الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

هشام النجار لـ"البوابة نيوز": موجات التكفير تزحف على مصر وقيادات الإخوان يتشابهون مع داعش في "التفخيخ والتفجير".. بيعة البغدادي أميرًا للمؤمنين باطلة وأشبه ببيعة القرضاوي لأردوغان

هشام النجار الكاتب
هشام النجار الكاتب والباحث في شئون الحركات الإسلامية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
-أرض الحركة الإسلامية في مصر والعالم العربي خصبة لانتشار ونمو نبتة التكفير الخبيثة
-إذا اجتمعت تيارات الإسلاميين معًا فلا صوت يعلو على صوت التطرف
مستقبل الجماعة الإسلامية يتوقف على قبولها لإجراء مراجعات فكرية والتصالح مع مؤسسات الدولة
-حرب التحالف على داعش لها أهداف موضوعة مسبقًا لتغيير الخريطة الجغرافية للمنطقة




ظل هشام النجار الكاتب والباحث في شئون الحركات الإسلامية، مناصرًا لما يسمى بمبادرة وقف العنف، وبقي مدافعًا عن المنهج الوسطي الذي يتبناه ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الإسلامية بقلمه، حتى قامت ثورة 25 يناير، وانقلبت الجماعة على قادتها الحقيقيين، وأنشأوا ما يسمى بحزب البناء والتنمية، الذي كان النجار أحد مؤسسيه، وقادته، ومع تعاظم الأخطاء، ومع العودة للممارسات القديمة للعنف الممنهج، عاد هشام إلى سيرته الأولى، يدفع باتجاه مجابهة العنف، ووضع روشتة للعلاج، لكنهم اضطروه بعدها للاستقالة، ليؤلف كتابًا عن داعش، هو وشيخه ناجح إبراهيم، نشرته دار الشروق، ويتعرض بعدها لهجوم شديد من قبل الإخوان وحلفائها، وكان لـ"البوابة نيوز" معه هذا الحوار، حيث أكد خلاله أن موجات التكفير تزحف إلى مصر، وأن بعض قيادات الإخوان والجماعات الإسلامية على المستوى السياسي يتشابهون مع قيادات داعش على مستوى التفخيخ والتفجير والذبح وتفكيك مزيد من الجيوش العربية، ومحو المزيد من حدود الدولة الوطنية.



