومبعوثه إلى أفغانستان. كانت خطة الإخوان ومبعوثهم تتلخص فى تكوين جيش صغير، يتحول إلى قوة انتشار سريعة تستطيع الجماعة من خلالها مواجهة أعدائها فى الوقت المناسب وفى أى مكان فى العالم. لكن بعد مقتل عزام تحول هذا الجيش إلى نواة لتنظيم القاعدة، بعد أن اختطفه الظواهرى ومجموعة المصريين (المتهمون الرئيسيون فى مقتل عزام) واستخدموه لخدمة أغراضهم، التى جاء على رأسها مواجهة الولايات المتحدة فى عقر دارها، ومن هنا جاءت أحداث سبتمبر الشهيرة.


لقاء الرئيس بوش

استعان الإخوان بجناح التنظيم الدولى فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أبرزهم الدكتور حسان حتحوت‏، رئيس أكبر المنظمات الإسلامية بأمريكا‏، حيث كان‏ أول من استقبل الرئيس الأمريكى جورج بوش بالمركز الإسلامى التابع لهم فى العاصمة الأمريكية، عقب أحداث ‏11‏ سبتمبر مباشرة،‏ بوصفه ممثلا عن مجلس التنسيق السياسى الإسلامى الأمريكى وعن مجلس الشئون العامة الإسلامية. وجهت الجماعة من خلال حتحوت رسالة إلى الإدارة الأمريكية تؤكد فيها قدرتها على تقديم العون الجيد لواشنطن فى إطار امتصاص غضب الشباب المسلم، وتحويله إلى نشاط إيجابى بعيدا عن سلبية الجماعات المتطرفة، شريطة أن تدعم أمريكا الجماعة فى مواجهة تلك الحكومات الديكتاتورية، على حد توصيفهم.


واستمرت اللقاءات فى الانعقاد، لكن بشكل سرى، حتى كان احتلال العراق، الذى أمر خلاله المرشد العام السابع للجماعة محمد مهدي عاكف (المنسق السابق للعلاقة مع الأمريكان)، جناح التنظيم الدولى فى العراق (الحزب الإسلامى العراقى بقيادة محسن عبدالحميد والاتحاد الإسلامى الكردستانى بقيادة صلاح الدين بهاء الدين)، بالتعاون مع الحاكم الأمريكى -آنذاك- بول بريمر، والمشاركة فى الحكومة الانتقالية التى شكلها عقب سقوط النظام العراقى مباشرة، وهو ما تسبب فى إيجاد أزمة داخل التنظيم الإخوانى بالعراق، وتدخل عاكف بوصفه المرشد العام للتنظيم الدولى لاحتواء تلك الأزمة وأصدر قرارا ملتويا، يؤكد أن‏ مشاركة الإخوان فى الحكومة الانتقالية تمثل شأنا داخليا للجماعة فى العراق،‏ الأمر الذى ترتب عليه استقالة عدد من إخوان العراق المعارضين لتلك المشاركة وتشكيلهم جيش الخلاص الإسلامى، بينما قام بعضهم بتكوين جبهة علماء المسلمين برئاسة حارث الضارى، الذى التقى عاكف مرتين بالقاهرة وطالبه بضرورة التدخل لإنهاء علاقة الحزب الإسلامى بحكومة بريمر، ولكن عاكف رفض للمرة الثانية، معتبرا أن ذلك الأمر شأن داخلى يخص العراقيون وحدهم.


الإخوان فى النادى السويسرى

واتساقا مع موقف الجماعة فى العراق استمرت المخططات الإخوانية فى مصر فى فتح جسور الحوار مع الأمريكان، وبدأ الإخوان فى الاتصال بالدكتور سعدالدين إبراهيم، وقام وفد من الجماعة بزيارته فى منزله بالمعادى، عقب خروجه من السجن، خصوصا أنه أقام علاقات جيدة مع بعض قادة الإخوان الذين زاملوه فى السجن، وأقنعوه بضرورة القيام بدور كوسيط لتقريب وجهات النظر بين الإخوان والأوروبيين، وهو ما حدث فعلا، عقب خروجه من السجن، حيث رتب للقاء بين دبلوماسيين أوروبيين من سفارات بريطانيا وسويسرا والسويد، ووفد من الجماعة ضم كلا من: محمد مرسى رئيس الهيئة البرلمانية للجماعة آنذاك، وعصام العريان عضو مجلس شورى الجماعة، والصحفى محمد عبدالقدوس، بينما حضر من الجانب الآخر عدد من الدبلوماسيين الغربيين. دار الحوار حول إمكانيات وصول الإخوان إلى السلطة، والأجندة السياسية التى يحملونها حال وصولهم إلى الحكم، وموقفهم الحقيقى من الغرب، وقضايا الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير.

