الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تطبيع مع تل أبيب.. ولا مصالحة مع الدوحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
• العقد النفسية التى تحكم أمراء قطر 
• لسنا أمام مصالحة حقيقية وإنما «خطوة تكتيكية» يلتقط فيها كل طرف أنفاسه قبل «المعركة الكبرى».. والقطريون لن يتحولوا فى لحظة واحدة لملائكة
• المصالحة بين مصر وقطر «كامب ديفيد» جديدة.. ولن يقبل الشعب المصرى أبدًا الأسرة القطرية الحاكمة
• صغر حجم الإمارة قادها إلى «رغبة شريرة» فى تفتيت كل الدول من حولها
• «عقدة مبارك وعائلته» تركت فى نفس حمد بن خليفة وزوجته «موزة» كراهية لكل ما هو مصرى
• العقدة الكبرى التى تحكم قطر تراكمت بعد «30 يونيو».. فخروج الشعب أفقد النظام القطرى كل ما جمعه مرة واحدة
• أقول للرئيس: 
• لست على صواب إذا فكرت فى المصالحة.. فبيت الأفاعى لا تخرج منه سوى الشرور
• إذا صافحت أمير قطر يجب أن تعلم أن يديه ملوثة بدماء المصريين
• عندما تلتقى «تميم» لن يكون معك أحد من الشعب المصرى بل ستذهب وحدك
• نحن أمام «حية رقطاء» تحتاج بعض الدفء لتستعيد شراستها من جديد.. فاحترس يا سيادة الرئيس
• لدى آل «حمد» و«موزة» خطة لن يتنازلوا عنها.. دورهم لن يأتى إلا بـ«تآكل دور مصر»
فى السياسة عليك أن تتوقع كل شىء. 
قديمًا كان أحد المفكرين الكبار يسير بين المقابر، فقرأ على شاهد أحد القبور: «هنا يرقد العظيم وصاحب الأخلاق الرفيعة».. ابتسم وقال لمن حوله: هذه أول مرة أجد رجلين فى قبر واحد، ولما أكدوا له أن القبر ليس فيه إلا رجل واحد، رد عليهم: أمر غريب أن يكون هناك سياسى عظيم ولديه أخلاق رفيعة فى آن واحد. 
استرجعت هذا الموقف وأنا أتابع عن قرب ما تردد عن تفاصيل المصالحة بين قطر وجاراتها فى الخليج العربى.. وبالتبعية مصالحتها مع مصر.. قد يقول أحدهم إن القطريين يمكن أن يخضعوا، أن يعودوا عن غيهم، أن يصبحوا فى لحظة واحدة ملائكة تسعى إلى أحضان القاهرة. 
هل تريدون رأيا واضحا ومحددا لا ألزم به أحدا.. ولا أدعو أحدا إلى تبنيه؟ 
نحن لسنا أمام مصالحة حقيقية، إن هى إلا تسكين للآلام أكثر، مجرد خطوة تكتيكية، يلتقط فيها كل طرف أنفاسه قبل استئناف المعركة الكبرى. 
لا أحد فى طرفى المصالحة الأساسيين «مصر وقطر» يستطيع أن يدعى أنه سينسى الماضى، لن تتخلص قطر من عقدها النفسية التى تحكم علاقتها بمصر، ولن تنسى مصر أن الدوحة بالنسبة لها لم تكن إلا مؤامرة كبرى سعت إلى تفتيتها.. وهدم أركانها. 
المصالحة بين مصر وقطر بالنسبة لى ليست إلا إعادة لمعاهدة كامب ديفيد، معاهدة باردة صنعت علاقات دبلوماسية بين البلدين، خلقت كثيرا من مجالات التعاون السياسى والاقتصادى.. لكن التعاون كله جرى فى المساحة الرسمية، حكومات تتحدث مع بعضها، مسئولون يتبادلون التحيات.. جرى كل ذلك، وبقى الشعب المصرى بعيدا عن كل ذلك، عقد العزم على عدم تطبيع علاقاته، وتعامل مع إسرائيل على أنه العدو الدائم والمقيم.
الأمر نفسه سيتكرر مع قطر. 
يمكن أن يأتى الشيخ تميم حاكم قطر صاغرا ليحضر المؤتمر الاقتصادى الذى سيعقد فى شرم الشيخ مارس المقبل، يمكن أن يعلن دعمه وتأييده لكل ما يصدر عن مصر، بل يمكن أن تدعم قطر قرارا يصدر من جامعة الدول العربية باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.. ويمكن أن نجد الرئيس السيسى يهبط فى أرض مطار الدوحة فى زيارة تاريخية إلى الأرض التى جمعت أفاعى الإخوان بعد «30 يونيو»، وقدمت لهم منصة يطلقون منها سهامهم على مصر. 