والى نص الحوار،،،،،

س: لماذا كتبتما أنت وناجح إبراهيم كتابًا عن داعش هذه الأيام؟
- لعدة أسباب أهمها: زحف موجات الانبهار بداعش وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق لدرجة أننا وجدنا من يبايع البغدادى في إندونيسيا في زيارتنا الأخيرة لها، ولكن الأخطر انتشار هذا الانبهار والانشداد للفكرة في صفوف شباب بل وقيادات الحركة الإسلامية في مصر على خلفية الفشل والعجز في ايجاد تسوية سياسية سلمية للأزمة بين الحركة بقيادة الإخوان والسلطة الحالية اثر إسقاط حكم الدكتور مرسي وما تبعه من أحداث ابتداءً من 30 يونيو 2013م إلى اليوم. 
وهذا له مدلولات خطيرة بل وكارثية بأن ينحصر الاهتمام والتعويل من قبل الاسلاميين التقليديين على انتصارات التكفيريين وتوسعهم بحيث من الممكن أن تتم الاستعانة بهم وربما انتظارهم فعليًا لكى يحلوا أزمة الاسلاميين مع السلطة الحالية بطريقتهم الهمجية والدموية واستهداف بنية الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية، وهذا لمسته من كتابات وتدوينات كثير من الاسلاميين – ومنهم قيادات بارزة في تنظيمات إسلامية كبيرة -، خاصة أن أرض الحركة الإسلامية في مصر والعالم العربى اليوم خصبة لانتشار ونمو نبتة التكفير الخبيثة لعدة اعتبارات منها حالة الإحباط العامة وفشل القيادات وضحالة الإنجازات في المسار السلمي وتواضع نتائج التجربة الحزبية الإسلامية، وبسبب تصعيد لهجة الخطاب من قبل القيادات الإسلامية واستخدام المصطلحات والأبعاد الدينية والطائفية وتحويل الصراع لصراع ديني وصراع على الهوية وإخراجه من دائرة التنافس السياسي أو الصراع على السلطة، وكذلك بسبب عدم إجراء الحركة الإسلامية مراجعات جدية وشاملة وضامنة لعدم انحراف الشباب للفكر التكفيرى والتنظيمات المسلحة التكفيرية في مراحل الصراع السياسي. 
وبخلاف تجربة الجماعة الإسلامية التي أثرت فيها بشكل واضح الانقسامات التي حدثت بالجماعة والضربة التي وجهت لفكر المبادرة والمراجعات الشاملة الإستراتيجية منذ الانقلاب على قيادة الجماعة التي كان يمثلها الشيخ كرم زهدي والدكتور ناجح إبراهيم مهندسا المبادرة، ما عدا ذلك فواقع الحركة الإسلامية يفتقد للضمانات الفكرية الحقيقية الواقية من الانجرار نحو التكفير، وأيضًا هناك سبب مهم متعلق ببنية التحالف الذي حدث بين الإسلاميين بعد عزل مرسي وهو مزيج يصعب جدًا التفاهم بين مكوناته ولو جلس قيادى جهادي مع سلفى جهادي مع جماعة إسلامية مع إخوان فمن الصعب التفاهم على رؤية موضوعية موحدة للحل نظرًا لاختلاف الأفكار والتوجهات، ولو استمروا في المناقشة لعشرات السنين، فكان البديل هو المزايدات بالمواقف المتطرفة وعلو الصوت والحماسة الملتهبة من هذا التيار وذاك ومن هذا القيادى وذاك وصولًا لما نقرأه ونشاهده اليوم مما وصلوا إليه من ذروة المواقف والتصريحات وأكثرها حدة وانفصالية عن الدولة الوطنية والذهاب بعيدًا نحو تحالفات خارجية مهووسة في مواجهة الدولة ومؤسساتها. 

س: البعض من الإخوان والجماعة الإسلامية، يتهمكم أن الكتاب للمكسب التجاري لأن الموضوع مطلوب؟
- النوايا لا يعلمها أحد الا الله، وعلى العموم فلو كانت هذه هي أغراضنا من الكتابة والعمل لخدمة دين الله وقضايا الأمة لكنا حققنا الثراء منذ سنين طويلة مضت، ولو تفرغ البعض لاتهام كل من كتب وألف كتابًا سواء في القديم والحديث مثل تلك الاتهامات لما سلم منهم جميع كتاب ومبدعي ومفكري الأمة – ومنهم كتاب الحركة الإسلامية ذاتها -، فليتركوا الأمر لله وليدعوا الناس وشأنهم والقلوب لا يعلم ما فيها إلا الله، وليصبوا هم اهتمامهم على ما ورد في الكتاب من أفكار وقضايا وليردوا على الفكرة بفكرة، لو كانت لديهم وجهات نظر ورؤى مناهضة. 

