رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"عربة السيئات" في مترو الأنفاق.. حكايات بنات ونميمة ستات.. خلطة عجيبة من قصص الحب الفاشلة وهموم الحياة اليومية ووصفات الطبيخ وصراخ الباعة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عربة "السيدات" في مترو الأنفاق ليست مجرد جزء من قاطرة تقل الركاب.. بل هي عالم مستقل ومميز له طقوسه وحواديته ولغته، على تباين ألوان الراكبات اجتماعيا وثقافيا، فالكل يقتل الوقت بالنميمة أو تصفح الإنترنت على الهواتف المحمولة أو يقلب بين ألوان البضائع مع الباعة الذين لم تستطع كل حملات شرطة المترو إيقافهم عن الصعود إلى عرباته.. هذا العالم المميز أغرى صحفية شابة بالأهرام هي سارة سيف لإصدار أول مؤلفاتها عنه والذي سمته "وانت راكب المترو".
في جولة تفقدية قامت "البوابة نيوز" بتتبع أحاديث وحكايات البنات والنساء في عربة السيدات بمترو الأنفاق، رحلة دامت لبضع دقائق علمنا منها أسرار المجتمع النسائي، في ظل تضارب الأجواء ما بين صراخ على الأبواب وبين همسات حالمة عبر محادثات هاتفية، وبين عتاب أقارب وسب ولعن رؤساء عمل ومغازلات وحديث لا يمل عن المعيد "المز" وغيرها من أحاديث جانبية شيقة.
في البداية وما إن تزف صفارات الإنذار خبر قدوم مترو الأنفاق والذي ينتظره الجميع بحفاوة غلبت حفاوة انتظار المولود الأول، وما إن يتوقف المترو وتفتح الأبواب تبدأ حالة من الصراخ والتدافع، الأمر لا يسلم من بوكس عابر أو سب بالأم والأب وربما يتطور الأمر لحرب فراولة بين بنات الجنس الناعم اللاتي يتحولن فجأة إلى نمور كاسرة.
وسرعان ما تغلق الأبواب وتثبت كل امرأة في موضعها كرها لا طوعا، حتى ترى نظرات متبادلة من الغضب والاشمئزاز والجزّ على الأنياب، فهذه زاحمت هذه وهذه لمست طرحة هذه وتلك مدانة بخدش روج تلك، ولكن شيئا فشيئا تهدأ الأوضاع وتستقر الأمور وتلتهي كل سيدة في قصتها وحكايتها مع الهاتف أو صديقتها التي ترافقها أو في حديث جانبي مع الأخريات في العربة.
على اليمين مباشرة كانت تقف طالبتان جامعيتان أسهبتا في الحديث عن "المعيد" الذي قلب المحاضرة رأسا على عقب في محاضرة الأمس برائحة برفانه، التي جعلت البنات يبادرن بالسؤال عن نوعه وماركته وتركن المحاضرة بكل ما تحمل من تفاصيل لأهل العلم من "الدحيحة ".
وما إن تنتقل بعينك قليلا إلا وتجد أما مصرية تصرخ في الموبايل وتقول "ورحمة أمى ماهيشوف ضفرها تاني، هو الحافي نسى نفسه دا قعد سنة كاملة واكل شارب نايم عندنا وفي الآخر ياخد دهبها عشان جوازة أخوه، بس لما أشوف وشه "، واستشففت على الفور أن هناك خلافا زوجيا بين ابنة هذه السيدة وبين زوجها المبجل داعين الله أن يرحم هذا الزوج مما سيلحق به من فتك وتقطيع على يد حماته.
في نفس التو واللحظة تجد سيدة تشرح لصديقتها مأساتها في الأمس عندما عادت من العمل ووجدت أطفالها في حفل تنكري مع أدواتها من المكياج بعد أن أقاموا سيركأ قوميا في الشقة المنكوبة التي تنظفها السيدة مرة كل 15 يوما.

طالبات المدارس والمرحلة الإعدادية المتمردات كان لهن حيز كبير وسط الزحام يترنحن يمينا ويسارا وهن يتجاذبن أطراف الحديث عن تزويغة الأمس مع طلاب المرحلة الثانوية، الأمر الذي جعل التعليقات العنيفة تنهال عليهن كما المطر.