كل هذا يمكن أن يجرى وبسرعة.. لكنه لن يعنى أبدا أن الشعب المصرى سيقبل الأسرة الحاكمة القطرية، لن نرتاح لها، لأننا ببساطة نعرف أن لدى آل حمد وموزة خطة لن يتنازلوا عنها.. لن يتراجعوا مطلقا عن تخليق دور لهم فى المنطقة، وهو الدور الذى أدركوا أنه لن يكون له ظل على الأرض إلا إذا تآكل دور مصر. 
يقولون كثيرا إن قطر لا تملك من أمر نفسها شيئا.. وأنها مدفوعة بحكم عملها كسمسار سياسى فى المنطقة، فهى لا تستطيع أن تغضب سيدها الأمريكى، ولا يمكنها أن تقف فى وجه ما يريده حليفها الإسرائيلى، لكن إلى جوار ذلك لا يمكن أن ننسى أنها هى أيضا صاحبة طموح، فهى ليست عاهرة مستأجرة.. بل تسعى جاهدة لتحقيق ما تراه فى مصلحتها وحدها، حتى لو أوحت بعكس ذلك طول الوقت. 
هناك مجموعة من العقد النفسية التى تحكم أمراء قطر تجاه مصر، هى التى ستتحكم فى مستقبل المصالحة المزعومة، وهو فى الغالب مستقبل ليس مبشرا بأى وجه. 
ورغم أن هذا الكلام قلناه منذ سنوات ونعمل عليه بدأب شديد، إلا أن تكراره فى سياق ما يجرى الآن على الأرض قد يكون مفيدا، على الأقل حتى نفهم ما يدور حولنا، فنحن لا نساق بكلمة تقولها سلطة، فحتى لو رأى رأس النظام أن قطر لم تعد تشكل خطرا على مصر، فواجبنا أن نقول لك: لست على صواب، فبيت الأفاعى لا تخرج منه سوى الشرور. 
العقدة الأولى التى تحكم أمراء قطر ليس تميم فقط، ولكن كل من سبقوه، هى عقدة صغر الحجم.. تعرف قطر أنها لن تستطيع أن تتمدد خارج حدودها، هذا قدرها، استطاعت أن يكون لها دور يتجاوز هذا الحجم، من خلال ذراعها الإعلامية فى الجزيرة وذراعها المالية من خلال ثروة الغاز الهائلة التى تتمتع بها، كان يمكنها أن ترضى بدورها السياسى، لكن صغر حجمها قادها إلى رغبة شريرة فى أن تُفتت كل الدول من حولها، فهى لا تستطيع أن تكون كبيرة بما يكفى، فاختارت أن تتحول الدول من حولها إلى دول صغيرة، وهو ما جعلها تتورط فى مؤامرة تقسيم الدول العربية من حولها. 
الكلام ليس مرسلا.. الشيخ حمد أمير قطر السابق اعترف أمام محمد حسنين هيكل أنه دعم ثورة 25 يناير بأموال لا حصر لها ولا عدد، وقتها اعترض هيكل، وقال له: «إن شباب الثورة لم يحصلوا على شىء، فقد خرجوا إلى الميادين من أجل إزاحة نظام قرروا أن عمره انتهى إلى الأبد، وأما ما دفعته قطر من أموال، فقد يكون حصل عليه سماسرة فى الطريق»، لم يصمت حمد، قال لهيكل: «على أية حال الأموال وصلت القاهرة». 
لا يهمنى هنا من حصل على الأموال القطرية.. ولكن ما يهمنى أننا أمام اعتراف واضح من أمير قطر يؤكد أنه دفع ملايين إزاحة نظام مبارك، وهنا تأتى العقدة الثانية التى تحرك النظام القطرى كله تجاه مصر. 
بعد «انقلاب 95» الذى انتزع فيه حمد السلطة من أبيه وخدع مشايخ القبائل حتى يبايعوه أمام كاميرات التليفزيون، حاول الرئيس مبارك أن يقف إلى جوار الشيخ خليفة، بل فكر فى أن يساعده ليسترد سلطاته من ولده حمد، لكن المحاولات فشلت، فانقلاب صيف الدوحة الساخن، جرى بدعم من أمريكا وإسرائيل، وكان القرار نهائيا، ورغم أن الشعب القطرى كان معارضا لما قام به حمد، وكتبوا على الحوائط لا أمير إلا خليفة، إلا أن آلة القمع أسكتت الجميع، وأصبح حمد أميرا بالقوة. 
