الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

250 ألف عامل بمصانع الطوب.. بلا تأمين صحي ولا مستشفيات.. يشربون مياها ملوثة.. نقيب العمال: جمعية بروك تعالج الحمير واحنا مش لاقيين اللي يعالجنا هي الحمير أحسن منا يا حكومة؟

عمال الطوب
عمال الطوب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"طول عمرنا عايشين في تغريبة.. ما لنا مهرب ولا المساجين في تخشيبة" وصف الشاعر الراحل نجيب سرور بات لسان عمال مصانع الطوب بالصف وأطفيح والبدرشين والعياط بالجيزة، حيث يواجهون خطر الموت مع شمس كل صباح خوفا من كوارث جديدة تقضي على آمالهم وأحلامهم، وحياتهم كما يقولون "على كف عفريت" مهددة بأن تذهب بلا رجعة، لم تتغير أوضاعهم كثيرًا بعد ثورة يناير إلى الآن بل على العكس ما زالوا يتألمون ويصرخون ويتنفسون وجعًا وبكل حواسهم يعانون، فهم لا يعرفون طعم الأمان منذ سنوات ولا يجدون جدوى في البوح بما يعانون، فناقوس صراخهم قد دق في مسامع كل المسئولين ولكن دون جدوى.
250 ألف عامل بمصانع الطوب بالجيزة، يعانون الفقر والتهميش والتجاهل فهم بلا تأمين اجتماعي أو صحي أو معاشات أو تعويضات عن إصابات العمل، ويتعرضون للاستغلال والعمل ساعات طويلة بأجور متدنية يقبلون بها نظرًا لقلة دخلهم وحاجتهم الماسة للعمل بأي أجر مهما كان زهيدًا لتوفير لقمة العيش لأبنائهم في غياب رقابة الدولة والمجتمع.

التقت "البوابة نيوز" مع عمال مصانع الطوب واستمعت إلى مشاكلهم وتساءلت عن أوضاعهم، وما هي رسالتهم لرئيس الجمهورية، فماذا قالوا؟
بدأ يومنا من نقابة العاملين بمصانع الطوب، حيث التقينا رضا عبداللطيف سلام نقيب العمال وعضو المجلس التنفيذي لاتحاد عمال مصر الديمقراطي، تحدث إلينا بكل استياء عن أوضاع وهموم العمال، فقال إن عدد عمال مصانع الطوب الذين يعملون في أكثر من ألف مصنع بالجيزة يتخطون 250 ألف عامل.
وأضاف أن معاناة العمال تبدأ من رحلة الذهاب إلى المصنع، فأغلب العمالة تأتى من قرى الصف التي تعانى من نقص حاد في المواصلات العامة، لذلك يعتمدون على سيارات ربع نقل مكشوفة يجلسون في صندوقها من 20 إلى 25 عاملًا والمسافة بين منازلهم والمصانع تتراوح من 8 إلى 20 كيلومترًا يتعرضون خلالها للحوادث والإصابات في الطريق الفردي "الكريمات حلوان الزراعي"، وأغلبهم يعمل منذ عام 1991 بدون تأمين اجتماعي ولا تأمين صحي ومن يموت يصبح أبناؤه مشردين بلا معاش ويعيشون عالة على المجتمع.
وأوضح سلام أن بكل مصنع ما يقرب من 200 إلى 300 عامل غير مؤمن عليهم إلا على خمسة فقط، وأن العمال يتعرضون كل يوم لإصابات في العمل أو الموت بالطحن في الخلاط بعد وقوعهم بداخله أو بتر يد أو ذراع أو رجل أو قدم ويوجد مئات العمال ممن ماتوا بالمصانع والعديد من العمال ممن تعرضوا للإصابات وهو شاهد عيان على مصائب هذه المصانع، ومن يتعرض منهم للموت أو الإصابة يعالج على حسابه الخاص وأصحاب المصانع لا يدفعون مليمًا واحدًا.
وأضاف أن كل موظفي التأمينات وموظفي القوى العاملة بالصف يعرفون أن العمال غير مؤمن عليهم وهناك موظفون يأتون لأصحاب المصانع شهريًا لتلقي رواتب تواطؤا معهم وهذه كارثة نلفت نظر وزير التأمينات والقوى العاملة والمحافظ لها.
وأشار نقيب العمال إلى أن العمال يشربون مياهًا ملوثة لأن مياه الشرب بالمصانع مالحة وتقوم السيارات بنقل مياه شرب إلى المصانع ولكنها للأسف تخزن في خزانات حديدية مدفونة تحت الأرض ويظهر منها فقط فتحتها الخارجية بينما يوجد في القاع ديدان وحشرات ضارة وأتربة الأمر الذي يعرض المئات من العمال لأمراض الكبد والفشل الكلوي، وطالب المسئولين بالتفتيش على المصانع حتى يروا ذلك بأعينهم، فالمصانع مكشوفة وغير مغطاة والعمال يعملون بها وهي مكشوفة في شدة البرد شتاء وشدة الحر صيفا وهذا مخالف للمواثيق الدولية وقوانين العمل المصرية.

