الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة (٤)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كيف نقرأ دور الشباب في الثورات؟
كان من بين الأمور المهمة جدا التي لفتت نظري مبكرا أن قوى الدولة القديمة، أو بتعبيرات أخرى: قوى الثورة المضادة، وبالتحديد بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة، ومن خلال أجهزة الإعلام الرسمية التي كانت لا تزال تسيطر عليها بالكامل، راحت تشن حملة منظمة تؤكد على: أولا أن الثورة قام بها الشباب والشباب وحده، وثانيا أن هذا الشباب لا علاقة له بأي قوى أو شخصيات سياسية، وأن هذه القوى والشخصيات تحاول استغلال الشباب، وثالثا أن هذا الشباب ليس له أجندة وهو ما يعني أنه ليست له مطالب أو رؤية أو أهداف، ومن خلال هذا المدخل بدأت قوى الدولة القديمة تحاول احتواء هذا الشباب بعد أن "تخنت مخه" ووضعت حاجزا مفتعلا من الشك وعدم الثقة بينه وبين الأجيال الأكبر سنا وكذا القوى السياسية، ودفعته دفعا إلى إنكار علاقته بالسياسة باعتبار ذلك أمرا حسنا ومحمودا، وبدأت محاولات الاحتواء بدعوة الحوار التي وجهها عمر سليمان للشباب ثم باللقاءات والصفقات المتكررة بعد ذلك بين بعض كبار المسؤولين وبعض الشباب وتوجت هذه اللقاءات والصفقات بتوظيف، ومن ثم إفساد، عدد كبير من الشباب في مشروعات وخطط قوى الثورة المضادة، وهكذا انتهى الأمر ومعظم الشباب قد تم إفسادهم أو إحباطهم نتيجة عدم قدرتهم وحدهم على تحويل أحلامهم إلى إستراتيجيات وتكتيكات قابلة للتطبيق لأنهم ببساطة لم يكن لهم ارتباط بذوي الخبرة السياسية، وأيضا لم يبنوا لأنفسهم رؤية سياسية بل بعضهم بدا وكأنه فخورا بجهله وسطحيته .
كانت المؤامرة على الشباب واضحة أمامي منذ الأسبوع الأول من فبراير ٢٠١١ ولذلك طرحت في ذلك الوقت، في الورقة التي حملت عنوان اللحظة السياسية الراهنة، السؤال التالي: "كيف نقرأ دور الشباب في الثورات؟" وقدمت الإجابة التالية: "كل الثورات التى عرفتها مصر كان بعضاً من أبرز قادتها – فضلاً عن كل وقودها – هم الشباب، وهذا أمر طبيعي، فالمظاهرات والمواجهات مع قوات الأمن ومعارك الشوارع هي كلها أمور لا يستطيع تحملها– بشكل أساسي- سوى الشباب، والأفكار الجديدة والمبادرات الإبداعية وروح المبادئة هى الأخرى أمور لا يضطلع بها سوى الشباب، ولذلك لم يكن صدفة أن أغلب شهداء الثورات هم من الشباب، وليس صدفة أن اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التي قادت انتفاضة 1946 كان أغلبها طلاب وشباب نقابيين، وعندما حملت الأجهزة الأمنية مسئولية انتفاضة يناير 1977 إلى 176 متهما كان أكثر من 80% منهم شباب لا يتجاوز متوسط أعمارهم 25 سنة فى يناير 1977، وبناءً على كل ما تقدم فإننا لم نرحب كثيراً بالخطاب الرسمى، الذى تلون بفعل محاولات الالتفاف وركوب الموجة، وراح يغازل الشباب مؤكداً على أنها ثورة شباب لا ينتمون لأى فكر أو حزب سياسى، بل وذهب هذا الخطاب إلى أن الشباب خرجوا بثورتهم – التى فاجأت الجميع – فى مواجهة القديم – الذى يشمل – ضمن ما يشمل – الأحزاب والقوى السياسية والفكرية ... الخ. نحن على يقين من أن هذا الخطاب – حتى لو كان بعض الذين يرددون بعض مفرداته حسنى النية – يهدر أولاً كل النضالات التى قام بها الشعب المصرى على مدى تاريخه الحديث بصفة عامة ويهدر على نحو خاص نضالات القوى والنخب فى الفترة من 2002 وحتى 2011 وهى نضالات قدمت فيها هذه النخب تضحيات جسيمة فى ظل الاستبداد والقهر الذى عاشته هذه القوى والنخب ما قبل 25 يناير، ويحاول هذا الخطاب أن يقطع ما بين الشباب وما بين هذه النخب التى قدمت للشباب النموذج الاحتجاجى جنباً إلى جنب مع ترسانة من الأفكار التقدمية والليبرالية من خلال هامش ديمقراطى انتزعته هذه النخب والقوى عندما تمكنت من إصدار صحف مستقلة (مثل المصرى اليوم – والبديل ... وغيرها)، وهذا الخطاب يهين الشباب أصلاً عندما يعتبرهم "أبيض يا ورد" لأن الكثير من هؤلاء الشباب الذين قدموا مساهمات قيادية فى هذه الثورة ينتمون فكرياً – وسياسياً أيضاً فى كثير من الأحيان – إلى تيارات ليبرالية ويسارية فضلاً عن انتماء كثير من شباب التحرير إلى الإخوان المسلمين.
