رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الموقف المتهاون مع حُكّام قطر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما هو المنطق الذى يجعل مصر الرسمية تتنازل طواعية، وبلا مقابل، عن حقوقها الأصيلة التى ينتهكها حكام دولة قطر علناً كل يوم خارقين القانون الدولى وهم يدهسون ميثاق الجامعة العربية؟ ولا مجال لذكر أنهم يتعارضون مع كل ما يتلقنه الناشئة عن أواصر القومية العربية التى تربط الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وعن الجذور التاريخية التى تجمعهم كلهم، وعن وحدة المصير، كما أنه ليس هناك ما يدعو إلى التذكير بمواقف وتفاصيل كثيرة عن دور مصر قبل مرحلة الثراء من البترول.
لم يدع حكام قطر سلاحاً ضد مصر إلا واستخدموه بلا تردد، وإذا لم يجدوا الأسباب فلا حياء من الفبركة والكذب والتدليس، دون اهتمام بإحكام الحبكة، وكأنهم يتعمدون إعلان استمرار موقفهم العدوانى الغامض!
وقناة الجزيرة ليست سوى الجزء الظاهر المفضوح من سياستهم، وقد شهد عدد ممن عملوا فيها كيف تصدر الأوامر للمذيعين والمخرجين وبقية الفنيين بالقيام بالفبركة العمدية لما يقال إنها تغطيات خبرية وتقارير معلومات لما يجرى فى مصر، كما قام عدد من خبراء الإعلام المحايدون برصد بعض هذه الأخطاء المهنية الجسيمة، فى دراسات موضوعية علمية صرف لا تضع فى الاعتبار المغزى السياسى الذى تنطوى عليه هذه الأخطاء ولا تأثيرها على جمهور المشاهدين.
آخر هذه الأكاذيب شديدة الفجاجة ما عرضوه على أنه عدوان سافر من قوات الجيش على سكان الشريط الحدودى مع غزة، وإخلاء المنطقة بالقوة، وصراخ الأطفال وعويل النساء وصور لجرحى قيل إنهم يقاومون محاولة الجيش طردهم بالقوة، ثم اتضح بعد ذلك أنها لقطات من أحداث أخرى من خارج مصر! بل إن الحقيقة المنتشرة التى لم يطعن فيها أحد من سكان الشريط أو من خارجه، هى أن الإخلاء تم بالتراضى بين القوات المسلحة ومحافظة شمال سيناء والسكان، وبعد صرف التعويضات التى وافق عليها الجميع.
وكانت لوثة التزوير الإعلامى القطرية بلغت أقصاها عقب نجاح الشعب المصرى فى الإطاحة بحكم الإخوان، ثم فى اعتصام رابعة، ثم فى فض الاعتصام، عندما انحازت القناة مئة بالمئة إلى الإخوان، حتى قبل اكتمال الحدث، دون احترام لقواعد الإعلام، ودون مبرر سياسى واضح، وأصرّت على مدار اليوم، طوال هذه الأحداث، على نشر تلفيقات من الصور واللقطات قيل إنها مجازر قوات الأمن المصرية ضد العزل الآمنين من الإخوان، وكل هذا مصحوب بتعليقات تحريضية ضد ما يُصرّون على أنه انقلاب ضد الشرعية، مع تجاهل تام للمظاهرات بالملايين التى خرجت واحتلت جميع ميادين مصر رافضة المغادرة قبل أن يتدخل الجيش ويعزل ممثل الإخوان فى القصر الرئاسى، بل إذاعة لقطات من هذه المظاهرات المعارضة والتدليس بأنها من مؤيدى الإخوان!
وقد تخطت هذه السياسة الكذب بوسائل الإعلام إلى التدخل السافر المباشر، باحتضان قادة الإخوان الهاربين من العدالة وإعطائهم ملاذاً ينطلقون منه فى جرائمهم ضد مصر، تحت عنوان اللجوء السياسى، بل ومنح بعضهم الجنسية القطرية، والتكفل بالصرف على آخرين منهم فى دول أخرى، ثم التصعيد بدعم العمليات الإرهابية بالأموال وبالسلاح، فيما يمسّ الأمن المصرى مباشرة! ثم نقلت وكالات الأنباء من ليبيا، منذ أيام قليلة، معلومات خطيرة عن دعم الطائرات العسكرية القطرية للإرهابيين هناك الذين باتوا يشكلون خطراً على حدود مصر الغربية وعلى الرعايا المصريين فى ليبيا.
ما يقوم به حكام قطر هو حرب حقيقية ضد مصر، ولن يُفهَم الصمت المصرى الرسمى بأنه تَرَفُّع عن الصغائر، وإنما قد يُشجِّع أطرافاً محتملة أن تظهر هى أيضاً العداوة وتتجاوز على طريقتها، ما دام أن التطاول على مصر بات عملية آمنة!
وهناك مفارقة واضحة يترتب عليها إحباط شديد فى الرأى العام المصرى، طرفاها أن الإعلام المصرى، سواء المملوك للدولة أو الخاص، لا يتوانى عن كشف جرائم حكام قطر، بما يكفى بإقناع الجماهير العريضة بهذه الجرائم، وبما يعبئ المشاعر ويجعلها تتوقع أن تكون هناك خطوة فعلية رسمية ضد هؤلاء المتطاولين بالاعتداءات التى ليس لها ما يبررها، ولكن هذه الخطوة لم تأت حتى الآن، ولا يبدو أنها مُدرَجة فى القريب.
ليست هذه دعوة لشن حرب ضد قطر، وإنما للبدء باتخاذ إجراءات يتضح فيها الرفض والاستنكار الرسمى بأوضح صورة، وهذا هو الحد الأدنى الذى يرد الاعتبار للرأى العام المصرى، وقد تكون البداية بشكاوى إلى مجلس التعاون الخليجى أو إلى الجامعة العربية، وليس من المتوقع أن يجدى هذا شيئاً، ولكنه يعفى مصر من اللوم إذا هى صعّدت إجراءاتها بأكثر من هذا، لأنه لم يعد مستساغاً أن يُترَك حكام قطر يهنأون بالاطمئنان إلى استقرار أحوالهم على ما يحبون فى وقت يستمرون فيه فى هذه الاعتداءات، مع مراعاة ضرورة أن يتبين فى الموقف المصرى، فى كل الأحوال، أنها تضع فارقاً واضحاً بين حكام قطر المقترفين لهذه الجرائم ضد مصر، وبين الشعب القطرى الشقيق الذى ينبغى أن يُرَحب به دائماً على أرض مصر.
ومن غرائب حكام قطر أنهم يسجنون الشعراء القطريين لأكثر من 10 أعوام على قصائد هى فى الحد الأقصى تنطوى على مجرد آراء وأفكار نظرية معارِضة لحكمهم، ولكنهم يعيبون على مصر أنها تحاكم قادة الإخوان بالقانون بعد أن توفرت أدلة وشهود على اقترافهم جرائم مثل القتل والتخابر مع دول أجنبية وزرع إرهابيين فى أرض البلاد، وأن التهم موجهة من النائب العام، مع الحرص على أن يجرى كل هذا أمام القاضى الطبيعى فى محاكمات علنية يتابعها العالم كله، مع توفير كافة الضمانات الدولية للمحاكمات العادلة!
إن الحكومة المصرية مطالَبة أمام شعبها بالتقدم ببيان يفسر موقفها من حكام قطر، ويبرر لماذا هى حتى الآن لم تتخذ موقفاً مُرْضياً لشعبها، ويعلن على الملأ سياستها المستقبلية فى هذا الموضوع.