الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فيلم "الناصر صلاح الدين" مليء بالأكاذيب.. المؤرخون: الفيلم استهدف تمجيد القومية العربية ونشر أفكار "عبد الناصر".. الأيوبي لم يقابل ريتشارد.. وعيسى العوام من خيال المؤلف

فيلم  الناصر صلاح
فيلم " الناصر صلاح الدين "ملئ بالاكاذيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رغم ما يحتله فيلم "الناصر صلاح الدين" من مكانة في عقل وقلب المشاهد العربى والمصرى، إلا أنه يظل حلقة في دائرة تزييف التاريخ والذي تقوم به الدراما، إذ أن حقيقة شخصية صلاح الدين وأبعادها ومحيطها التاريخي بحسب ما أقر به المؤرخون القدامى والمحدثون والمعاصرون تختلف تماما عما جاء في الفيلم، حتى أن المؤرخين المعاصرين ليتحدون في رأيهم أن الفيلم كان مجرد وجهة نظر سياسية لتمجيد الرئيس عبد الناصر ونشر فكرة القومية العربية والتي لم تكن سائدة أيام القائد صلاح الدين الأيوبي.


في هذا الشأن يقول د. أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة: إنه لا مانع من أن تقوم الدراما بإمكاناتها وقدراتها الفنية بتجسيد الشخصيات التاريخية، لكن بشرطين أن يعالج المؤلف والمخرج الشخصية وأبعادها بشكل قريب من الواقع وليس بالضرورة أن يكون مطابقا له، وأن يرجعا إلى المختصين في التاريخ لمراجعة العمل الدرامي قبل عرضه، أو قبل تصويره، ولكن ما يحدث هو الابتعاد عن المراجعة التاريخية والهروب منها ربما للاستعجال على عرض الفيلم أو لشيئ في نفس يعقوب.


وأوضح "فؤاد" أنه فيما يخص الأحداث التاريخية فلا بد أن تكون متطابقة وليست قريبة، لأن الحدث مسجل وثابت لا يمكن أن يتغير مثل موقعة حطين لا يمكن أن نغير اسمها أو تفاصيلها أو المنتصر فيها أو أطراف الصراع فيها لأن هذا هو التاريخ، أما ما تستطيع الدراما تغييره فهي الأحداث الثانوية أو الشخصيات الثانوية.

وأضاف أستاذ التاريخ الإسلامي أن فيلم صلاح الدين لم يكن مطابقا للحقيقة أو واقع ما حدث على الإطلاق فمن شاهدناه في الفيلم كانت شخصية "أحمد مظهر" الذي كان فارسا في الجيش قبل التمثيل، لكن لم نشاهد صلاح الدين الأيوبي، لأن الشخصية لها محددات ومعالم تاريخية لم تظهر.


وأشار الأستاذ بجامعة القاهر أن الفيلم كذب علينا وعلى الجمهور فنجد ضمن أحداث الفيلم أن صلاح الدين قابل ريتشارد قلب الأسد وهو ما لم يحدث في الحقيقة وهذا لا يمكن اختلاقه لأنه يمثل صلب الحدث التاريخي، كان هناك فئتين متحاربتين فكيف أقول أنهما تقابلا دون أن يحدث هذا، إضافة إلى أن الفيلم كان فيه إسقاط واضح جدا على قضية القومية العربية والعروبة وكأن المقصود من الفيلم إبراز شخصية الرئيس "عبد الناصر" وليس صلاح الدين، إضافة إلى تصوير صلاح الدين في الفيلم على أنه منقذ العرب والعروبة وهو ما كان يريده "عبد الناصر" فلم يكن صلاح الدين عربيا من الأساس بل كان كردي الأصل.


أما د. "محمد عفيفي" رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة فقد استنكر ما تقوم السينما أو الدراما المصرية بنوعيها فيما يخص معالجة التاريخ بأحداثه وشخصياته، قائلا: ليس عندنا عمل نستطيع أن نطلق عليه وصف عمل تاريخي، لأن العمل التاريخي له مواصفات وأبعاد ولابد أن يخضع للفحص والمراجعة من قبل لجنة من المتخصصين ثم يلتزم المؤلف والمخرج بما توصي به اللجنة وليس الموضوع خيال في خيال.

وأكد أستاذ التاريخ أن فيلم الناصر صلاح الدين كانت له أبعاد سياسية أكثر منها تاريخية وهذا ملحوظ جدا وربما غفل عنه المشاهد البسيط الذي يريد الاستمتاع بالفيلم فقط والتسلية دون الوقوف على مفردات الفيلم من حيث ألفاظه وفكرته والأحداث التي ذكرت فيه والشخصيات التي ابتكرها خيال المؤلف.


وأضاف "عفيفي" أن شخصية مثل "عيسى العوام" جاءت لتكون مسيحية لإبراز الجانب القومي العربي وليس الطائفية الدينية التي كان يريد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الخروج من دائرتها إلى دائرة أوسع تعلي من زعامته الشخصية، إضافة إلى أنه في التاريخ خيوط كان من الممكن أن ينسجها المؤلف لتوصيل الحقيقة والتشويق في الوقت نفسه، مثل اعتماد صلاح الدين الأيوبي بشكل كبير على أخيه الكامل وأبنائه في مساعدته في حكم البلاد والأقاليم التي يسيطر عليها بعد الانتصار على الصليبيين، بينما لم يعتمد على أبنائه هو شخصيا لأنهم كانوا ضعاف الشخصية لا يصلحون للقيادة، وهذا ملمح جيد كان يمكن العمل عليه وتوظيفه لكن خرج فيلم "الناصر" لكي يتكلم عما كان شائعا وقتها من النظرة السياسية البحتة، فكان ربما نقول مجاملة أو توظيفا لمبادئ الدولة المصرية في تلك الفترة.


وأيد د. " أشرف مؤنس"أستاذ التاريخ وعضو الجمعية المصرية للتاريخ وعضو اتحاد المؤرخين العرب كلام سابقه قائلا: الدراما المصرية بشكلها وما يحدث فيها الآن ومنذ فترة لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر للتاريخ أو رصد الأحداث أو حياة الشخصيات التاريخية، لما يقع فيها من تشويه وتدخل سافر من قبل السينارست بغرض التشويق وما يسمونه الحبكة الدرامية مما يخرج التاريخ أحيانا عن مساره والمطلوب منه في رصد أحداث بعينها أو الوقوف على ملامح شخصيات محددة.

وبين المؤرخ المصري أن ما حدث في فيلم الناصر صلاح الدين "جريمة" وتزيف واضح للتاريخ، لأن الفيلم أطلق على صلاح الدين الأيوبي وصف سلطان المسلمين وليته كان، لكن الواقع أنه كان حاكما على مصر والشام فقط وهذه الأوصاف أو المصطلحات لا تطلق جزافا لكن بسند ودليل، تماما مثل الخطأ الفادح الذي نرتكبه عندما نقول الإمبراطورية العثمانية، إذ لم يثبت أن أطلق على أحد حكامها لقب إمبراطور، فلم نسمع مثلا يطلق لقب " الإمبراطور العثماني عبد الحميد الثاني".

وأضاف "مؤنس" أن شخصيات الفيلم مبالغ فيها وليست كلها مطابقة للواقع وربما هذا مسموح به في إطار الخيال والحبكة خصوصا إذا كانت شخصيات ثانوية لم يذكرها التاريخ.