س: ماذا أردتما أن تقولا من خلال الكتاب؟
-جاء الكتاب في هذا التوقيت بالذات لصد زحف موجات التكفير العاتية التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق في البيئة المصرية، ولإيقاظ وعي شباب الحركة الإسلامية ونفض حالة الانبهار بتنظيم داعش ؛ بتناول حقيقة فكره ومنطلقاته وخلفياته واستشراف مستقبل وجوده في المنطقة وما يمكن أن تجره سياساته ومغامراته التوسعية غير المحسوبة على الأمة الإسلامية، وأردنا أن نقول للشباب الذي ذهب لداعش أو من انبهر بهم وأيد فكرتهم أو تعاطف معهم لسبب أو لآخر، إن القضية العادلة لا تنتصر بالباطل وأن النموذج الإسلامي الذي يصمد وينتصر هو الذي يرتبط حقًا وتطبيقًا وفعليًا بشرع الله وثوابته ومبادئه العليا، وليس بنموذج مهترئ يعتمد على المظاهر والشعارات والجزئيات وبعض المقاتلين والأسلحة، فالدولة التي تصمد هي الدولة الحضارية ذات الخبرات والتاريخ والامتداد والتجارب الممتدة في جميع المجالات والتي هي نتيجة تراكم خبرات وتكامل وتعايش مع الماضي والحاضر وهى دولة التعددية والتنوع والحريات والقيم الدستورية العليا، وقد تقصينا في الكتاب جميع أو معظم الرؤى الفكرية والحضارية والشرعية المتعلقة بالقضية فضلًا عن الرؤى السياسية والإستراتيجية.



س: ألا ترى أن هناك من التيارات الإسلامية من تحول لمناصرة داعش، رغم أنه يقول إننى ضد العنف؟
- هذا خطير بالفعل وعجيب أيضًا فكيف نفهم التناقض بين رفع شعارات " لا للتكفير والتفجير " وأنت تتعاطف وتناصر تنظيمًا تكفيريًا بل من أشد وأعتى الأنظمة التكفيرية في المنطقة. 
والمنطقي أن تتأسى هذه الجماعات التقليدية بمنهج النبى صلى الله عليه وسلم في القيادة باستيعاب الأزمات وحسم الأمور وتداركها بسرعة قبل أن تتدهور وتتفاقم وتتعقد المشاكل، لكنها على ما يبدو بعد ما راهنت على رهانات خاطئة في الفترة الماضية وخسرت رهاناتها وهى التي حذرنا منها مسبقًا في مناسبات كثيرة دون فائدة، تأتى وتراهن على رهان في منتهي الخطورة بل أعتبره لو تم نهاية بائسة للحركة الإسلامية عندما يتمكن منها الفكر التكفيري وتقدمه كنموذج وتترقب مجيئه لينجح فيما فشلت فيه أو على الأقل ليشفي صدرها وغليلها في انهاك خصومها السياسيين، وبذلك – لو حدث ما نخشاه – فالحركة الإسلامية لا تتراجع للوراء خطوات وتراجع الأخطاء وتصوب المسيرة وتجدد الوجوه والدماء والأفكار والرؤى وتطور الخطاب والسياسات، إنما تتقدم للأمام بسرعة جنونية على غير هدى من فشل إلى فشل أكبر ومن خطأ إلى خطيئة، وصولًا للانزواء والغياب عن المشهد، وهذا ما لا نتمناه لها، وحرصنا منذ البداية على ألا تصل الحركة لمثل هذا المصير، وكتابنا هذا نعتبره إضافة أخرى واسهام آخر من إسهامات نصائحنا المتكررة منذ بداية الأزمة لتدارك الأمور ومنع وقوع الكوارث واستشراف المستقبل وتحري مصلحة الوطن ومصالح جميع مكوناته بما فيها الحركة الإسلامية.. ولكن من يسمع ويعي !

