الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الدينى ( 46 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثنا فى المقال السابق، عن ندوة سبق أن عقدت فى ثمانينيات القرن الماضى تحت عنوان "الحركات الدينية المتطرفة" وعن علماء إعلام أسهموا فيها بأوراق وبحوث لم تزل تستحق منا الدراسة باعتناء واهتمام فهي تضم أفكاراً بالغة الأهمية فى تفهم ظاهرة "التطرف" وأسلوب التعامل معها، ونمضى اليوم في محاولة لاستكمال إلقاء نظرة سريعة على بعض من هذه الأبحاث التى نؤمل أن تجد من يهتم بطبعها فهى لم تزل- وحتى اليوم- قادرة على منحنا إجابات صحيحة نحن فى أشد الحاجة إليها.
ونواصل مطالعتنا لبحث د. فرج أحمد فرج المعنون "الحركات الدينية المتطرفة.. توصيف وتقييم" وهو يحاول أن يفسر لنا الموقف المعادى للحاضر فى فكر التيارات المتطرفة "إنهم يرفضون الحاضر ، فدمار الحاضر بالنسبة لهم هو شرط لميلاد نظامهم، فما نراه نحن تدميراً للحاضر ورفض له هو بالنسبة لهم قوة للبناء ومن ثم فإن بواعث رفض الحاضر نابعة عن عجز فى فهم طبيعة الأشياء، بل عجز عن فهم منطق الحياة ذاتها ذلك المنطق القائم على تجاور النقائض ليتولد من تفاعلاتها معاً .. الجديد" [صـ159] .
أما الدكتور محمد أحمد خلف الله، فيرى فى ورقته المعنونة "إقامة الدولة الإسلامية" [صـ4] أن جوهر المشكلة يكمن فى السعى نحو إقامة الدولة الدينية، ورؤية أصحابها التى ترى أن العائق أمام قيام هذه الدولة هو الطاغوت أى الدولة المدنية الحديثة، بل هم يرون أن الناس قد عادوا إلى جاهلية جديدة أشد إضراراً بالحياة الدنيا وبالحياة الآخرة من الجاهلية الأولى، ومن هنا فإنهم يتصورون أنهم ملزمون بوجوب الجهاد من أجل إعلاء كلمتهم التى يقولون أنها كلمة الله وجعل كلمة الذين كفروا هى السفلى، ومن ثم فإنهم جميعاً وعلى اختلاف تنظيماتهم يتفقون على ضرورة قيام دولتهم، والنضال من أجلها باللسان والسنان أى بالعنف، والعنف على حد زعمهم جزء من السنة، إذا يبرورنه بواقعة مشكوك فيها تقول باغتيال كعب بن الأشرف بسبب إيذائه الرسول الكريم" ويمضى د.خلف الله قائلاً: "إن هؤلاء المتطرفين ينسون الحجة التى رددها حجه الإسلام الإمام الغزالي والتي تقول "ومهما أمكنك أن تعمل الأمور بالرفق واللطف فلا تعملها بالشدة والعنف فقد قال الرسول الكريم كل والٍ لا يرفق برعيته لا يرفق الله به يوم القيامة".
ثم نأتى إلى بحث قدمته د. سهير لطفى بعنوان "رؤية سيسيولوجية للجماعات الدينية المتطرفة" تقول فيه "إن انتشار الإسلام يرجع إلى تغلغله فى الأوجه الدنيوية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات التى ارتبطت به، ورغم أن مفكرى الإسلام الأوائل قد اختلفوا فى مذاهبهم وآرائهم الفقيهة وفى المسائل الفكرية إلا أنهم كانوا كالذين يتبارون فى ملعب واحد ويلتزمون بقواعد متفق عليها، ومن هنا أمكن أن تكون لهم ثقافة موحدة الروح وإن تباينت مظاهرها" [صـ192]. ثم تمضى قائلة "وقد اتسم فكر المصلحين بصفة عامة بأنه فكر إصلاحى سلفى فى الإطار التاريخى للنظام الاجتماعى القائم فى ذلك الوقت، إذ اقتصر فكر رفاعة الطهطاوى على إمكان تفسير الشريعة بطريقة تتفق مع احتياجات العصر، أما محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغانى فقد كانا فى بداية حياتهما متحررين وانتهيا محافظين توفيقيين فقد تمركزت أفكار الأفغانى- التى كانت خليطاً من التوجهات الدينية والوطنية والراديكالية الأوروبية- فى دعم الحركة الدستورية والجامعة الإسلامية كما تمركز فكر محمد عبده حول إن كان التوفيق بين الإسلام والفكر الحديث وبهذا يمكن القول إن الفكر الإصلاحى كان عبارة عن نداء سياسى يستند إلى تفسير مثالى للعقيدة الإسلامية، ولهذا لم تلجأ هذه الأفكار إلى العنف، بل تمسكت بأهداف الأُخوة التى تجمع كل المسلمين فى ضوء الواقع الاجتماعى القائم واحتياجاته"[صـ196] .
وتمضى د. سهير لطفى في التقرير: "وبصفة عامة يمكن القول إن الفكر السياسى الاجتماعى لدى العرب قد تمركز فى جميع مراحله على محاولة التوفيق بين نظرية الإسلام فى الحكم، وبين المتغيرات التى طرأت على واقع الحكم فى مختلف المراحل التاريخية، حتى تواجه المسلمون فجأة فى أوائل القرن 19 مع عالم أوروبا الحديثة، فشعر المفكرون المسلمون بضرورة القيام بمحاولة جديدة للتوفيق بين آخر ما وصلت إليه النظرية الإسلامية فى الحكم، وبين هذا العالم الجديد والغريب والمثير للدهشة، والباعث فى أحيان على الإعجاب والانبهار، وفى أحيان أخرى على الحنق والرفض، وفيما كان موج التغريب يندفع نحو الأراضى التى أحكمت الإمبراطورية العثمانية قبضتها عليها، وفيما تتهاوى القبضة العثمانية التى أصبحت خائرة وواهية نشأت حركة فكرية واسعة النطاق انبثق منها إتجاهان فكريان الأول يتطلع إلى الأخذ بالأفكار الغربية، والثانى يرى فى الدعوة الدينية المتشددة والمتطرفة وسيلة لمواجهة هذه الأفكار"، ولأن المجتمع العربى الإسلامى لم يكن بتركيبته السلطوية التى تتجسد فى تسلط القمة على القاعدة، حيث أهم شخص فى الدولة هو الرئيس وفى الجيش هو القائد، وفى الأسرة هو الأب، يتقبل إجراء حوار يخترق السائد والمألوف ، فأغلق باب الاجتهاد وباب الحوار المتكافئ وتوقف العقل وإنعكس ذلك كله فى تسلط المتطرفين على عقول الأتباع ، وفى السلوك اليومى أعطيت الأولوية للمظهر (اللحية والجلباب) على الجوهر (هو حقيقة التسامح الاسلامى مع الآخر) وسادت روح رفض الآخر وتكفيره" [صـ200] . وليس أمامنا سوى أن نعتذر فما أوردنا فى مقالينا سوى نذر يسير جدا من أبحاث شديدة العمق وراقية الفكر، وتُعمل العقل باقتدار.
ويبقى أن أناشد من يهتم بالفكر والعقل والحوار وبحماية المجتمع والإسلام ذاته كدين وعقيدة من الأفكار المتطرفة، أن يطبع أوراق هذه الندوة فنحن فى أمس الحاجة إليها، لكننا أيضاً فى حاجة الى ندوة أخرى تلاحق ما نحن فيه وتسعى الى فهمه وتفسيره.