الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فلول الإخوان لن تنهزم تلقائياً!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من حق الكثيرين من خصوم وأعداء جماعة الإخوان وحلفائهم أن يَسعدوا هذه الأيام وهم يرون أخطاءهم الجسيمة وتخبطَهم فى القرارات والممارسة اليومية، وأن يتم كل هذا دون أن يتجشم أحد عناء نصب الأفخاخ لهم ودون أن يتكلَّف أحد أموالاً على خطط وعلى جيش من المنفذين يعرقلونهم أو يسيئون إلى سمعتهم، بل لقد قاموا هم بأنفسهم بكل ما من شأنه أن يُكبِّدهم خسائرَ سياسية فادحة، مما أدى إلى نفور الناس منهم، إلى حد أن فرصة عودتهم للحكم برضا الجماهير، فى انتخابات ديمقراطية بالمعايير الدولية، باتت من الأمور المستحيلة خلال المدى المنظور والمستقبل المحسوب.
أول نتيجة تتضح من الممارسة الفعلية، وبعيداً عن التعاطف مع أو ضد الإخوان، هى أن مستوى الفكر السياسى والتمكن من المهارات السياسية العملية الضرورية هى أمور شديدة التواضع لدى قياداتهم وكوادرهم، بما يلزم معه إعادة تفسير كيف حصلوا على قدر من الشعبية طوال تاريخهم، والتسليم بأن هذا لم يكن بفضل مهاراتهم المزعومة فى جذب الناس، وإنما كان، بالدرجة الاولى، نتيجة لحماقة الدولة ومعارضيهم، ولبؤس الواقع وانتشار الجهل والفقر. وقد اتضح هذا جلياً طوال العام الأسود الذى حكموا فيه البلاد، فقد بدأوا مدعومين بثقة أكثر من نصف الناخبين، وفق البيانات الرسمية، مع تأييد كتلة كبيرة من معارضى مبارك وممن شاركوا فى ثورة يناير، ثم كانت المفاجأة فى فشلهم التاريخى فى الحفاظ على هذه القاعدة العريضة التى كانت تؤيد بدايتهم، بل وإهمال الفئات الشعبية البسيطة التى كانوا يتحركون وسطها ويكسبون تأييدهم الانتخابى، وهكذا لم يدعوا خياراً أمام مجموعات كبيرة وقطاعات عريضة إلا أن تعلن معارضتهم، ثم دفعوهم دفعاً إلى العمل علناً لإسقاطهم!
هم يقولون إنها مؤامرة كونية من أعداء الإسلام ومن الدولة العميقة.. إلخ، وهذا دليل إضافى على ضعف الفكر والمهارات السياسية!
المعضلة التى تجعل سياسة الإخوان صعبة الفهم والتحليل، تتجسد فى استحالة التوفيق بين التناقضات التى يأتونها كل يوم على مستوى الأفكار التى يطرحونها وعلى صعيد ممارستهم على الأرض! فمن الصعب تصور أن يكونوا عاجزين عن استنتاج حقيقة أنهم خسروا أغلبية من كانوا يؤيدونهم، وأن ثقة الجماهير بات من الصعب استعادتها فى خلال سنوات قليلة، كما أن أدنى خبرة سياسية، وأقل مستوى من الوعى السليم، يقول إن الأساليب التى يعتمدونها تؤدى بهم إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن كل ما يطمح أى سياسى فى تحقيقه، وأوله ثقة الجماهير التى بدونها لن يتحقق فوز فى الاستفتاءات والانتخابات المختلفة. كما أن أخطاءهم صارت أصعب من أن تُحصَى، على الأقل فى مثل العدوان المسلح على الجيش والشرطة، الذى يروح ضحيته أعداد من خيرة أبناء الشعب فى عموم البلاد، وأيضاً فى زرع المتفجرات لتصيب عابرى السبيل من المدنيين، واعتماد التظاهرات التخريبية فى الجامعات، والإساءة غير المسبوقة لمديرى الجامعات والعمداء والأساتذة، والاعتداء على الطلبة، والعمل على تعطيل الدراسة! وكل هذا من التصرفات الممجوجة التى تلقى استياء عاماً من عموم المواطنين.