كما أكد محمد مجدي، الأمين العام للنقابة، أنه لا يوجد بالمنطقة الصناعية أي مستشفيات أو وحدات صحية أو وحدات إسعاف نهائيًا وأقرب مستشفى للمصانع تبعد عنها نحو 10 كيلومترات وعندما يتعرض عامل لإصابة يستغرق الأمر وقتا كى ننقله للمستشفى يكون خلالها قد تعرض لمضاعفات أو الوفاة، ولا توجد نقطة أمنية داخل المصانع أبدًا وبها الكثير من مسجلي الخطر والمجرمين وقطاع الطرق الذين يعترضون العمال ليلًا ونهارًا بالأسلحة الثقيلة، والطرق المؤدية للمصانع غير مرصوفة وغير ممهدة للسير بها وكلها أتربة ومطبات ولا تمهد للسير عليها، المصانع ليس بها أي وسائل حماية أو سلامة مهنية وصحية أبدًا وينبعث منها ملوثات خطيرة على صحة العامل بها مما يصيبهم بالربو والأمراض الصدرية.
وأضاف مجدى أن جمعية بروك الخيرية لعلاج الحيوانات تهتم بالحمير في المصانع أكثر من اهتمام المسئولين بنا، فالجمعية تنفق ما يقرب من400 جنيه على الحمار المصاب في المقابل لم نجد صاحب مصنع يصرف مليما واحدا على أي عامل أصيب بالمصنع.
ويقول المهندس محرم سيد مدير جمعية الرفق بالحيوان بالصف إننى أشفق على العمال أثناء قيامنا بزيارة المصانع لعلاج الحيوانات فالعمال أكثر حاجة للعلاج.


ذهبنا إلى أحد مصانع الطوب برفقة الأمين العام للنقابة لنسمع من العمال، قال صبري عبد القادر عامل؛ إنه يبدأ عمله من الساعه السابعة صباحا وحتى السادسة مساء، وأنه في هذه المهنة منذ 20 عاما ومهمته في المصنع تنشير الطوب فور تصنيعه حتى يجف ليكون جاهزا لعملية الحرق؛ وأشار إلى أنهم كعمال معرضون للعديد من المخاطر حيث يمكن في لحظه أن يتم جرح العامل وإصابته أثناء عمله بجانب خط الإنتاج كما أنه لا يوجد تأمين عليهم والمشكلة أنى لو تعبت أو حصل لي أي شيء خلاص مش محتاجيني في المصنع، وأوضح صبري أن الأجر في المصنع مرتبط بالإنتاج ولو توقف العمل نصبح بلا أجر.
وهذا ما أكده سيد محمود- عامل- فالأجر مقابل الإنتاج لذا فهو غير ثابت "إحنا ونصيبا عملنا 40 ألف طوبه النهارده رزقنا ونقبض على أساسهم ولو تعطل الخط يوميتنا ضاعت"، إضافة إلى أنه خلال الفترة الماضية توقف الكثير من المصانع بسبب عدم توافر المازوت وكل هذه الأعطال التي تتعرض لها المصانع ليس للعمال ذنب فيها ولكنهم مع ذلك يتحملون النتيجة ويدفعون الثمن.
وأشار إلى أنه في هذه المهنة منذ 30 عاما، وأنه يبلغ من العمر 58 عامًا، وحتى الآن لا يوجد تأمين عليه وبالتالي لن يكون هناك معاش له بعد سن الستين، وأكد أنه قد تم إثبات اسمائهم أكثر من مره لدى موظفي التأمينات لكن صاحب المصنع يقوم بشطب الأسماء، وطالب السيد الدولة بالمراقبة على هيئة التامينات وأصحاب المصانع.
بينما أوضح محمد عطيه عامل فرن، أن طبيعة العمل مرهقة وشاقة جدا وأوقات الراحة التي يحصل عليها يتم خصمها من الأجر لأنه مرتبط بما ينتجه مضيفا "نفسنا نعيش زي ما بتعيش الناس لنا حقوق وعلينا وجبات، بعد كام سنه مش هيبقي عندي صحة للشغل " وأضاف إلى أنه منذ بداية عمله في مصانع الطوب لم يستقر بمصنع واحد بل تنقل في عدة مصانع بسبب المشكلات التي تواجهها صناعة الطوب، وإغلاق كثير من المصانع إضافة إلى ذلك فلا يوجد تأمين عليهم، وقال إنهم لا يطالبون صاحب المصنع بالتأمين خوفا من أن يتم طردهم من المصنع وتسريحهم.
كما أكد أحمد عبدالعال: أنه اصيب بالغضروف بسبب عمله في المصنع لفترة تجاوزت الـ32 عامًا، ومع ذلك فلا يوجد تأمين عليه وبالتالي لن يكون له معاش يريحه من هذا العذاب، مشيرا إلى أن أحد العمال مات بالمصنع عقب سقوط المدخنة عليه، فلم يسأل صاحب المصنع عن أهله. 
ويقول شحات لطفى، أن ساقه قد قطعت أثناء عمله في المصنع ولم يسأل عنه صاحب المصنع لأنه غير مثبت أو مؤمن عليه وبالتالي فلا دية له؛ أو حقوق تذكر يطالب بها صاحب المصنع وأصبح عالة على المجتمع، مضيفا أن هناك عددا كبيرا جدا من العمال أصيبوا ويصابون يوميا بإصابات متعددة سببت لهم عاهات مستديمة منها بتر يد أو ذراع أو قدم ومن العمال من أصيب بأمراض مزمنة كالكبد أو الكلى.
وبعد أن قضينا يومًا مع عمال مصانع الطوب، ما زالت كلمات كلمات الحاج سيد في أذنى وهو يقول " متتعبش نفسك يا بنى، كل شوية التليفزيون والصحافة تصور ومفيش فايدة ومفيش حاجة اتغيرت".