الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"من أموالنا.. بايد عمالنا"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحركت "المعدية" من غرب القناة بمدينة الإسماعيلية إلى شرقها.. كنا وفدا من "تحالف العدالة الاجتماعية" في زيارة لموقع العمل في قناة السويس الجديدة، انتقلنا من بين أشجار وخضرة مدينة الإسماعيلية إلى محيط من الرمال يملأ كل مساحة الرؤية. لا يحرك سكون الصحراء سوى رؤية سيارات عملاقة ومعدات تظهر وتختفي من بعيد .
على شاطئ محيط الرمال توقف الأوتوبيس دقائق حتى أرشده مرافق من هيئة قناة السويس دخل الأوتوبيس بنا في ممر ضيق يصل بين الطريق والموقع.. الممر ممهد بشكل يدفع للسؤال "همه لحقوا يسفلتوا الطريق ده امتى؟!".
تحيط بنا وتظهر في الأفق البعيد تلال الرمال العالية. الجميع صامت، ربما كان البعض يستعيد ذكرى تأميم قناة السويس عام 1956، أو ذكرى من ماتوا وهم يحفرونها في 1859 أو لحظة رفع العلم على ضفتها الشرقية في 73 ربما كان الصمت مملوء بالأسئلة وبالأمل وبالترقب .
دون أن انطق قلت: "مستحيل إنها مغامرة " قلتها وأنا أطالع المركبات البعيدة التي تتحرك ثم تختفي بين التلال لتظهر غيرها وتختفي، وأنا أسير على الأرض الصعبة التي تعلن أنها عصية على الترويض . 
استقبلنا "العميد أركان حرب طارق حافظ "من الإدراة الهندسية بالقوات المسلحة وقبل أن يشرح المشروع ويجيب عن الأسئلة طلب أن نقف دقيقة حداد على أرواح شهداء مصر .
بقوة من يقف في أرض المعركة وبين جنوده قال: "إننا نقف الآن على قطعة ارض من أغلى أراضي بلادنا، لأنها مروية بدماء أولادها وجنودها، فنحن وفي كل مراحل الحفر نعثر على رفات شهداء، تؤكد رفاتهم أن ثمن الأرض هو أعمارهم ودماؤهم".
وكانت المعلومة التي قدمها العميد طارق حافظ بمثابة التأكيد على أن الشعب المصري قادر على تحقيق المستحيل وهي أن بعض الأعمال في المشروع قد تم الانتهاء منها قبل الموعد المحدد بشهرين، وفي كلمته كان حريصا على التأكيد أن المشروع بكامله مشروع مصري يتم تنفيذه بأموال مصرية وأياد مصرية فالعمالة في المشروع والشركات العاملة به تحت إشراف الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة وهيئة قناة السويس مصرية مئة بالمائة .
كان واضحا عزم وقوة شباب العاملين في المشروع والجنود من ضباط ومجندين الذين رأيناهم، ورأينا الثبات والهدوء والثقة على وجوههم فتبدد إحساسي بالمستحيل وحل محله إحساس بالثقة في أننا نستطيع، فقد كان من المستحيل أن نبني السد العالي والأهرامات والحضارة العريقة التي بناها مهندسو مصر الذين لهم منزلة ومكانة في التاريخ المعماري الإنساني.
ولا بد من ذكر أن الموقع معد إعدادا علميا وإنسانيا حيث تم تزويده بكل الاحتياجات من أماكن للمبيت وللأكل ووسائل الاتصال بالعالم الخارجي تميزه نظافة ملحوظة، وتوجد به عربات الإسعاف للطوارئ، ويقيم به أطباء وبعد عام سنقف على ضفاف شريان جديد يمتد من قلب مصر ليغذي العالم بدفقة حياة لا تتوقف.. شعرت وأنا في الموقع أنني في أجمل مكان في الدنيا وأنني وسط تلاله الرملية أقف في الجنة.