س: كيف ترى تحولات الجماعة الإسلامية، والإخوان بعد 30 يونيو؟
- التحول الأهم هو البعد عن الحلول الوطنية ؛ فقد لاحظنا أنه قبل الثورة كان الحرص على عدم الذهاب بعيدًا عن الحلول الوطنية وتصفية الخلافات بين الفرقاء داخل النسيج الوطنى سواء ما حدث بين الإخوان والسلطة منذ رفض الشيخ البنا مقابلة سفير انجلترا وإصراره على حل الأزمة بالرغم من كل شيء مع السلطة حتى لو بالذهاب إلى رموزها والتحاور معهم والالحاح عليهم والتذلل لهم ألا يمضوا في قرار حل الجماعة، مرورًا بالأزمة مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ثم الرئيس السادات وأخيرًا مبارك. 
وأعتبر ما قامت به الجماعة مؤخرًا من التوجه للخارج يمينًا ويسارًا وشرقًا وغربًا بحثًا عن أي حليف من أجل التعاون معه للإضرار بالسلطة في مصر وإعاقة تحركها من أفدح وأخطر تحولات الجماعة على طول تاريخها، وسيترك تأثيره السيئ في علاقتها مع كل أطياف المشهد المصري بل ومع عموم المصريين لعقود مقبلة.
وكذلك الأمر بالنسبة للجماعة الإسلامية التي آثرت الاعتماد في الفترة الحالية على قيادات العولمة الجهادية – إن صح التعبير – أمثال رفاعي طه والاسلامبولي.. الخ بدلًا من قيادات الحلول الوطنية المتوازنة وعلى رأسهم القيادات الذين دشنوا مبادرة الصلح مع الدولة، وهي المبادرة التي كانت أول أهدافها ومن أهم ما ورد في فلسفتها أنها لإنقاذ الوطن والحفاظ على تماسكه ووحدته في مواجهة التحديات والمؤامرات الخارجية. 
وهنا يظهر التحول الكارثي بوضوح والذي كان له أبلغ الأثر على أداء وتأثير الحركة الإسلامية في الداخل وهو اعتمادها على ضغوط وتحالفات الخارج وهى التي تخضع في معظمها لمصالح الدول وفق المنظومة الدولية وتوجهات ومصالح القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ولتعقيدات وتحديات الصراعات الاقليمية، التي حولت الحركة الإسلامية بجميع مكوناتها مؤخرًا إلى مجرد أدوات وأوراق موظفة في الصراع، بعد أن كان من الممكن أن تكون فاعلًا ولاعبًا مؤثرًا له أدواره ومكانته لو سارت في طريق الاندماج والعطاء المجتمعي والحضاري والسياسي والثقافي بتؤدة وتدرج ورشد. 

س: لماذا اخترت الكتابة والتأليف، وتركت مناصبك داخل البناء والتنمية ؟
- الحمد لله لم أترك الكتابة يومًا حتى وأنا أشتغل بالسياسة والعمل الحزبى، فهى ولعي وعشقى الأول والأخير وسأظل وفيًا لها حتى الممات إن شاء الله، فأنا أشعر بوجودي وأعبر عن ذاتي وأفكاري ورؤاي وأتواصل مع الوجود حولي والناس بالكتابة سواء التحليل السياسي أو الأطروحات الفكرية أو الكتابة الإبداعية والنقدية.
لكن بعد ما حدث من مفارقة للعمل الحزبي قبل أكثر من عام بعد تجربتي في عضوية المكتب الإعلامي لحزب البناء والتنمية وما حدث من خلافات بيني وبين قيادات الجماعة والحزب بسبب اختلاف وجهات النظر وعدم الاستجابة لنصائحي ورفض مبادرتي للصلح في أغسطس 2013 ، فإننى هنا لا أترك السياسة والعمل الحزبى لأعود للكتابة، لكننى هنا أستمر في الكتابة التي لم أتركها يومًا، وما حدث فقط أنه طرأ على مشوار حياتى طارئ لم أنسجم تمامًا خلاله مع من انضممت إليهم ولم تتوافق أفكارنا بشأن كيفية مواجهة الأزمات والتعامل معها، وأحمد الله فأنا راضٍ عن نفسي وعن أدائي سواء الإعلامي أو السياسي أو الفكري، وأعتبر إعلان استقالتي من الحزب عملًا ايجابيًا وشجاعًا تشهد له الأحداث والكوارث اللاحقة التي عملت جاهدًا ونصحت لتداركها وتجنبها.
أما الكتابة والتأليف فهي اهتمامي الأساسي والأصيل، وربما أتاح لي التفرغ مساحات من الوقت للاسهام بصورة أكبر وأعمق، وها أنا بعد المقالات والأبحاث والدراسات أبدأ في إصدار الكتب، وبفضل الله سأنتهى قريبًا من كتابين آخرين سيمثلان إضافة كبيرة ومهمة لحركة الوعي الفكري والثقافي بإذن الله، وأعدكم في هذا الميدان بالمزيد والمفيد النافع باذن الله. 

