الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

لماذا انحاز الإعلام الأمريكى للإخوان ضد ثورة 30 يونيه؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يخفى على أى مراقب منصف، رؤية انحياز الإعلام الأمريكى فى تياره الرئيسى للإخوان المسلمين ضد ثورة 30 يونيه، ولكن ما لاحظته فى مصر هو إرجاع هذا الانحياز فقط لموقف الإدارة الأمريكية الحالية من الثورة، فى الواقع إن الأسباب أوسع وأعقد من ذلك بكثير، فما هى هذه الأسباب؟:
أول هذه الأسباب ترجع لسيطرة اليسار الأمريكى بدرجة كبيرة على وسائل الإعلام، وعلى الجامعات، وموقف اليسار الغربى من الإسلام السياسى يختلف كليا عن موقف اليسار المصرى والعربى من هذا التيار، ورغم أن اليسار بحكم تعريفه يساراً، وأن الإسلام السياسى هو أقصى اليمين فإن مساحة كبيرة مشتركة بينهم فى رؤيتهم للغرب وعدائهم له، ومن هنا جاء تعاطفاً وانحيازاً، ولدى بعض متطرفى اليسار فى الغرب تحالفًا مع الإسلام السياسى فى مواجهة الغرب، وقد شاهدنا الكثير من أقطاب اليسار الأوروبى والأمريكى يخرجون فى مسيرات المنظمات الإسلامية فى الغرب، أو يكتبون المقالات دفاعا عنهم، بل إن بعضهم تورط فى مساندة عمليات إرهابية قام بها متطرفون إسلاميون.
ثانى هذه الأسباب تعود إلى عشرات الملايين التى أنفقنها جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيم الدولى للإخوان على شركات العلاقات العامة، وجماعات الضغط الأمريكية، من أجل تحسين صورة الإخوان على مدار العام الماضي، وكذلك مؤخراً لتوصيف ما حدث على أنه انقلاب على رئيس منتخب، وعلى ديموقراطية ناشئة جاءت بعد عقود من الحكم العسكري، إن شركات العلاقات العامة المحترفة المؤجرة هى على اتصال خلال الساعة بوسائل الإعلام لترويج فكرة الانقلاب، ولا تستهينوا بمهارة وتأثير وحرفية هذه الشركات فى مطاردة أهدافها، والإلحاح عليهم بكل الطرق بشراء هذه الفكرة، خاصة أن الكثير من هذه الأفكار تتسرب بنعومة وحرفية للصحفيين والإعلاميين على جلسات العشاء فى المطاعم الفاخرة مع شباب أنيق وسيدات جميلات.
ثالث هذه الأسباب يعود إلى قناة الجزيرة المعادية للثورة المصرية، حيث أن هذه القناة، والتى أصبحت شبكة كبيرة لديها عقود تبادل للأخبار مع محطات أمريكية واسعة الانتشار مثل سى إن إن ، و ام اس ان بى سي وغيرها، وهذه العقود مستمرة منذ سنوات، وبدواعى الثقة تأخذ القنوات الأمريكية الصور وبعض الأخبار من شبكة الجزيرة، دون أن تدرى أن بعضها مزور تماما، لأنها لا تتخيل أن تقوم شبكة كبيرة كالجزيرة بتزوير صور وأخبار لصالح حلفائها الإخوان، خاصة أن الجزيرة لها قناة بالإنجليزية أكثر توازناً، من مثيلتها العربية، وكوادر تتعامل على مدار الساعة مع الشبكات العالمية، كما أن قطر اشترت منذ شهور قناة أمريكية خاصة من آل جور المرشح السابق للرئاسة.
رابع هذه الأسباب يعود إلى أن هناك دولا بوسائل إعلامها وصحفييها تقف مع الإخوان، لأنها محكومة من نفس الفصيل، مثل تركيا وتونس، مع انحياز أيضا للإخوان من قبل النظام الأصولى فى باكستان، أن أكثر الدول الإسلامية التى تتواجد بها حركات للإسلام السياسى مؤثرة وكبيرة أو حاكمة، تساند الإخوان ضد الثورة، خاصة إذا علمنا كذلك أن أعضاء التنظيم الدولي للإخوان يتحركون بهستيريا فى محاولة لتقليص خسائر ما حدث إلى أقل درجة، وهؤلاء لا يخاطبون تنظيم الإسلام السياسى ويحشدونه فى كل مكان فقط، ولكنهم يخاطبون وسائل الإعلام العالمية أيضا بكل الطرق من أجل الانتصار للإخوان وتصوير ما حدث على أنه إنقلاب، خذ على سبيل المثال توكل كرمان اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل تتكلم بعصبية وعداء شديدين للثورة المصرية وهى فى حالة نشاط دائم لترويجها على أنها انقلاب.