وعلى اليسار دارت مناقشة ساخنة بين طالبة وأمها، الطالبة انهمكت في إقناع الوالدة بضرورة أخذ درس خصوصي في مادة الدراسات الاجتماعية، والأم تصرخ دراسات إيه وزفت ايه ما انتِ بتتنيلي تاخدى انجليزي ورياضة، ملوحة بيديها في وجه البنت التي تنظر لها بخوف، "ناكل طوب يعني ومعاليكِ تاخدي دراسات".
الأم العجوز المسنة في الركن البعيد ضاقت من الوقفة والضجيج، فقررت أن تفترش الأرض واصفة بنات العربة اللاتي لم يعزمن عليها بالجلوس "جيل مترباش".
هكذا كان حال الواقفين العابثين، فإذا انتقلت نحو المقاعد ومن هم أوفر حظا ستجد أما ريفية وهذا ما ظهر من خلال ملابسها، كانت تحمل بين أحضانها طفلا ينازع من الألم، وهي تسأل عن مستشفى أبوالريش وعن سعر تذكرة الدخول.
في الوقت نفسه تجد سيدة ذات مظهر أنيق تخرج من حقيبتها قلم روج ومرآة وتصلح من مكياجها.
حاول أن تجاهد وتتوغل في أركان العربة بالتأكيد ستجد نساء يختلفن تماما عنا في اللون والعرق، أخوات سودانيات وجنسيات مختلفة، ننصحك بعدم تتبع الحديث حتى لا تنهمر في الضحك الهيستيري وتلاقي ما يلاقيه القط الخاطف لقطعة اللحم، فتروّ وارجع للخلف.
وهنا تعالي صوت قادم من بعيد أجبر الجميع على الصمت كان يقول " يلا هنا يا جماعة يلا يا استاذة معايا انسيالات معايا خلاخيل معايا معصم معايا شرابات فوال معايا شطة وليمون لحماتك معايا توك وحلقان لاخواتك " ظلت البائعة تردد هذه العبارات مرارا وتكرارا ولا أحد يجيب وكأن على رءوسهم الطير، الأمر الذي أغضب البائعة وجعلها تغادر العربة وهى تتمتم سرا "صباحكم فقرى زى وشكم.".
محطة جديدة وزوار جدد كان من بينهم سيدة ترتدي النقاب ما إن حطت رحلها في العربة إلا وبدأت تذكر الجميع بالله وتردد لهم أذكار الصباح وركوب الدابة، وسط غضب من البعض الذي طالبها بخفض صوتها وترحيب من البعض الآخر الذي أخذ يردد وراءها ما تقول.
وبما أن النساء لا يستعصي عليهن شيء، فهن الفاهمات العارفات المفتيات القاضيات ربات البيوت وسيدات المجتمع وكله كله، تجد بعضهن هناك يتبادلن أطراف الحديث عن السياسة ومستجدات الأحداث، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حين يبدو التضاد والخلاف الفكري بين سيدة إخوانية وأخرى فلولية، الأمر الذي انتهى بمشاجرة من النوع الثقيل تعالت فيها الأصوات فكانت الكلمة الأخيرة للأحذية !، وبالطبع بدأت نساء العربة يشاركن في حفل الضرب الجماعي، كل يدعم فريقه.
أما هنا فبدأت الأجواء ناعمة مع وجود تلك الفتاة الهائمة، وعلي ما يبدو أنها محظوظة بعض الشىء، ولديها وصلة غرامية مع حبيب برع في تثبيتها فجعلها فقط تبتسم حتى استفاقت من حلمها الرومانسي على فجيعة نسيانها محطة النزول.
وهنا كانت محطتنا الأخيرة والتي انتهت في محطة الشهداء وما أدراك ما محطة الشهداء "جنازة في حي شعبي"، صريخ ودموع واصابات وغلق أبواب على الركاب ومحاولات للتحرش والسرقات رغم تدخل رجال الأمن وإشرافهم وحرصهم على تنظيم حركة السير ولكن الأمر أكبر من قدرات الجميع، وهنا لن تملك إلا الضحك بشكل هيستيرى عندما تجد الرجال يأخذون بعضهم البعض بالأحضان بعد النزول من العربة ويهنئون بعضهم البعض على سلامة الوصول، بتهكم وخفة دم مصرية، عندئذ قررنا أن نغادر المكان بسلام على أن نوافيكم برحلة جديدة وعربة جديدة تعرض أحلام ومشاكل الرجال.