ومن البديهيات أن السياسى يُحسَب عليه فعلُه، كما يُحسب عليه أيضاً موقفه من أفعال الآخرين، بتأييده أو برفضه، أو حتى بصمته. فإين موقفهم من جرائم سيناء التى وصلت إلى حدود من العنف لم تعهده مصر عبر تاريخها الممتد، من إرهابيين يتسلحون بعتاد الجيوش، إلى حد القدرة على إسقاط طائرة عسكرية بقذائف متطورة، وإلى حد إحراق مدرعات بصواريخ، وإلى حد امتلاك أسلحة يُمكنها أن تدمر منشآت عن آخرها فى بضع ثوانٍ.. إلخ، ولأن بعض الأصوات الخافتة من الإخوان تدعى براءتهم من كل هذا، فما هو موقفهم العلنى الصريح؟
بل على العكس، انزلق أحد قياداتهم وأعلن، دون اضطرار ودون أن يورطه أحد، أن ما يحدث فى سيناء سوف يتوقف فى ثانية إذا أعاد السيسى مرسى إلى الحكم! وعند الجد، فى التحقيقات أمام النيابة والقضاء، لم يجد صعوبة فى اعتماد أقرب وسائلهم التى يتدربون عليها من الصغر، ويكثرون من العمل بها مع الكبر، وهى الكذب، فكذب القائد الهمام وادعى أنه لم يقل شيئاً من هذا، وإنما هى من ألاعيب الفوتوشوب!
ولا تنتظر إلا خسائر سياسية فادحة لصاحب هذا الكلام وللجماعة التى يمثلها، عندما يكون الكذب بهذا السفور وعلى هذا المدى من الانتشار وفى مسألة كان شهودها جموع مواطنين بلد بكامله!
ومن أكاذيبهم أن الإعلام هو الذى يخلق المشاكل! وكأنه إذا انفجرت قنابل الإرهاب وتوقف الإعلام عن النشر، فلن يكون هناك مشكلة! وهذا أيضاً من الكلام الخالى من المسئولية الذى لا يدين العمليات الإرهابية التى يذيعها الإعلام وإنما يدين الإعلام!
ومن صعوبات فهمهم أيضاً، أن إرهابهم تجاوز أن يكون مجرد عمليات استثنائية تقطع سياق الحياة الآمنة المستقرة، بل لقد صار وارد الحدوث كل يوم فى كل مكان ومن الممكن أن يؤذى أى أحد! مما يطرح أسئلة عديدة، مثل: ما هى الفائدة التى سوف تعود عليهم من هذا؟ ألا يدركون أنه يؤدى إلى تحول جذرى ضدهم فى الرأى العام؟ وإذا كانوا لا يكترثون بأن يخسروا الشعب الذى يسعون إلى حكمه، فمَن يهمهم كسب ثقته ورضاه؟!
هذه الأخطاء، وغيرها كثير، تؤدى حتماً إلى دمار أى جماعة أو حزب يقترفها وهو يُصرّ على صحتها، ولكن يبقى وسط هذا الدمار بعض البشر ممن ينتمون إلى هذا التنظيم، وهى نقطة مهمة تستحق الوقوف أمامها، فإن الموقف الرسمى المعلن من الدولة، وهو نفس موقف الأحزاب والفئات الفاعلة، أنه ليس هنالك محاكمة وجزاء إلا ضد من يُتهَم باقتراف العنف أو يُحرِّض على استخدامه أو يعمل على نشر خطاب الكراهية، بما يعنى ضمان الحرية لكل من عدا ذلك!
وهذا يعنى أن أصحاب هذه الأفكار الهدامة سوف يبقون معنا، كما أن هذه الأفكار ستظل إلى أجل لا يعلم أحد متى ينتهى، بل ربما لا تختفى أبداً ما دام هنالك هذا الانقسام حول مسائل تظل خلافية بطبيعتها.
على الأقل ينبغى التعامل مع هذه الأفكار من منابعها ومع إمكانيات تسريبها لدى الناشئة، لتقليل فرص الانجذاب لها بقدر الإمكان.
وأما أكثر ما يعزز احتمال بقاء هذه الأفكار وحامليها، فهو أننا حتى الآن لم نتصد كما ينبغى، وبالحسم الكافى، مع دعاة العنف ومقترفيه ومروجى خطاب الكراهية، كما أننا لا نفند بكفاءة الحجج التى يقومون عليها!
وللأسف، فإن البعض يبدو عليهم أنهم مؤمنون بأن ما تحقق كافٍ، وكأن ما تبقى سوف يضمحل بعوامل القصور الذاتى!