كان الإخوان يعتبرون تلك اللقاءات جزءا من سيناريو عام وضعته الجماعة من أجل فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، لإقناعهما بقبول أن يكون للتيارات الإسلامية دور محورى فى المنطقة على غرار التعاون الذى حدث بين الأمريكان والأحزاب الإسلامية فى تركيا وباكستان، بالإضافة إلى الهدف الأهم، والمتمثل فى عدم إدراج اسم جماعة الإخوان على قوائم التنظيمات الإرهابية التى تطاردها وتحاصرها واشنطن، والحصول على وعد بدعم سياسى أمريكى فى حال الوصول إلى الحكم، والضغط على النظام فى مصر لتقبل الوجود الشرعى للإخوان.


وتكرر السيناريو نفسه مع د.سعيد النجار، الذى زاره عدد من الإخوان، للاستفادة من علاقاته الجيدة وتوجهاته الليبرالية لعقد لقاءات مع مسئولين فى الخارجية الأمريكية، لكنهم لسبب ما لم يفاتحوه فى الموضوع صراحة.. بعد انتقال الحوار إلى موضوعات خلافية كثيرة بعيدة عن أهداف اللقاء، وبقيت فى برنامج الإخوان لقاءات مع الكاتب مأمون فندى وتوماس فريدمان.

وعلى الصعيد نفسه، برز داخل الجماعة تصور آخر للإسراع فى إجراء تفاهمات مع الإدارة الأمريكية، عن طريق التنسيق مع الإخوان فى أمريكا، خصوصا د. حسان حتحوت، رئيس إحدى أكبر المنظمات الإسلامية فى أمريكا، وهو أحد تلاميذ حسن البنا المخلصين، بما له من علاقات جيدة بالمؤسسات الأمريكية، حيث كان أول من استقبل الرئيس جورج بوش الابن فى المركز الإسلامى التابع له بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة -كما أسلفنا-، وبدأ الإخوان بالفعل اتصالاتهم، وكان مقررا أن يسافر أحد أعضاء مكتب الإرشاد إلى أمريكا للقاء بعض القيادات هناك، خصوصا المسئولين عن ملفات الشرق الأوسط، ولكن حرب العراق أجلت هذه الترتيبات. لم تشارك الجماعة فى أى تصعيد لصد الاحتلال الأمريكى فى العراق، بل أسهمت، بتعليمات من مرشدها العام محمد مهدى عاكف، فى تثبيت دعائمه، كما رأينا من قبل عن طريق دفع إخوان العراق للانضمام إلى حكومة بريمر.


اعتراضات مصرية وردود أمريكية

وعندما أعلنت السلطات المصرية عن رفضها لصيغة اللقاءات الأمريكية مع ممثلى ورموز جماعة الإخوان المحظورة، والتى أصبحت دورية ومنتظمة، جاءت تأكيدات واشنطن أنها لا تستطيع تكرار أخطائها فى إيران، ولهذا يجب عليها أن تتحاور وتستمع وترسل توجيهاتها وتصوراتها للجماعة التى يمكن أن تشكل حكومة فى المستقبل، وأصبحت هذه اللقاءات أكثر جدية وأدق تنظيما، وقابلتها متابعة مصرية أمنية دقيقة وضربات للجماعة ولرموزها وسلسلة من الاعتقالات والمحاكمات لهم‏.‏