خامس هذه الأسباب تعود إلى التداخل الناعم بين بعض المؤسسات الأمريكية الهامة، وبعض رجال الصحافة والإعلام، ففي كثير من الأحيان ترغب الإدارة أو أجهزة الدولة الأمنية والسياسية فى تسريب رأيها لصحفى معين أو لصحيفة معينة من خلال جلسات العشاء أو فى المكاتب خلال احتساء القهوة. الصحفى يجد نفسه أمام سبق صحفى مسرب خصيصا له أو لصحيفته، وهذا إغراء لا يقدر على رفضه، فينشره فى خبر لو كان صحفي أخبار أو من خلال عموده لو كان كاتب عمود، وفى نفس الوقت يكون المسئول قد سرب ما يريد ايصاله والمسموح بنقله لوسائل الإعلام من الملفات السرية، وحيث أن إدارة أوباما منحازة للإخوان، فإن كثيراً من الأخبار التى تدعم وجهة نظرها قد تم تسريبها للصحافة وهى بدورها نقلت هذا الانحياز.
سادس هذه الأسباب تعود إلى تقديس الثقافة السياسية الأمريكية لمبدأ الانتخابات وبنفس القدر نفورها من حكم العسكر الذى يأتى من خلال الإطاحة بنظام منتخب، طبعا هم غير مدركين لطبيعة النظام الإخوانى الذى لم يترك طريقا للمصريين لتغييره سوى الثورة وبمساندة الجيش، والذى لا يعنيه موت كل المصريين من أجل بقائه فى الحكم، فالإخوان يأخذون بمقولة ضحى بالأم والجنين من أجل نجاح العملية، والأم هنا هى الدولة المصرية والجنين هو الشعب أما نجاح العملية فهو مبدأ التمكين وحلم الخلافة الوهمى.
وأخيراً علينا ألا ننسى عشرات الباحثين المصريين والعرب والأمريكيين الذين عملوا فى مشروع مشاركة الإسلاميين فى الحكم بتمويل سخى قطرى وأمريكى، وهؤلاء مازالت أجندتهم ومصالحهم هى مع عودة الإخوان للحكم، ولهذا يغذون وسائل الإعلام الأمريكية بمعلومات وتحليلات مشوشة عن الديموقراطية والليبرالية تصب فى النهاية لصالح الإخوان.
ولكن يبقى السؤال: هل وسائل الإعلام الأمريكية بهذه الهشاشة؟ وهل هى منحازة أم تقف على مسافة واحدة من جميع الاحداث الداخلية والخارجية؟.
والإجابة فى تقديرى أن وسائل الإعلام الأمريكية ليست هشة بل هى تتميز بقدر كبير من الموضوعية والدقة والتوازن والتنوع والمهنية العالية، ولكنها فى نفس الوقت عرضة للتأثر فى سوق رأسمالى منفتح، وأيضا لا تجد عيبا فى الانحياز ولا تجده ينتقص من مهنيتها، وتفرق بين الموضوعية والانحياز، نعم هى موضوعية، ونعم أيضا هى منحازة، ولنضرب مثلا بسيطاً لتفسير هذا الذى يراه البعض متناقضا، ففى السباق الرئاسى الأخير بين أوباما ورومنى انحازت النيويورك تايمز لأوباما بشكل سافر، عندما أعلنت فى افتتاحيتها أن جميع المحررين اجتمعوا وناقشوا ميزات وعيوب كل مرشح واتفقوا على إعلان تأييدهم لأوباما، ولكن الموضوعية جعلتها تنشر وجهات النظر المختلفة لكلا المرشحين وتقبل إعلانات الترويج من كلا المرشحين، هذا هو الفرق بين الموضوعية والانحياز فى الصحافة الأمريكية التجارية الخاصة، أما وسائل الإعلام الأمريكية العامة مثل راديو وتليفزيون إن بى آر فإنها تتعامل بمنتهى الاستقلالية وعدم الانحياز، وأداء مذيعيها يدرس فى التعامل بحيادية، وحتى وجوه مذيعيها يدرس فى التعامل بوجه جامد وبدون مشاعر مع كافة الأخبار.
هناك مثل روسى يقول: الموضوعية أن تعلن انحيازك من البداية، فهم يرون أن الكل منحاز وأن الانحياز هو الوضع الطبيعى فى الحياة، ولكن المدرسة الأمريكية فى الإعلام التجارى فصلت بين الموضوعية والانحياز وعلمت صحفييها إمكانية الجمع بين الموضوعية والانحياز.
نعم الإعلام الأمريكى منحاز للإخوان للأسباب التى ذكرتها ولكن به من الموضوعية والمهنية ما يجعل التواصل معه ممكنا ومثمرا، فلا تتركوا الملعب للإخوان وتنظيمهم الدولى وحلفائهم الأشرار.