س: هل ترى أنك استنفدت كل طاقتك في النصح للتيار الإسلامي؟
- لا بالطبع، والا لما استمررت في الكتابة في هذه الموضوعات، بل أعتبرها مسئولية ودورًا مطالبًا به، وسيظل الأمل لدينا قائمًا في تمكين الفكر الصحيح المنتج الإيجابي من عقول شبابنا وأجيالنا المقبلة، بل وحتى لو لم تستمع القيادات الحالية لنا، وحتى لو أدار غالبية الاسلاميين اليوم لنا ظهورهم ورفضوا أطروحاتنا، فإننا سنظل نكتب ونتكلم عسى أن يسمع ويعي شباب أريد له أن يقود حركة احياء وتحول في مسيرة الأمة، في مسار أكثر انضباطًا واتزانًا وأعمق في الرؤى والتفكير وأكثر دقة في وضع الخطط الإستراتيجية طويلة المدى، وأكثر قابلية للتفاعل مع المنهج الذي نتبناه وندشنه في كتبنا القادمة إن شاء الله وهو منهج التكاملية والتعايش والاندماج والعطاء الايجابى البصير الممتد، بديلًا عن منهج المفاصلة والصدام والخصومات والانعزالية.

س: ما هو مستقبل المراجعات الفكرية؟
- مستقبل المراجعات الفكرية يتوقف على عدة عوامل: أولها الصدق مع النفس وعدم التمادى في خداع الذات والاعتماد على المواصلة بالتخفف من تحمل المسئوليات ومواجهة الواقع وتحدياته بالذهاب إلى أقصى اليمين وتحميل القضايا أكثر مما تحتمل من إسقاطات أيديولوجية أو عقائدية أو طائفية لتغطية الفشل السياسي. 
وأيضًا يتوقف على مدى قابلية الحركة الإسلامية ورموزها وقادتها الحاليين للتصالح والاعتراف بفضل وإنجازات واسهامات رموزها المحالين للتقاعد – إن صح التعبير - والخارجين من مشهدها، وخاصة في الإخوان أمثال محمد حبيب ومختار نوح، وفى الجماعة الإسلامية وخاصة الدكتور ناجح إبراهيم والشيخ كرم زهدى وغيرهم، فإسهاماتهم ثرية ومهمة، وتجاربهم لا تستغني عنها الحركة الإسلامية، إن كانت حقًا تبحث عن حلول جذرية ودائمة لمشاكلها وأزماتها، وليست مجرد تكتيكات ومناورات وحلولًا هامشية، لا تمس عصب القضية فكريًا وإستراتيجيًا، وأهمية هذا الأمر تتمثل في أن هذا الإنتاج موجود وقائم بالفعل ومقروء بأسماء هؤلاء الرموز الذين استغنت الحركة الإسلامية عن خدماتهم، وجاهز للاستفادة منه، وينتظر فقط المصالحة معه والنظر اليه بما يستحق من تقدير وتفاعل.
أيضًا يتوقف مستقبل المراجعات على مدى مصداقية الحركة في السير في إجراء المزيد منها والبناء على ما مضى على ضوء مستجدات المرحلة وتفاعلًا مع تحدياتها الخطيرة، أما إذا اقتصر الأمر على بعض الإصلاحات الهامشية والرتوش غير المؤثرة وعدم معالجة الملفات الكبيرة التي تتركز في تصحيح مسار الرؤية وفض الاشتباك بين السياسي والدينى ومعالجة ملف الخصومة الثأرية بين الاسلاميين والتيارات السياسية والفكرية وعلى رأسها الناصريون من جهة ومع الدولة ومؤسساتها وبخاصة العسكرية والأمنية من جهة أخرى، وكذلك تأصيل مفهوم المشروع الإسلامي وهل هو مشروع خاص بالحركة الإسلامية وحدها أم هو مشروع الأمة بكل مكوناتها وفصائلها وطوائفها حتى المسيحيين وغير المسلمين بالبعد الحضاري والقيمي للمشروع الإسلامي، وما هي الإضافات التي من الممكن أن يسهم بها الإسلاميون في الواقع التشريعي والدستوري، وهل ما جاءوا لأجله هو نفي ومحو ما هو قائم من تجارب واسهامات سابقة ومنع التعاون مع الأفكار والعقول من خارج الحركة الإسلامية، أم أنهم يحملون مشروعًا دستوريًا وتشريعيًا تكامليًا إصلاحيًا ترميميًا، من الممكن أن يتعايش وينمو مع البيئة المحيطة المعاصرة، وكذلك مراجعة المسار بشمولية والعودة للنهج التكاملي الاصلاحي المساهم سواء في الدعوة بألا تطرح الحركة نفسها كبديل للمؤسسة الدينية الرسمية إنما مساهم ومشارك، وكذلك في النشاط التربوي والتعليمي والثقافي والمجتمعي الخيري وفى الواقع السياسي. 
وجميع هذه الملفات نناقشها باستفاضة وشرح وتحليل في كتابنا الثالث الذي نأمل إصداره قريبًا إن شاء الله. 