كما بادرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية بالدفاع عن الجماعة، حيث اعتبرت مجلة «‏FOREIGAFFAIRS‏» أن جماعة الإخوان بوليصة تأمين ضد التطرف والإرهاب، وأن التحاور معها يحقق المصالح الأمريكية لتلاقى مصالح الطرفين فى مجالات متعددة، ومطالبة المسئولين عن صنع القرار الأمريكى بإقامة الحوار مع الجماعة من خلال ممثليها المقيمين فى الغرب‏،‏ وتأكيد اعتدال الجماعة ‏(‏من وجهة نظرهم‏)‏ تجاه القضية الفلسطينية، بدعوى أن الجماعة ترى أن الصراع مع إسرائيل ليس دينيا بل هو نزاع على الأراضى المحتلة، وأن الإخوان على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل بمجرد قيام منظمة حماس بذلك‏.‏

كما نشرت مجلة «‏HARBERS‏» مقالا بعنوان‏ «أحزاب الله الديمقراطية الإسلامية ومذهب بوش‏»‏ أكد فيه المحرر أن الرفض الأمريكى المطلق للجماعات الإسلامية لا يخدمهم على المدى البعيد، وأوضح أنه على الرغم من أن أيديولوجيتها السياسية قد لا تروق للأذن الغربية فإن ذلك لا يمنع من أن المستقبل الديمقراطى فى الشرق الأوسط سوف يعتمد بصورة كبيرة على تفهم هذه الأيديولوجيات والأفكار والتعامل معها‏، وعلى الرغم من اعتراف كاتب المقال بعدم صدق التصريحات العلنية للجماعة باحتضانها الديمقراطية‏،‏ وأنها قد تعمل على فرض إعمال الشريعة على المجتمع المصرى فى حالة وصولها إلى الحكم، فإن ذلك لا ينفى أن الجماعة بدأت فى تغيير منهجها المتشدد نتيجة مشاركتها فى الحياة السياسية،‏ والغريب فى الأمر أن وسائل الإعلام الأمريكية التى تدافع عن الجماعة الأم هى نفسها التى تهاجم جناحها العسكرى فى غزة، والمتمثل فى «حماس»، وتصفه بالإرهاب،‏ وتضعه على القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية، بل إن جميع قيادات حماس‏ ممنوعون من دخول الولايات المتحدة‏.‏

وقد كشفت مصادر دبلوماسية غربية بالقاهرة عن أن وزارة الخارجية الأمريكية اعتمدت مذكرة تدعو إلى فتح حوار سياسى ومباشر مع جماعة الإخوان المحظورة‏،‏ مؤكدة أن هذه المرحلة تتطلب الاقتراب أكثر من الجماعة التى تحظى بشعبية واسعة بمصر،‏ وأوصت بضرورة أن تكون جلسات الحوار مع قيادات الإخوان منتظمة ودائمة وعدم الاستماع كثيرا إلى تحذيرات الحكومة المصرية بعدم التعاون مع هذا التيار‏،‏ ورأت المذكرة أن علاقة واشنطن بالإخوان خلال السنوات الماضية كان لها بعض النتائج الايجابية‏، وهو ما يتسق تماما مع تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس التى قالت فيه إنه يجب ألا يكون الخوف من وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة عائقا أمام الإصلاحات العربية،‏ كما يتفق مع ما جاء بتقرير مادلين أولبرايت بعد زيارتها للقاهرة عام ‏2005‏ والذى جاء فيه‏ «أنه إذا كان التخوف الأمريكى قد بنى على أن إجراء الانتخابات الحرة سيؤدى حتما إلى وصول الأصوليين -تقصد الإخوان- إلى مقاعد السلطة بسبب هوان الأحزاب الشرعية‏، فإن التجارب السابقة تشير إلى أنها جماعات براجماتية يمكن التعامل معها بشكل ممتاز‏»،‏ وقد أسهمت تلك التصريحات فى منح الإخوان الجرأة السياسية حتى وصل الأمر بمرشدها عاكف أن يعلن فى ‏2005/3/2‏ أن الإخوان ليس لديهم مانع من أن يكون مبارك رئيسا لمصر لفترة خامسة‏،‏ شريطة أن يكون ذلك بناء على اتفاق بينه وبين جماعة الإخوان.. وإلى لقاء.‏