الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا تتعثر عملية السلام؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
السلام فى مسيرة الصراع "العربى الإسرائيلى" وبخاصة فى جانبه المتعلق بالقضية الفلسطينية، يبدو كالسراب يحسبه الظمآن ماء كلما اقترب منه يكتشف حقيقته، يغدو هذا السلام قريباً وفى متناول الأيدى من قبل الأطراف المختلفة، وتذهب وسائل الإعلام إلى حد القول أنه لم يبقى سوى بعض التفاصيل وتتفق الأطراف، ولكن سرعان ما تتعرض هذه العملية للانتكاس والارتداد وتعود إلى نقطة الصفر أو المربع الأول.
والملفت للنظر أنه رغم كل جولات عملية التسوية والمفاوضات ورغم بحث العديد من القضايا والتفاهمات وابتكار المفاوضين لصيغ مقبولة وممكنه، إلا أن المفاوضات تراوح مكانها ولا تتقدم، بل على العكس تبدأ كل جولة من التفاوض كما لو كانت الجولة الأولى، وتبدأ من نقطة الصفر وتذهب التفاهمات والصيغ التى سبق قبولها والتسليم بها أدراج الرياح.
ورغم قبول الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية لحل الدولتين باعتباره الحل الممكن والمقبول والذى يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، إلا أنه فى الواقع العملى يواجه الحل عقبات كثيرة يبدو أنها ستبقى إلى أمد غير منظور، الخطاب الدولى المتعلق بالقضية الفلسطينية يعترف بالدولة الفلسطينية ضمن حل الدولتين ويعترف بأن القدس الشرقية أراضى محتلة، ولكن المواقف العملية مفارقة لهذا الخطاب، والضغوط التى يمارسها الجانب الدولى لا ترقى إلى مستوى الخطاب، بل تنحاز فى العديد من الأحيان إلى جانب الموقف الإسرائيلى خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ويستمر هذا الانحياز دون مراعاة للحقوق الفلسطينية المشروعة التى أقرتها المواثيق والقرارات الدولية.
والسؤال الذى ينبغى طرحه فى هذا المجال هو لماذا تتعثر عملية التسوية وترتد دائماً إلى نقطة البداية رغم تعدد الاتفاقيات والتفاهمات التى تمت بين الأطراف برعاية الولايات المتحدة فى غالب الأحيان؟
الإجابة على هذا السؤال تشير إلى وجود عوائق وعقبات أمام عملية السلام تاريخية وسياسية وثقافية ومعرفية وإدراكية تتعلق بإدراك الأطراف وبالذات الطرف الإسرائيلى لهذه العملية، وتنوع وتعدد هذه العقبات يعود فى الأساس إلى طبيعة الصراع العربى الإسرائيلى كصراع طويل وممتد له جذور تاريخية.
ويبرز من بين هذه العقبات بشكل خاص تلك المتعلقة بالمشروع الصهيونى المؤسس لدولة إسرائيل منذ نهايات القرن التاسع عشر الذى قدمه هرتيزل، فهذا المشروع الذى تنبأ بقيام إسرائيل فى غضون عدة عقود، قد خلا من تصورات ومقترحات ومنظور لحل مشكلات ما بعد قيام الدولة اليهودية أو رؤى تخص مرحلة ما بعد الانتصار أى قيام إسرائيل وانتصارها فى حروبها ضد العرب فى 1948، 1967 خاصة.
ظلت العديد من الأسئلة معلقة حول طبيعية علاقات الدولة الإسرائيلية بمحيطها العربى، وطبيعة علاقاتها بالفلسطينيين أصحاب الأرض وعلاقتها بإقليم الشرق الأوسط وتصورها عن مصير الفلسطينيين سواء فى دولة واحدة ديموقراطية أو دولة ثنائية القومية أو فى دولة مجاورة أو إلغائهم نهائياً من الخريطة.
والحال أن غالبية ومعظم النخبة الإسرائيلية المتعاقبة لم تفكر جدياً فى هذه الأسئلة، ولم تطرح تصورات تأسيسية لمرحلة ما بعد الدولة والانتصار.
ونتيجة لذلك أصبحت الرؤى التى تتعلق بالسلام من الجانب الإسرائيلى رؤى طارئة ومؤقتة وتستجيب لظروف تكتيكية ومعرضة للانهيار والتآكل بتغير هذه الظروف والمواقف، كما لم تحظى هذه الرؤى بالإجماع والتوافق الوطنى الإسرائيلى، ولم تتمكن من تجاوز الحدود الإيديولوجية والاتجاهات السياسية للأحزاب والنخب.
ربما يفسر ذلك ارتداد عملية السلام بعد رابين وبعد حرب الخليج وصعود اليمين القومى والمتطرف وضعف الوسط والمركز والدخول فى الحلقة الشريرة من التنكر لاستحقاقات عملية السلام والعودة مجدداً إلى نقطة الصفر.