تولدت فى نفس أمير قطر الجديد حمد بن خليفة كراهية مفرطة ضد الرئيس مبارك، فى سنواته الأولى لم يكره مصر، كان يتحدث كثيرا عن معلمه المصرى وعن فضل مصر على قطر، ركز كراهيته فى نظام مبارك وأسرته، وهى الكراهية التى انتقلت إلى الشيخة موزة التى أصبحت لا تطيق سوزان مبارك. 
بل لا أذيع سرا عندما أقول إن السعودية تدخلت أكثر من مرة للصلح بين القاهرة والدوحة فى سنوات مبارك الأخيرة، وتدخل الملك عبدالله شخصيا، وتم الاتفاق على أن يلتقى مبارك مع حمد فى السعودية وبرعاية ملكية، لكن قبل 48 ساعة من اللقاء سافر عمر سليمان مدير المخابرات العامة وقتها إلى الرياض ليخبر المسئولين السعوديين بأن مبارك لن يلتقى بحمد، وأن المصالحة لن تتم. 
لم يفصح عمر سليمان وقتها عن الأسباب الحقيقية التى أجهضت محاولة الصلح.. لكن بعد ثورة يناير قال عندما روى هذه الواقعة نصا: «الستات خربوا المصالحة قبل ما تبدأ، وكان يقصد حالة الكراهية التى جمعت بين سوزان مبارك والشيخة موزة، وهى حالة لم تكن خافية على أحد». 
هذه الكراهية كان يغذيها مبارك عندما تعامل طول الوقت بتعالٍ شديد مع حمد وكل من حوله، تحولت الكراهية إلى حقد شديد، ثم إلى رغبة فى إذلال نظام مبارك، وهنا يظهر هيكل مرة أخرى. 
عندما خرج مبارك من قصر الاتحادية إلى شرم الشيخ، كانت هناك توقعات أن المجلس العسكرى قدم له طوق النجاة، وأنه سيخرج من شرم الشيخ إلى خارج البلاد، ليصبح بعيدا عن أى محاكمة.. ضاق حمد بن خليفة بهذا الوضع، فهو لم يدفع كل ما دفعه من أجل أن يخرج مبارك فقط من السلطة، ولكن من أن أجل محاكمته وسجنه أيضا. 
كانت المعلومات التى وصلت هيكل من حمد مهمة ومحددة جدا، خرج هيكل ليرددها بعد ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، وقال إنه يخاف من بؤرة شرم الشيخ، وصور الأمر على أن مبارك يتصل بأصدقائه الإسرائيليين من أجل إشعال الأوضاع فى مصر حتى لا تستقر الأمور، نفذ هيكل ما طلب منه تماما، وكانت النتيجة أن مبارك عاد إلى القاهرة مسجونا.. ولا أدرى كيف قضى حمد وزوجته موزة الليلة التى دخل فيها مبارك السجن.. لقد كانت حتما أسعد ليالى حياتهما. 
عقدة كراهية مبارك وعائلته تركت فى نفس حمد بن خليفة وزوجته الشيخة موزة كراهية لكل ما هو مصرى، أرادت موزة أن تشعر بنصرها على سوزان فزارت أسوان بعد ثورة يناير مباشرة، وتجولت فى شوارعها ووقفت أمام السد العالى ونزلت فى نفس الفندق الذى كانت تنزل فيه سوزان، وعندما جاء حمد لزيارة مصر قرر أن يمارس سطوته، وبكلمة منه سحب المجلس العسكرى ترشيحه للدكتور مصطفى الفقى لأمانة جامعة الدول العربية. 
كان المجلس العسكرى قد أكد على الفقى أنه سيدعمه فى معركة اختيار أمين عام جديد للجامعة العربية بعد أن يتركها عمرو موسى، خرج الفقى إلى عدد من الدول العربية فى جولات مكوكية، وكان يلقى ترحيبا شديدا من قادة الدول التى يزورها، إلا أن حمد اعترض عليه، وقال للمشير طنطاوى وهو معه وجها لوجه، إنه ليس رجل المرحلة، ونحن لن نوافق عليه، ورغم أن قطر صوت واحد إلا أنها استطاعت أن تفرض كلمتها فى النهاية، وخرجت منتصرة فى معركة كانت الكلمة لمصر فيها دائما. 
