الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الموت يسكن صحراء مصر الغربية.. 8.21 مليون لغم من مخلفات "معركة العلمين" أسفل رمالها.. الاتحاد الأوروبي يعلن مساهمته بـ4.7 مليون يورو لإزالتها.. وخبراء: حساسية الألغام وصلت 100%

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعاد حادث اللغم الذي انفجر في أحد الأطفال أمس الأربعاء في منطقة سيدى برانى قضية الألغام إلى السطح مجددًا، تلك القضية القديمة الجديدة التي تأخذ في مصر حجمًا وبعدًا بالغ الأهمية والخصوصية معًا، خصوصًا في ظل تملص الدول المسئولة عن هذا الوضع المأوساوى وتحديدًا بريطانيا وألمانيا من تحمل مسئولياتها.
المعلومات تقول، إن مصر تعد من أكثر دول العالم تضررًا من الألغام والآثار المترتبة عليها، من خسائر في أرواح الآلاف من المدنيين، وإعاقة تحقيق الاستفادة المثلى من كل الموارد المتاحة في المناطق التي توجد بها.
وتكشف المعلومات، أن هناك ما يربو على 7.22 مليون لغم وأجسام أخرى قابلة للانفجار تم زرعها على الأراضي المصرية إبان الحرب العالمية الثانية، بما يمثل نحو 20% من إجمالي الألغام المزروعة في العالم، ومنها نحو 2.17 مليون بمنطقة العلمين بالصحراء الغربية.. ورغم ضخامة هذا العدد فلا يجب إغفال أن القوات المسلحة المصرية قامت وحدها بتطهير 3 ملايين لغم من مساحة 38730 هكتار في الصحراء الغربية منذ عام 1981 حتى الآن بتكلفة تقدر بنحو 27 مليون دولار.
وتتابع المعلومات: "هذه الكميات الهائلة من الألغام والتي تغطي مساحة نحو 24800 ألف كم، يتطلب الكشف عن مواقعها وإزالتها موارد مالية طائلة، وهي بذلك تمثل أحد أكبر العقبات أمام تحقيق طفرة تنموية في المناطق التي توجد بها سواء من خلال استصلاح الأراضي لأغراض زراعية أو استغلالها لأغراض الجذب السياحي أو استكشاف الثروات المعدنية بها".
وتوكد تقارير، أن تواجد تلك الألغام والأجسام القابلة للانفجار أدى إلى العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لمصر، حيث تسبب وجود الألغام في عدم استفادة مصر على مدى أكثر من 60 عامًا من مناطق واعدة مزروعة بالألغام وتوقف استصلاح نحو مليون فدان صالحة للزراعة وعرقلة تنفيذ العديد من المشروعات القومية منها مشروع منخفض القطارة، وهو مشروع يعادل مشروع السد العالي في أهميته وفوائده.
وتشير، إلى أن المنطقة المزروعة بالألغام وخصوصًا منطقة الساحل الشمالي الغربي تتمتع بثروات بترولية وتعدينية هائلة من البترول والغاز الطبيعي.. وقد أدت مشكلة الألغام إلى مساهمة منطقة الساحل الشمالي الغربي حاليًا بنسبة 14% فقط من الإنتاج الكلي من البترول والغاز الطبيعي في مصر، كما يتوافر بالمنطقة مخزون كبير من المعادن التي يتم استيرادها حاليًا وما يتيحه هذا المخزون من اكتفاء ذاتي وإمكانية التصدير.
ويذكر أن المنطقة التي تتركز بها الألغام، تمثل أحد مراكز الجذب السكاني والخروج من الوادي الضيق وخلق مجتمع تنموي جديد بين الإسكندرية ومطروح، كما تعيق الألغام إمكانية الاستفادة من القدرات السياحية الهائلة المتوفرة بالمنطقة، والتي توفرها المحميات الطبيعية والطبيعة المعتدلة للمناخ، إضافة إلى سياحة الصحاري والواحات.
وتشير الأرقام إلى أنه منذ عام 1982 في نطاق الصحراء الغربية، والتي بلغت 8313 فردًا منهم 696 قتيلًا و7617 "جريح ومصاب" بجانب وجود الكثير من الحالات غير المسجلة، كما بلغت الحوادث المسجلة لانفجار الألغام أكثر من 50 حادثة في المنطقة نفسها، فيكفينا القول إن 22% من ألغام العالم موجودة في مصر، وأن 10% من مساحة مصر مازالت تحت نيران احتلال الألغام.

