الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معادلة الأمن والسياسة بعد 30 يونيو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ 11 سبتمبر عام 2001 وبدء الحرب العالمية على الإرهاب وحتى الآن، وبدء الحملة الدولية على إرهاب "داعش"، من خلال التحالف الدولى الذى شكلته الولايات المتحدة الأمريكية، ونحن مازلنا نردد ونكرر- ولن نمل هذا الترديد وذلك التكرار- أن الاقتصار فى معالجة الإرهاب على الجانب الأمنى والعسكرى لن يفلح فى اجتثاث الإرهاب، وأن المعالجة الشاملة للإرهاب تقتضى إعادة النظر فى السياسات المتبعة تجاه قضايا المنطقة وضرورة حل ومعالجة القضايا الأساسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية ونبذ المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين من قبل النظام الدولى.
ويكتسب هذا النقد للمعالجة الأمنية الدولية للإرهاب مصداقية متزايدة، حيث تكشف الشواهد والمؤشرات عن انتشار وشيوع الإرهاب وإعادة إنتاج العنف والإرهاب والتطرف، على نطاق ربما أوسع من ذى قبل، وذى طبيعة أكثر خطورة مما سبق.
فى ظل نظام مبارك كان كل النقد الذى وجهته المعارضة للنظام يتعلق بطبيعته الأمنية والتسلطية، وتحميل الأجهزة الأمنية عبء معالجة قضايا ذات أفق وطبيعة سياسية، فبدلًا من الاستجابة لمطالب الشعب والمعارضة من قبل النظام فى الإصلاح التدريجى لهياكل الممارسة السياسية وطبيعتها واعتماد نهج التعددية والنزاهة والشفافية، ركز النظام قواه وأجهزته الأمنية عن طريق استخدام القمع والعنف واحتواء هذه المطالب ومصادرتها، وهكذا اختلت المعادلة بين الأمن والسياسة على النحو الذى رأينا وأفضت إلى الثورة على النظام.
يصح هذا النقد المتعلق باختلال معادلة الأمن والسياسة بدرجة أو بأخرى على الحالة المصرية بعد 30 يونيو عام 2013، وعزل وإسقاط نظام الإخوان؛ فرغم الإجماع غير المسبوق حول إسقاط نظام الإخوان وبناء دولة مدنية ديمقراطية من قبل غالبية فئات الشعب، إلا أن المكون الأمنى قد فاق فى حضوره المكون السياسى، ومن الممكن تفهم أسباب ذلك، حيث واجهت مصر وتواجه حتى الآن موجة عنف وإرهاب طالت الجيش والشرطة والمواطنين والمؤسسات العامة والخاصة، ومع ذلك فإن العقل الأمنى وحده ليس كافيًا للتعامل مع معطيات هذه الفترة، ذلك أن العقل الأمنى بطبيعته يقصر نشاطه وفاعليته على ذلك الجانب الذى يتعلق بالعنف وتهديد النظام العام والاستقرار، ولكنه يقصر عن الإحاطة بمختلف جوانب الواقع.
 من ناحية أخرى، فإن العقل الأمنى بطبيعة تكوينه وصلاحياته التى تخوله استخدام العنف الشرعى، الذى هو حق الدولة حصريًا دون غيرها من الجماعات، معنى أكثر بالتعامل مع العنف ومواجهته بنفس الأسلوب، والحال أن المشكلات التي واجهها نظام ما بعد 30 يونيو لا تقتصر على العنف والتطرف الذى يصدر عن فئة محددة من مؤيدى الإخوان والإخوان أنفسهم، فثمة كتلة كبيرة تتطلع إلى حضور السياسة فى المجال العام إلى جانب الأمن، وهو ما يعنى احترام حق التعبير السلمى عن الرأى، واستمرار الحوار بين النظام وبين القوى والأحزاب السياسية وتبنى الشفافية والتشاور لبلورة حلول سياسية ومجتمعية متكاملة لتحقيق أهداف 30 يونيو.
كانت الجامعات المصرية هى المسرح الذى ظهرت فيه مبكرًا آثار هذا الاختلال بين الأمن والسياسة، والحضور المفرط للأمن والغياب الكامل للسياسة، وذلك نظرًا لطبيعة المرحلة العمرية التى ينخرط فيها شباب الجامعات فهم فى مرحلة "القتال" وفق لغة الديموجرافيا أى النشاط والحيوية والتطلع إلى المشاركة وممارسة حق التعبير ونشدان المثل الأعلى.
ذلك أن المنظور الأمنى لاستقرار العملية التعليمية والمعرفية فى الجامعات أفضى أولًا إلى اختزال الأنشطة الجامعية فى وجه واحد فقط ألا وهو المتعلق بالعنف والتخريب الذى تمارسه قلة من طلاب الجامعات من الإخوان ومؤيديهم، وذلك مقارنة بالكتلة الكبيرة من الطلاب التى تتطلع إلى ممارسة حق التعبير السلمى عن الرأى والمشاركة فى الشأن العام بطريقة سلمية، أما ثانيًا وهو الأهم فقد أفضى المنظور الأمنى لاستقرار الجامعات إلى مصادرة تاريخ الحركة الطلابية المصرية ودورها عبر مختلف العهود فى تصحيح السياسات وترديد مقولات كان الطلاب يسخرون منها فى كل الأوقات والقيام بإجراءات وإن كان بعضها ضروريًا، إلا أن محصلتها العامة ساهمت فى زيادة سخط الطلاب واتساع فجوة الثقة بينهم وبين السلطة التنفيذية.
بالإضافة إلى ذلك فإن حضور المنظور الأمنى وأولويته على المنظور السياسى كان من نتائجه أن انخرط عدد كبير من المسئولين فى الجامعات والتعليم العالى فى إطار نمط التفكير الأمنى، وانحصرت ابتكاراتهم وأفكارهم فى كيفيات وأساليب معالجة الأمن وفق إجراءات وترتيبات ذات أفق أمنى، وغابت السياسة والحوار الذى ينبغى أن يبدأ بين أعضاء هيئة التدريس وإدارة الجماعات والطلاب بالذات تلك الكتلة الكبيرة منهم التى تطالب بحقوقها فى التعبير السلمى والمشاركة السلمية والنقد البنَّاء بعيدًا عن التخريب المتعمد للمنشآت والنوايا المبيتة لوقف العملية التعليمية وإرباك النظام والدولة وهى الأهداف التى تضمرها قلة قليلة من طلاب الإخوان.
خطة الإخوان تستند على الارتكاز على الجامعات والمناخ الأمنى السائد لاستقطاب شرائح جديدة من مؤيدى 30 يونيو باتت قاب قوسين أو أدنى من المعارضة ما لم يتدارك حلف 30 يونيو أخطاءه، ويدرك أن غياب السياسة يفاقم الأمن، وأن حضورها من شأنه تقليص هامش الإرهاب والتطرف.