العقدة الأكبر التى تحكم قطر تجاه مصر تراكمت بعد ثورة «30 يونيو»، كانت الدوحة رغم تقزمها الفادح إلا أنها اعتقدت أنها أحكمت قبضتها على القاهرة.. استطاعت أن تضع نظام محمد مرسى فى جيبها، كانت على بعد خطوتين فقط من تكوين إمبراطورية قطرية على أرض مصر، لكن خروج الشعب المصرى فى «30 يونيو» أفقد النظام القطرى كل ما جمعه مرة واحدة.. جعله عاريا تماما، ضاعت أمواله وأحلامه فى ثلاثة أيام فقط، هى نفسها الأيام الثلاثة التى ضاع فيها حكم الإخوان أيضا، وخرج رئيسهم من القصر إلى السجن. 
قد تكون هذه هى العقدة الأكبر التى حكمت قطر، كانت قد اعتقدت أنها أصبحت الحاكمة بأمرها، وكم كانت صدمتها عندما وجدت الشعب المصرى يضربها على قفاها، ويعيدها إلى حجمها مرة أخرى وبدون أى عناء. 
كان يمكن أن تستسلم قطر.. لكنها بدأت المعركة من جديد، استضافت كل مطاريد الإخوان ومكنتهم من قيادة حرب إعلامية ضد مصر ونظامها وشعبها، وحتى تبدو كأنها كبيرة قالت عبر سيدتها الأولى إن الدوحة فتحت أبوابها أمام الإخوان لأنها لا تستطيع أن ترد من يقصدها، وهو كلام ملتوٍ، كان يمكن لقطر أن تستضيف الهاربين من الجماعة الإرهابية، دون أن تقدم لهم الدعم، دون أن تجعل منهم معاول هدم للدولة المصرية، لقد بدا تآمر قطر عندما تحولت إلى منصة لإطلاق صواريخها السامة تجاه مصر. 
لن أذكر رأس النظام فى مصر بشىء، لأنه من المفروض يعرف كل شىء.. لقد جمعتنا جمل مفيدة كثيرة مع قطر.. كلماتها لم تخرج عن التجسس والعمالة والخيانة والتمويل، والهدف فى كل خطوة كان تكسير مصر وإلى الأبد. 
لن تستطيع قطر أن تتخلص من عقدها النفسية التى تحكمها وتوجه سياستها نحو مصر. 
لقد قالتها سيدة قطر الأولى والوحيدة زوجة الأمير وأم الأميرة فى جلسة جمعتها مع عدد من المثقفين المصريين والشهود موجودون: «لماذا تريد مصر أن تكون الكبيرة دائما، نحن الآن أكبر من مصر، لقد انتهى عصر السمك الكبير الذى يأكل السمك الصغير، وبدأ عصر السمك الصغير السريع الذى لا يستطيع أحد أن يلحق به». 
لن تصفو الأجواء أبدا، لأن النفوس لن تصفو أبدا. 
ولا أدرى كيف يمكن أن يصافح السيسى تميم أمير قطر، وهو يعرف أن اليد التى يصافحها ملوثة بدماء من سقطوا على أرض الفتنة التى صنعتها قطر خلال السنوات التى مضت.
ستقول لقد فعلها السيسى قبل ذلك فى نيويورك عندما كان يزور الأمم المتحدة، صافح تميم، بل أبلغه اعتذاره عما لحق بالسيدة والدته من إهانات ارتكبها الإعلام المصرى.. سأقول لك إن هذا تصرف نبيل قام به السيسى، لكن هنا نقطة لابد أن تنتبه لها القيادة المصرية، فهناك فارق كبير بين الشخصى والسياسى، يمكن أن يكون موقف السيسى واضحا فيما يخص الجزء الشخصى لدى الشيخة موزة، لكن الجانب السياسى لديها لا يمكن لأحد أن يمنعنا فى الحديث عنه والخوض فيه. 
عندما سيلتقى السيسى بتميم سواء تم اللقاء أو لا فى الدوحة أو هنا فى القاهرة، فلن يكون معه أحد من الشعب المصرى، سيذهب وحده، فلا أحد يرضى بأن ندخل بيت الأفاعى مرة أخرى.. ولا أحد يرضى بأن نتغاضى عن كل ما فعلوه، ويصرون على مواصلته، فالمصالحة ليست إلا فرصة لتنظيم الصفوف وحجة للعودة إلى الخليج، يمكن أن تستفيد منها مصر.. هذا صحيح.. لكننا فى النهاية أمام حية رقطاء.. تحتاج إلى بعض الدفء لتستعيد شراستها من جديد.. فاحترس يا سيادة الرئيس لأنك ستكون وحدك.