الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صهاينة العالم وإسرائيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثمة حقيقة ثانية هي أن جانبًا كبيرًا من الصهاينة ما زالوا خارج إسرائيل. وتثير هذه الحقيقة جدلا لا ينقطع بين صهاينة "الداخل" وصهاينة "الخارج". أما الصهاينة خارج إسرائيل فيحاولون جهدهم إبراز أهمية ما يقومون به كصهاينة من مواقعهم خارج إسرائيل ، ومدى حيوية هذا الدور سواء بالنسبة للصهيونية أو بالنسبة لوجود إسرائيل ذاته ، ومدى ارتباط فعاليتهم بوجودهم فى الخارج ، أما الصهاينة داخل إسرائيل فإن لهم رؤية مختلفة ، إنهم يرون أن جوهر الصهيونية إنما يتمثل فى هجرة اليهود إلى إسرائيل ومن ثم فإن أولئك الذين يحجمون عن الهجرة ، إنما يتنكرون لصهيونيتهم .
ولقد شهد المؤتمر الصهيونى الثامن والعشرون الذى أشرنا إليه والذي انعقد فى القدس فى يناير 1972 واقعة توضح المدى الذى بلغه هذا الخلاف، فلقد تقدم يجيئيل ليكيط زعيم شباب حزب العمل الإسرائيلى باقتراح مؤداه أننا نريد أن نفرض على كل صهيونى واجب الهجرة إلى إسرائيل. فليتوقفوا عن الحديث عن الهجرة وليهاجروا فعلا وفى طليعتهم الزعماء ليكونوا قدوة حية للشباب اليهودى . إننا نقترح عقوبات أيضا : الزعيم الصهيونى الذى لا يهاجر إلى إسرائيل خلال أربع سنوات من انتخابه لا ينتخب مرة أخرى لأى منصب صهيونى. ولقد أثار هذا الاقتراح الذى باركته الأوساط الصهيونية الإسرائيلية ردة فعل عنيفة لدى ممثلى المنظمات الصهيونية التى تعمل فى الخارج ، وخاصة المنظمات الصهيونية الأمريكية الممثلة فى المؤتمر حتى إن رئيسة منظمة هداسا النسائية وهى إحدى المنظمات الصهيونية الرئيسية فى الولايات المتحدة قد أعلنت أن منظمتها قد تضطر للانسحاب إذا ما جرت محاولة لوضع مثل هذا الاقتراح موضع التنفيذ الفعلى.
إسرائيل إذن لا تضم كل صهاينة العالم . وثمة صهاينة يهود يتعصبون لصهيونيتهم كأشد ما يكون التعصب، ورغم ذلك فإنهم يمانعون فى الهجرة إلى إسرائيل كأشد ما تكون الممانعة . ترى علام تدل هذه الحقائق التى تتفق تماما مع ما ينبئنا به المنهج العلمى؟ إنها لتؤكد أن الصهيونية تيار فكرى سياسى . وما دام الفكر، أيا كان نوعه ، ومهما كان تقديرنا لتأثيره ، لا يعدو أن يكون نتاجا للظروف الاجتماعية المادية، فإنه بذلك لايمكن له وحده أن يحدد سلوك الأفراد، وبذلك فـإن الفكر الصهيونى - رغم شراسة الدعاية له - لم يكن ليقنع أتباعه مهما غلوا فى تعصبهم له بالهجرة من بلاد الرخاء إلى إسرائيل .
وإذا كان صحيحا أن الجنسية الإسرائيلية لا تغطى صهاينة العالم جميعا . فإنه لصحيح كذلك أن ثمة يهودا يحملون الجنسية الإسرائيلية ورغم ذلك فإنهم يختلفون مع الفكر الصهيونى من منطلقات متباينة ، وبدرجات متفاوتة . وقد يبدو ذلك غريبا من وجهة النظر المثالية غير العلمية ، ولكن يكفي أن نشير علي سبيل المثال لا الحصر إلي "جماعة الناطوراه كارتا " وهى جماعة صغيرة الحجم من اليهود الفلسطينيين الذين ظلوا فى فلسطين منذ الزمن القديم ، وهذه الجماعة ترفض الصهيونية من منطلق دينى يهودى ولا تعترف بدولة إسرائيل ، وتعتبرها ثمرة "الغطرسة الآثمة" وأنها قامت على يد نفر من الكافرين الذين خرقوا مشيئة الله بعملهم وتدخلوا فى صنعه بدلا من انتظار الماشيح الموعود . فالماشيح المنتظر - فى رأى هذه الجماعة - هو وحده القادر على إقامة الدولة حيث تكون "مملكة للكهنة والقديسين" ولكن اللادينيين أقدموا على اغتصاب مهمته والتبكير بها . ولقد سارع أعضاء هذه الجماعة غداة قيام الدولة الصهيونية عام 1948 إلى إبلاغ الأمم المتحدة برأيهم فى ضرورة تدويل القدس . وما زالت هذه الجماعة تقطن بأكملها فى حي" ميئا شعاريم " بالقدس .