وبنظرة سريعة إلى الصحراء الشرقية، نجد أن وجود الألغام فيها تسبب في إعاقة العديد من مشروعات التنمية السياحية بشواطئ البحر الأحمر وسيناء وارتفاع تكلفة المشاريع التي تقام بهذه المناطق لارتفاع تكاليف تطهيرها من الألغام، إعاقة عمليات التنمية الصناعية وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة بجانب التكلفة الباهظة لتطهير المناطق المخطط لتنميتها، وإعاقة عمليات التنمية الزراعية في بعض مناطق سهل الطينية وبالوظة وشمال سيناء، إضافة إلى تعطيل عمليات التنقيب عن البترول.
وفي الصحراء الغربية، تم تعطيل زراعة مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة رغم توافر المياه اللازمة لها في مناطق مثل الحمام والعلمين، تعطيل إقامة مشروعات التنمية في الساحل الشمالي وبعض مناطق مرسي مطروح، تعطيل مشروعات منخفض القطارة كأحد المشروعات العملاقة لتوليد الطاقة بسبب الألغام. 
ومن الجانب القانوني، شاركت مصر في كل الأعمال التحضيرية للتفاوض حول اتفاقية أوتاوا وصياغتها خلال عامي 1996 و1997، وذلك عقب فشل الاتفاق على تطوير البروتوكول الثاني الملحق باتفاقية حظر الأسلحة التقليدية CCW، ولكنها آثرت عدم الانضمام إليها نظرًا لما يشوبها من أوجه قصور في معالجة بعض المسائل الجوهرية المرتبطة بموضوع الألغام والتي تعذر الاتفاق بشأنها ومعالجتها خلال عملية التفاوض. وعلي الرغم من رفض مصر الانضمام إلى الاتفاقية إلا أننا نتفق مع الأهداف الإنسانية التي دعت في الأساس لإبرام هذه الاتفاقية.

وفي السياق نفسه، كشف جيمس موران سفير الاتحا الأوربي أثناء وجوده في العلمين منذ بضعة أيام لإحياء ذكرى الحرب عن أن الاتحاد الأوروبي سيقدم مساعدات تبلغ قيمتها أربعة ملايين وسبعمائة ألف يورو للمساهمة في إزالة الألغام من الصحراء الغربية. 
وتعانى مصر من مشكلة الألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات والمنتشرة في مساحات كبيرة في منطقة الساحل الشمالي، فقد خلفت الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين جنوب الساحل الشمالي وحتى حدود مصر الغربية ما يقرب من 17، 5 مليون لغم تحتل مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة. 
وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر حاليًا نحو 21، 8 مليون لغم بعدما كان 23 مليون لغما، وذلك بعد نجاح القوات المسلحة المصرية منذ عام 1995 في إزالة ما يقرب من 1، 2 مليون لغم.
وفي هذا الإطار، رحّب محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، بالمساعدات التي أعلن الاتحاد الأوربي تقديمها لمصر بقيمة 4 ملايين و700 ألف يورو، للمساهمة في إزالة الألغام من الصحراء الغربية، وأشار السادات في بيان له، إلى أن حزبه تبنى منذ تدشينه عام 2009 عدة حملات سياسية، منها حملة لإزالة الألغام في الصحراء الغربية.
وأوضح أن مصر تعاني من مشكلة الألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات والمنتشرة في مساحات كبيرة في منطقة الساحل الشمالي.