س: وكيف ترى مستقبل الجماعة؟
- مستقبل الجماعة يتوقف على المراجعات، فإن عادت خطوات إلى الخلف واعتبرت أن ما حدث ما هو إلا جولة في تنافس سياسي ومراجعة الأخطاء والبدء من جديد بأفكار وأطروحات وخطاب مختلف ومتطور وبمواقف أكثر نضجًا ورشدًا وبرموز وقيادات أكثر حيوية ومرونة واحترافية، وإلا فهى تسير على غير هدى ولا رؤى بعيدة المدى، من فشل إلى فشل ومن أزمة إلى أزمة أعقد وأكثر خطورة ، نحو مزيد من التدهور وجني الخسائر. 

س: هل داعش موجودة في مصر؟
- الفكرة موجودة ومنتشرة نوعًا ما في أوساط شباب متحمس جدًا وغير محصن بالثقافة الإسلامية العميقة التي تقيه وتحميه من تلك الملوثات الفكرية، وكثير من الشباب انتقل من انتظار الجديد من قيادات الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى على المستوى السياسي إلى انتظار الجديد والاقتناع بفكر قيادات داعش على مستوى التفخيخ والتفجير والذبح وتفكيك مزيد من الجيوش العربية ومحو المزيد من حدود الدولة الوطنية، ظنًا منهم أنها في صالح الإسلام وإعادة للأمة الموحدة، وما هي في الواقع إلا تنفيذ محكم وكارثى لمخطط التقسيم الذي صار أقرب للتحقق في محيط تركيا وسوريا والعراق بإنشاء دويلات على أسس عرقية ومذهبية من أكراد وشيعة وسنة وعلويين، بديلًا عن الدول الوطنية المتماسكة، على أسس التعددية والتنوع الحضاري والثقافى والمحمية بجيوش وطنية ذات عقيدة دفاعية جامعة، والتي كانت محضنًا لقوة الإسلام وضمانًا لصموده واستمرار تأثيره في المشهدين السياسي والحضاري.
إذن الأفكار موجودة والانبهار حاضر، لكن ليس هناك تواجد على مستوى التنظيم لاعتبارات كثيرة ولأسباب عدة أولها أن مصر مازالت متماسكة ولا تزال الدولة المركزية فيها قوية وقائمة ومسيطرة ويمتد نفوذها وتطال يدها الأطراف والحدود وتتحكم فيها وتدافع عنها، على عكس ليبيا التي انهارت الدولة المركزية فيها بمجرد إسقاط القذافى الذي كان يمثل الدولة وتتركز جميع مؤسساتها في شخصه، وأيضًا على عكس العراق التي عمد الغزو الأمريكى لتفتيت بنيتها وتفكيك مؤسساتها وجيشها وإضعاف سلطة الدولة المركزية على كل مناطقها الجغرافية والحدودية.
وأيضًا بسبب مواصلة الدولة تصديها للعناصر والتنظيمات التكفيرية المسلحة في سيناء وتمكنها من توجيه ضربات موجعة لبنية هذه التنظيمات مؤخرًا.

