السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لم الشمل والمشمول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كما في الأفلام القديمة.. كنا ننتظر خروج الطبيب من غرفة العمليات ليخبرنا إما انه ضحى بالأم أو الجنين ليحيا أحدهما لكن بيان الديوان الملكي السعودي عن اتفاقية لم الشمل خرجت كطبيب يقول إنه ضحى بحياة الجميع ليحيي جنينا مشوها غير مكتمل النمو أو معلوم الملامح.
هذه الصدمة التي انتابت عددا كبيرا من المصريين بعد صدور البيان، كان منبعها الأساسي عدم وضوح مفهوم "لم الشمل" الذي تمحور حوله البيان، ولا تلك "المناشدة" التي تضمنها لمصر بأن تعمل على حفظ هذا الشمل، طوال الوقت نسمع عن "لم الشمل" لكننا لم نستخدم كثيرا سوى التصريف الثالث منه "لفظ المشمول" وللأسف اسم المفعول هذا وقعت مصر تحته كمن يقع في فخ محكم.
نعتز بدور السعودية والإمارات؟ نعم وبلا أدنى شك، لكنه اعتزاز بمن يرد لك جمايل صنعتها له كثيرا وليس اعتزاز مشرد "لمه" أحد الأغنياء من الطرقات وعفاه من تشرده، لذلك فلم يكن من الطبيعي أن يفهم أو حتى يتصنع أحد المصريين أنه يتقبل أن توضع مصر بحجمها وتاريخها وشعبها وثوراتها وحضارتها في كفة ميزان مع قطر حتى وإن رجحت كفة مصر، فمجرد المقاربة غير وارد.
وإذا كان قدر مصر دائما أن تكون الشقيقة الكبرى فليس معنى هذا أن يعتبر الصغار أن من حقهم عليها دائما أن تغير لهم الحفاضات، وليت اتفاقية الرياض استمرت على وضوحها وتقديرها لقوة مصر وقدرها، ولحقارة الدور الذي تلعبه دول "صغيرة" تريد كعبلتها بلا أي مبرر، لكن البيان للاتفاق التكميلي تحدث عن مصر كـ"مشمول" وهذا بالتأكيد لا يؤدي إلى حل "شامل".
لسنا ضد لم الشمل خاصة مع وضوح العدو واتفاق العقلاء على أنه لم يعد مفر من المواجهة والتصدي، لكن أن تأتي رتق فتق صغير بترقيع أكبر يشوه الثوب ويجعل من غير الملائم أبدا أن نقبل ارتداءه، وكما توقع الكثيرون احتفل بوق الإرهاب القطري الزاعق 24 ساعة يوميا بالبيان وكأنه إدانة لمصر، وكأن مصر تعرقل اللم والشمل والاتفاق، وليت البيان للاتفاق التكميلي ذكرنا حتى ببنود الاتفاق الأصلي، وليته ذكر لنا ما تم حول هذه البنود ومدى التزام الأصغر بها قبل مطالبة الأكبر برعايته وقبوله لكن تلك الألفاظ التي صيغت بذكاء بعض الثعالب في أنظمة مائعة جعلت مصر في زاوية إما أن ترفض أو تتحفظ فتبدو رافضة للم الشمل أو أن تقبل فتظهر في موقف المشمول بالعناية والرعاية، للأسف وقعنا في الفخ وخرج بيان الرئاسة المصرية هزيلا كمن يدير ليس فقط خده الأيسر لصفعة جديدة بل يدير قفاه.
نعم نحن في موقف مالي سيء، لكن لم نبع لا في أيام العز ولا الفقر كرامتنا أمام أصغر وأتفه الدول لنجامل أحدا، ومع احترامنا لكل الدول العربية الشقيقة إلا أن الوقت حان لنقول إن حدودنا كشرفنا لا تنازل عنها ليس فقط حدودنا المادية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لكن حتى حدود كرامتنا في الفضاء لا بد أن يحترمها الجميع ولا بد أن نرى "أمارة" ندم أو أسف أو حتى التزام ولو قهرا من تلك الدول التي تريد رضا مصر، وهو ما ينفيه تماما لسان حالها الفضائي المسمى بالجزيرة مباشر.
الدبلوماسية المصرية تحتاج أن تكون أكثر دهاء وأسرع عملا، والمخابرات الخارجية تحتاج أن تكون أكثر سرعة والخارجية والرئاسة وكل الأجهزة الرسمية في مصر تحتاج أن تكون أصلب وأكثر رجولة مما هي عليه، وإلا.. فلتترك المصريين بألسنتهم وأقلامهم يأخذون حق مصر من تلك الدويلة وذيولها في الداخل والخارج وهم لا يحتاجون توصية لفعل هذا.