الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مَن يُكبِّل مصر ويشدّها إلى الخلف؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كم عدد وحجم الفرص التى ضاعت على مصر منذ دخلت ما سُمى بعصر السلام، قبل أكثر من 30 عاماً، والذى كان يمكن، بل يجدر، الاستفادة به ومنه فى تحقيق الكثير من الآمال المؤجلة بعد حروب ممتدة استنزفت الكثير من قدرات الوطن ومن طاقة المواطنين؟
ليس هنالك، للأسف، جهة ما قدّمت إجابة تصلح للمناقشة، لا مؤسسة علمية تتناول المسائل بالحيدة دون نوازع مسبقة تحكم باحثيها، ولا هيئة سياسية ممن تتعامل مباشرة مع الجماهير! وظلت الانطباعات وحدها هى الفاعلة!
على الأقل، كان يُمكن، للعلماء أو لأهل السياسة، أن يحسبوا بدقة المعونات المالية المباشرة التى تدفقت من الخارج، سواء من الدول العربية، أو من أمريكا وأوروبا، أو من المؤسسات الدولية. إلا أنه، وبرغم سهولة حساب الأموال الواردة والصادرة فى العالم كله شرقاً وغرباً، فإن الأمر عندنا مختلف، والاضطرابات شديدة فى الأرقام! تصل فيها تقديرات البعض إلى مئات المليارات من الدولارات!
دراسةُ وتمعنُ هذه المسائل تتجاوز تفسيرَ وفهمَ الماضى إلى إمكانية الاستفادة من دروسها فيما نحن فيه بصدد قضايا اليوم والغد.
كانت أهم الفرص التى تبددت فيما مضى هى ضياع أجواء جديدة توفرت لمصر لأول مرة بعد عدة عقود، لم يعد فيها تهديد حقيقى لتراب الوطن، وكان هناك إلى حد كبير استقرار داخلى، على الأقل فى المناخ العام، يسمح بقدر لا بأس به من الهدوء الذى كان يمكن أن تتجمع تحت مظلته الجماعة الوطنية لتفكر فى حاضر البلاد ومستقبلها.
ولكن هذا لم يحدث! برغم أن حسنى مبارك كان الأكثر حظاً مقارنة بكل من حكموا قبله، حتى من أسرة محمد على التى رزح أبناؤها تحت الاحتلال الأجنبى نحو 70 عاماً، وكانت معارك عبد الناصر ممتدة عبر خريطة عريضة تستنزفه يومياً وتعوقه عن الإنجازات التى كان يطمح فيها، ودخل السادات من يومه الأول فى محنة سيناء المحتلة، مع ضغوط الخارج لقهره على الإذعان، وضغوط الداخل لدفعه لاسترداد الأرض، وضغوط الظروف الضنينة التى لم توفر له ما يتطلع إليه كل من يخطط لحرب شديدة التعقيد! وحتى بعد انتصار أكتوبر، عجز عن اقناع الآخرين بصواب توجهاته فى السلام، كما تطرفوا هم ضده واتهموه بالخيانة! وتفاقمت الأمور بسرعة رهيبة إلى النهاية المأساوية!
لم يَمرّ مبارك بكل هذا، بل على العكس، بدأ بجنى نتائج كل ثمار الجهود التى سبقته، والتى لم يكن له فيها فضل، ودخل فى إجراءات استلام كامل أراضى سيناء، ثم واتته الظروف فى قضية طابا، بفضل الجهود المضنية التى بذلها خيرة خبراء مصر فى وضع ملف يثبت حقوق مصر الأصيلة أمام المحكمة الدولية، وهنا لعب الحظ لصالحه فى مخاطرة التحكيم على تراب الوطن، والتى بسببها عارض كثيرون مبدأ اللجوء إلى المحكمة الدولية، وكانت حجتهم القوية أنه لا تحكيم على سيادة، لأن الأرض تعود، على سبيل الحصر، إما حرباً وإما تفاوضاً!
وأفلت مبارك من الاحتمال الكارثى بأن يأتى الحكم ضد مصر!