س: كيف ترى مستقبل البغدادي وداعش؟
- داعش ستتوزع عناصرها على دول المنطقة بعد توجيه ضربات قوية للتنظيم في العراق وسوريا وستبقى بلا شك قوات تابعة لداعش في كلا البلدين، لكن داعش تسعى لايجاد من يحتضنها في دول أخرى مثل تركيا وليبيا والسودان ومصر واليمن وربما السعودية أيضًا، لتأمين مستقبل التنظيم وإثبات حضوره عقب انتهاء العمليات أو حتى مع استمراريتها لسنوات قادمة، وذلك يتيح من جهة الاستمرار في سياسة خلخلة بنية الدول والمجتمعات الإسلامية والعربية طمعًا في تحقيق أحلامها الإمبراطورية، ومن جهة أخرى فهو يحقق الغاية والهدف من هذه القضية برمتها من البداية إلى النهاية، فالهدف من خلق داعش ومن ثم مباشرة مواجهتها عسكريًا ليس إنهاءها أو هزيمتها هزيمة نهائية ساحقة إنما هي فقط مواجهة لقصقصة الأجنحة وتقليم الأظافر لتنقشع الحرب عن واقع اقليمي جديد، موزع ومقسم بين الطوائف المنتشرة في المنطقة، ومنها داعش والشيعة والعلويون والأكراد ولتصبح لكل طائفة مناطق نفوذها وسيطرتها، ولتظل المنطقة على صفيح الصراعات المذهبية الساخن بحيث يصبح من السهل إشعال الحرب والصراع في أي وقت ولأتفه الأسباب، وهذا لا يصب إلا في مصلحة الدولة الصهيونية التي ستظل هي الأقوى وسط دويلات مذهبية متناحرة، وأيضًا في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي ستوظف هذه التناقضات والصراعات والحروب لصالحها سواء بالامعان في الاستغلال والسيطرة على ثروات المنطقة وخاصة النفط أو في بيع السلاح الأمريكي الصنع. 

س: هل التحالف الذي تقوده أمريكا سينتصر؟
- لا نرغب بالطبع في انتصار التحالف وكذلك لا نتمنى انتصار داعش فهى حرب ومواجهة فرضت على الأمة دبرتها وخططت لها الولايات المتحدة وتم توظيف التنظيمات التكفيرية فيها للوصول لأغراض وأهداف موضوعة مسبقًا وبعناية، وهى أهداف خاصة بجغرافيا المنطقة وثرواتها ومستقبل النفوذ الغربى فيها.
ولن ينتصر التحالف انتصارًا تامًا ولن تنتصر داعش، وأيضًا لن تنهزم بصورة كاملة إنما سيتم تحجيمها وحصارها في منطقة جغرافية معينة بنفوذها وأسلحتها وعتادها ورجالها، وهذا بالتحديد ما فكر فيه العقل المدبر والمخطط الإستراتيجي وصانع القرار الأمريكى، ابتداءً من تلقي ضربة القاعدة في قلب نيويورك عام 2001م مرورًا بحرب أفغانستان وغزو العراق، انتهاءً اليوم بمواصلة المخطط ومباشرة تنفيذه على الأرض، في مسار إنهاك المنطقة بالصراعات وإضعاف دولها لإحكام الهيمنة والسيطرة عليها. 