ما نود أن نقوله باختصار هو إن هذه الثورة فجرها وساهم في قيادتها الشباب لكن أغلب فئات الشعب وكذا أشخاص من مراحل عمرية مختلفة قد شاركوا فيها، والأهم أن كل القوى السياسية المعارضة شاركت أيضاً في كل فعاليتها بدرجات مختلفة وكل على قدر طاقته وكفاحه، والأهم من كل ما تقدم أن عددا كبيرا من الشباب الذى أشعل فتيل الثورة ينتمى بعضهم إلى تيارات فكرية وسياسية مختلفة، فيما يتبنى نسبة كبيرة منهم أفكارا إصلاحية وديمقراطية عامة، ومن المفترض، ولمصلحة تحقيق أهداف هؤلاء الشباب أنفسهم، أن يبنى الشباب مستقبلهم السياسى على التراث النضالى للشعب المصرى وأن يتواصلوا مع هذا التراث إما من خلال الانخراط فى مؤسسات قائمة ذات توجهات سياسية أو ثقافية... إلخ تجمع بين الشيوخ والشباب، أو من خلال استبعاد الشيوخ دون إهمال قراءة تجاربهم وتضحياتهم السابقة والبناء عليها، وفى كل الأحوال فإن الشباب المنتمون سيكون من السهل عليهم الانخراط فى قوى سياسية قائمة أو سيكون لزاماً عليهم أن يبنوا أو يشاركوا فى بناء قوى جديدة، أم الذين يتبنون أهداف عامة فسيكون عليهم أن يطوروا أفكارهم بحثاً عن موقع على الخريطة السياسية التى يُعاد تشكيلها فى خضم هذه الثورة.
إن مهمة بناء علاقة بين الشباب والأجيال الأكبر سناً أمر فى الأهمية، وإذا اعتبرنا ان الأجيال الأكبر سناً لها خبرة فإن المسئولية تلقى على عاتقهم إذن بشكل أساسى فى القيام بهذه المهمة، وهى مهمة لا تحتاج إلى فهم هؤلاء الشباب فقط، بل تحتاج أيضاً إلى تقدير إمكاناتهم ومواهبهم وقدراتهم الواعدة، والثقة فى أنهم قادرون على احتلال موقع القيادة فى عملية التحول الديمقراطى الجارية أو على الأقل المساهمة فى هذه العملية بدور قيادى رئيسى، ونجاحنا فى ذلك – على صعيد الحزب أو على صعيد الوطن – معناه ببساطة أننا فى طريقنا إلى المستقبل الذى يحتاج بالفعل إلى دماء جديدة وأفكار جديدة وأساليب جديدة، ولعل اعتماد الشباب الذين أشعلوا فتيل الثورة على الفيس بوك والإنترنت هو خير دليل على أننا – فى ظل هذه المبادرات الخلاقة من شباب مبدع وقادر على استخدام أدوات العصر – نسير بالفعل، وبفضل إسهام هؤلاء الشباب، فى طريق المستقبل.
لن أنسى أن بعض الشباب لم يرق لهم عندما اطلعوا عليه في الأيام الأولى للثورة لكنني على يقين من أن من تبقى من الشباب داخل حومة الوغى ونجا من الإفساد أو الإحباط ويطالع ما كتبت في فبراير ٢٠١١ سيفهم أن تخوفاتي كانت في موضعها .