الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الضحك والهدوء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مثلي الآن يقترب أكثر من الله ويعترف بقضائه ويسلم له أموره كلها أكثر من غيره، مثلي ليس لديه مستقبل لكنه يعيش في الماضي إذا عاش، لكن رغم ذلك فأجد نفسي كثيرا غارقا في اكتئاب، أجل، أسباب كثيرة قد يستوعبها الشباب ويردون عليها باستياء وسخرية وينتهي الأمر وينشغلوا بغيرها.. لكن مثلي رأى في حياته أشياء جميلة، رأي بلادا تحتل فيها الخضرة أكثر من الأسفلت، ومنازل مشرقة البلكونات.. ومواصلات شبه فارغة، وسينمات في الأحياء الشعبية تثير خيال الفقراء فيتمسكون بمستقبل أفضل، وحتي رغم أني رأيت هزيمة 1967 وأنا في مطلع الشباب إلا أن الثقة كانت تملأني أننا سنتجاوزها. وليست المشكلة في أن كل جميل رأيته قد ضاع ولم يحل محله جميل آخر . أبدا . لقد تدهورنا كثيرا وأعرف. لكن هناك أشياء لا أنساها، وهي الضحك، لا أقصد الضحك بشكل عام فالمصريون مهما جري يضحكون. لكن ضجك نوع واحد من الناس أحب أن أشير إليه هنا وهم الشيوخ، كان الشيوخ زمان لا يكفون عن الضحك إذا اجتمعوا معا أو إذا اجتمع أحدهم مع غيره، حتي في المآتم حين كانت تقام وليمة للمعزين كان الشيوخ يضحكون معهم وكأنه لا يوجد عزاء، كانت في القاهرة في منطقة الحسين مقهي للقافية. يجلس عليها المشايخ . بعضهم فقد البصر أو أكثرهم وكانت المقهي أحيانا تسمي قهوة العميان، كان العمل الوحيد في المقهي هو الضحك والجالسون وهم يرون بعضهم أو لا يرون يضحكون ويبدأون في القافية ضد بعض، ومع كل جملة ينطلقون ضاحكين، الشيوخ الآن إما غاضبين أو مقطبين وجوههم أو ينذرون الناس بالجحيم والويل. يبثون الرعب في من يستمع إليهم، وليس هذا بجديد، ولا هو من اليوم ، لكن منذ أربعين سنة . منذ فتح السادات الباب لهؤلاء الذين أراد بهم ضرب معارضيه من اليسار تحت اسم الدين، وانتهي الأمر الي ما نحن فيه الآن . الارهاب في مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها في الطريق، للأسف خرج كل هذا من هنا، من عباءة الإخوان الذين دعمهم النظام أيام السادات ومبارك . ومن هنا الي أفغانستان برعاية أميركية ومن أفغانستان للعالم، لن استطرد في السيايسة لكن أتذكر ضحك الشيوخ زمان وأشعر ان مصر تغيرت كثيرا إلي الأسوأ، لم يعد لدينا شيوخا تضحك، وابتعد عن الشيوخ الذين بحق أحزن لأنهم لم يعودوا كذلك فأتذكر أم كلثوم وحفلاتها أول يوم خميس من كل شهر. لن اتحدث عن صوت أم كلثوم ولا كلمات رامي وبيرم التونسي ولا ألحان النباطي والشيخ زكريا وبليغ والموجي وعبد الوهاب وغيرهم من المؤلفين والملحنين لكن سأتحدث عن الشعب، كانت البيوت كلها تنتظر الحفل، الفقراء والطبقة الوسطي والأغنياء، والسهرة العائلية في جو من السعادة والراحة، تحضير الطعام والشراب كأنه عيد، وانتقاء ملابس السهرة حسب الأحوال لكن لابد من ملابس للسهرة، وصمت جميل في البيت مع الغناء، الكبار والصغار حولهم، دفئ رائع في ليالي الشتاء، والأهم أن الشوارع عند الساعة العاشرة مساء تصبح خالية فالحفل علي وشك البدء، نادرا ما كنت تجد شخصا في الطريق، في الوقت الذي تظل فيه بعض المقاهي سهرانة، الجالسون لا يلعبون كوتشينة ولا طاولة ولا دومينو ولا أى لعب, فقط يستمعون إلي صوت أم كلثوم، لدينا الآن مغنون يحبهم الشباب وغيرهم حبا جما لكن لم يحدث ولن يحدث أن أحدهم أقام حفلة سهر لها الشعب كله، الشعب الذي كان مولعا بالموسيقى والغناء كان لديه أحلامه وأمله في تحقيقها عظيم وكانت الظروف حوله أحسن، أعرف ذلك، تتخرج من الجامعة أو التعليم المتوسط تجد عملا بعد اسبوع وشقة بعد شهرين وزواجا بعد ستة أشهر أو عام، تغير ذلك مع سياسة الانفتاح بعد عام 1975 وماتت أم كلثوم لكن عبد الحليم استطاع ان يجمع الشعب حوله، الشعب المحب للموسيقي وراحة البال . ثلاث سنوات ومات حليم، والتغير في مصر إلى الأسوء، الشعب الآن لا يضحك من قلبه للأسف، لا شيوخه طبعا ولا الناس العاديين فيه، لذلك اكتئب كثيرا، لأني أفتقد هذه الدعة وهذا الهدوء والاطمئنان حولي.