س: كيف ترى موضوع الخلافة، وهل تجب بيعة البغدادى؟
- القضية الأساسية تتلخص في حماية الإسلام وثوابته وأصوله ومبادئه العليا من شورى وعدل وحرية وتعددية ومساواة أمام القانون ومسئولية الحاكم ومحاسبته، وبالعودة للخلافة الراشدة – وهى خلافة النبوة – سنجد أن المسلمين وجدوا لحماية هذه الأصول والقيم التي حددها الإسلام لأي نظام حكم تنصيب خليفة راشد تقي ورع شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بالأمانة والاخلاص والصدق والكفاءة والورع، بحيث من المستبعد أن يقوم باستغلال منصبه والسلطات الواسعة التي في يده والتفريط في المسئولية بمحاباة أو تجاوز، ولذلك تركت في يده جميع السلطات التي كانت تابعة له.
وبمرور الزمن قلت التقوى وقل الورع وغلب حب الدنيا والنفوذ والسلطة على الناس، وهذا ذكره الرسول فخير القرون جيله، ومن المستحيل أن تجد شخصًا في الأزمنة المتأخرة بورع وتقوى خلفاء النبوة رضوان الله عليهم، لذلك استحدثت الأمة من النظم والآليات ما يتيح استقلالية السلطات، بحيث تنفصل عن سيطرة الحاكم سلطة القضاء والتشريع التي لم يكن هناك خوف عليها عندما كانت في يد الحاكم الورع التقى - كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى - يولى من يشاء ويعزل من يشاء، فكانت هذه الاستحداثات الدستورية لضمان الحقوق والحريات ولضمان عدم انحراف الحاكم وطغيانه. 
فالنظم الحديثة إذن، بآلياتها وما توفره من ضمانات لاختيار الحاكم بطريقة شفافة ترضاها الأمة، ولمراقبته ومساءلته ومحاسبته أن تجاوز أو أخطأ هي الأقرب لضمان ما أقره الإسلام الحنيف من مبادئ وقيم عليا لنظم الحكم وهى الأكثر التصاقًا بروح الشرع ومقاصده، لمنع الفوضى والتسلط والقهر والطغيان والظلم باسم الدين.
وتبقى الخلافة الراشدة نظام حكم خاص بمرحلة معينة وجد فيها الخليفة الراشد الورع التقى الذي تثق فيه الأمة ثقة عمياء، ولا تحتاج معه لتلك الاستحداثات العصرية لمراقبته أو تقليص سلطاته ومحاسبته وعزله أن تجاوز أو أخطأ. 
وهذا التصور أقرب لمفهوم الحديث صحيح السند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سفينة " خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتى الله ملكه من يشاء "، أما الحديث ضعيف السند الذي يتحدث عن خلافة راشدة ستأتى بعد حكم جبرى، فهذا – بافتراض صحته - أخبار لا يترتب عليه تكليف، فالتكليف هنا يحول الأمر إلى فوضى بعد أن تدعى كل فئة وكل تيار وكل حزب وكل دولة أنها المكلفة بالخلافة وبأحقية القيام بمسئولياتها، وهذا ما حدث عندما تحدث الشيخ القرضاوى عن أردوغان كزعيم اسلامى وأضفى عليه هالة من القداسة، فقد أراد تقديمه كبديل لما تم إعلانه من بيعة للبغدادى في العراق.
وبيعة البغدادى لا تجب وباطلة لأسباب كثيرة، منها أنها غير مجمع عليها من الأمة ولم تتم بحسب آليات الشورى الحديثة ولعدم توفر ضمانات تحقيق مقاصد الشرع وقيم ومبادئ الشريعة العليا في حكمه من إقامة العدل والمساواة والحريات والتعددية واحترام العقائد الأخرى والشورى في ممارسة الحكم.
والشورى في ممارسة الحكم منعدمة تمامًا في خلافة البغدادى – أن جاز تسميتها خلافة – وهذا الاستبداد بالقرار يذهب بالأمة إلى كوارث محققة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمصير أمة كأمة الإسلام، وهذا مشاهد وملموس اليوم من قرارات خوض المواجهة والحروب مع أمريكا وحلفائها الغربيين.