وبرغم أن مبارك كان نائباً للرئيس السادات لنحو 6 سنوات، تجعله مسئولاً عن كل القرارات والسياسات، خاصة التى اختصم فيها السادات كل ألوان الطيف السياسى فى مصر، وكان آخر قراراته حبس الجميع فى قرارات سبتمبر 81، إلا أن جميع القوى والتيارات السياسية الحزبية ورموز العمل العام، أثبتوا أعلى درجة من التسامح فى التعامل معه، وأسقطوا حقهم فى مساءلته عما حدث، بل وقفوا يدعمونه فى التصدى للإرهاب الذى انفجر يهدد الأمن الوطنى، ومع ما فى هذا التوجه من شياكة إلا أنه خلا من نضج سياسى كان يجب فيه إلزام مبارك بالسياسات التى طالبت بها الحركة الوطنية والتى صاغتها بالفعل فى برامج كانت متداولة. إلا أن هذا أيضاً لم يحدث!
ومن ناحية أخرى، عادت مصر إلى شقيقاتها العربيات، أو عادت الشقيقات إليها، بعد جفوة الخلاف مع السادات بسبب معاهدته مع إسرائيل، كما تعززت خارجياً العلاقات مع أمريكا والاتحاد الأوروبى.
كانت هذه أفضل ظروف للانطلاق إلى المستقبل بتأصيل الديمقراطية، وبالتنمية الحقيقية، وبالاهتمام بالعدالة الاجتماعية، وبوضع خطط الارتقاء بالتعليم والبحث العلمى وصحة الشعب وطعامه وشرابه..إلخ، بما يعود على الشعب بمنافع تتكافأ مع تضحياته عبر زمن ممتد.
ولكن، لم يحدث شيء مما كان مأمولاً، لأنه كان لمبارك خطط أخرى، تتعارض مع طموحات الشعب، فضاعت 30 عاماً ثمينة دون إنجاز حقيقى، بل بإغراق البلاد فى مستنقع فساد لا قرار له، مع انعدام الأمل فى تداول سلمى للسلطة، وكان الخطر الأكبر تهديد البلاد بمؤامرة توريث الحكم إلى نجله!
وكانت هذه هى أكبر التهم التى يجب أن يُحاكَم عليها مبارك! ولكن هذا أيضاً لم يتحقق!
والآن، ومع بداية بوادر الاتجاه للبناء، انفجر الإرهاب الأسود الذى كَمَنَ حتى صارت له أنياب ومخالب، وأعلن حرباً هى الأكثر شراسة فى تاريخ البلاد! ولكن الملاحظ أن هذا الإرهاب لم يتحرك قبل سنوات ضد عصر الفساد الذهبى، ولا ضد الاستبداد، ولا من أجل المطالبة أو تأييد المطالبة بالديمقراطية، ولا مع المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية، ولكنه قرر فجأة أن يضرب الآن أثناء محاربة الشعب وجيشه وشرطته لجماعة الإخوان وحلفائها الذين يرفعون السلاح ضد الشعب لفرض برامج وسياسة رفضها الشعب.
هذه هى المعركة الأساسية التى ينبغى أن تُولى اهتماماً يتساوى مع الهدف فى القضاء على كل من يرفع السلاح ضد الدولة أو الشعب، بكل قوة وحسم، مع إدراك تعقيداتها، واستيعاب ضرورة تعدد أساليب المواجهة المتزامنة مع استخدام القوة، مع وجوب الانتباه لخطورة المبالغة فى الاهتمام بانتقاد الخارج لكيفية التعامل مع الموضوع!
كما أن هنالك خوفاً حقيقياً من الانزلاق فى كمين المخطط الإرهابى الذى يرمى إلى تغيير توجه الحكم والشعب، بهدف وقف الاتجاه إلى المشروعات الكبرى، وبنفس الدرجة تعطيل البناء الديمقراطى، بمحاولة توريط الحكم فى خطأ تاريخى آخر بتأجيل بنود الديمقراطية والحريات العامة والخاصة، بنشر فكرة أن هذا ترف قد يعرقل التصدى للإرهاب ويعطل إنجاز المشروعات الكبرى!
هنا يتجلى خطر تبديد فرصة أخرى تاريخية متاحة لا تزال أغلبية الجماهير حتى الآن تصطف فيها خلف الرئيس السيسى، الذى يؤيدونه تقديراً لدوره فى الاستجابة لندائهم بالتخلص من حكم الإخوان وحلفائهم، وبأمل أن يكون قادراً على تعويض الشعب عن الفرص التى تبددت فيما سبق.