هنا يقول اللواء محمد قدري سعيد، الخبير العسكري بمركز الأهرام للدراسات، إن الدخول في عملية نزع الألغام مكلف للغاية، فهذه الألغام موجودة منذ سنوات طويلة، وإخراجها من الأرض عملية مرهقة للغاية، فمنها من يكون على عمق كبير، وهو ما يصعّب من العملية، بل ويجعل منها مستحيلة في بعض الأحيان.
وأضاف قدري، المساحات في مصر كبيرة، والألغام منتشرة بطول هذه المساحة كلها، وهو ما يجعل الحكومة تبتعد عن تلك الفكرة نظرًا للصعوبة العلمية والمسحية والمادية أيضًا.
وأشار قدري إلى أن الحكومة لا تقدم على نزع الألغام من منطقة ما إلا إذا كانت قريبة من منطقة مأهولة بالسكان، أو ستكون مأهولة بالسكان، من خلال خطط الحكومة لإعمار تلك المنطقة مثلًا، أو أنها ستكون منطقة صناعية يغمرها السكان، ولكن بخلاف ذلك لا يوجد أي دافع حكومي لنزع الألغام من قبل الحكومة.
وعن مساعدة الاتحاد الأوروبي للحكومة المصرية في هذا التوقيت قال، ليست هي المرة الأولى التي يقدم فيها الاتحاد الأوروبي المساعدات في هذا الجانب الهام، وتبدأ من نزع الألغام من المناطق القريبة من البحر المتوسط ثم تبدأ بالاتجاه جنوبًا بشكل عمودي على الحدود مع السودان.
وأشار قدري "ساخرًا" إلى أن الحكومة المصرية تقوم بوضع العلامات واللوحات في كل مكان يوجد به الألغام، حرصًا على سلامة المواطنين الذين يمرون من هذه المنطقة، أو موجودين بالقرب من تلك المناطق.

وأكد اللواء زكريا حسين، رئيس هيئة البحوث العسكرية، ومدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق، أن الألغام الموجودة في الصحراء الغربية جراء الحرب العالمية الثانية، مر عليها سنوات طوال، زادت من درجة حساسيتها بشدة، ويمكن أن تصل الآن إلى 100%، وهو ما يعني درجة حساسية عالية جدًا يجعل من الاقتراب من تلك المنطقة بدون معدات عالية الجودة انتحارًا حقيقيًا.
وأضاف حسين، تلك المعدات غير متوفرة إلا في عدد قليل جدًا من الدول العظمى، واستخدام هذه المعدات يحتاج إلى تجهيزات كبيرة، تتطلب قوة اقتصادية كبرى، وهو ما تعجز حكومتنا عن توفيره في الفترة المقبلة، أو حتى بعد سنوات طويلة، فما تواجهه الحكومة من تحديات قادرة على إنهاك كل القوى.
وتابع: عملية النزع لن تتم إلا عن طريق "تكنلوجيا التفجير"، وهو ما يحتاج إلى تأمينات عالية جدًا، خوفًا على حياة المواطنين، كما أنها ستكون على مساحات ضخمة، وهو ما يجعلها مستحيلة في ظل الإمكانيات الحالية.
وعن تبرعات الاتحاد الأوروبي قال: الاتحاد الأوروبي وكل دول العالم، يعلمون تمام العلم أن 4 ملايين و700 ألف يورو، قيمة المساعدات الأوروبية لمصر في هذا الجانب "لا تودي ولا هتجيب"، على حد قوله، مشيرًا إلى أن مصر تحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ لتستطيع نزع الألغام من هذه المنطقة، فهمي مجرد شو إعلامي من قبل الاتحاد الأوروبي، غرضه أن يظهر في عباءة المساعد الذي يشعر بالآخرين، لأن المساعدة الحقيقية تكون بالمعدات، وليست بـ"ملاليم" لن تجدي نفعًا في قضية حيوية مثل هذه.