الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هجمات كسر الإرادة .. ظاهرها ومنابعها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلما زادت هجمات الجماعة الإرهابية ومواليهم عنفاً كلما تأكد أنهم يديرون معركتهم الأخيرة، بعد أن تساقطت مواقعهم، ولم يجدوا غير سيناء ساحة للإقتتال، ويسلمهم غبائهم للدخول بأقدامهم الى حصار لا فكاك منه فى شبه جزيرة توفر للقوات المسلحة تفوقاً نوعياً يمكنها من محاصرة عناصرها وفلولها ومناصريها من داخل سيناء وعبر الحدود من غزة ومن سواحل المتوسط سواء من تركيا أو غيرها، وقد بدأت بوادر المواجهة الحقيقية فيما أعلن عن تحرك القوات البحرية والبرية وطائرات الإباتشى تدك حصون المتسللين عبر الأنفاق التى تنتهى الى مزارع الزيتون أو بؤر المخدرات او بعض من منازل البدو الذين لم يصونوا حرمة الوطن لحساب حفنة من مال يزول.
وبحسب التحليلات الأولية لخبراء استراتيجيين فإن ملابسات الهجوم تؤكد أنها متجاوزة لإمكانات جماعات أو تنظيمات ارهابية إلى دعم من اجهزة استخباراتية ودول متربصة لن يقوم لها قائمة مع وجود مصر الشامخة، ولن تحقق طموحاتها التى تقصر دونها امكاناتهم او ثقلها لفرض سيطرتها على المنطقة، أو لقيادتها.
وكان تعبير الرئيس السيسى عن هذه الهجمات الاجرامية دقيقاً وصائباً بقوله "أنها تستهدف كسر إرادة مصر" وتتفق فى هذا مع كل القوى الاستعمارية التى سبق لها استهداف مصر على امتداد التاريخ، الحديث والقديم، ذهب كل هؤلاء وبقيت ارادة مصر عصية على الإنكسار.
ومن تفاعيل القدر أن تتسارع ردود الفعل الشارع المصرى لتلتف مجدداً حول قيادته وجيشه، لتسقط كل ترتيبات الإرهابيين لتفكيك الروابط الوثيقة بين الشعب ومؤسساته وجيشه وقيادته، سواء بهجماته المتوالية او عبر كتائبه القابعة خلف اجهزة الكمبيوتر والتى تشيع اشاعات التشكيك والتخويف فضلاً عن التخفى خلف اليات المجتمع المدنى التى تظهر غير ما تبطن، فيما يعرف بالقوى الناعمة، التى تلعب على أوتار عواطف الشباب ومعلوماتهم المبتورة ببث شعارات تبدو فى مظهرها حقوقية وهى تحمل سموماً تحيكها وتركبها اجهزة متخصصة.
هى بكل المعايير حرباً ممتدة بين الدولة بكل ما تحمله من عبء الخروج بالوطن من نفق التخلف، وبين قوى الشر المتحالفة مع المتربصين اقليميا ودولياً، وعلينا التعامل معها بمعايير حالة الحرب، بعيداً عن صراخ مستثمرى حقوق الإنسان على غير حقيقتها، وبعيداً عن صراعات الايديولوجيات العقيمة التى تجاوزها العالم من حولنا، وبحزم وحسم تستوجبها اللحظة ومخاطرها، والتى تقفز على الحواجز حتى تسقط الدولة والوطن.
اللحظة تفرض التعامل مع سيناء كما تعاملنا مع مدن القناة فى مرحلة حرب الاستنزاف، فقد كان قرار التهجير حتمياً لحماية المواطنين من جهة ولتفويت الفرصة على العدو للضغط على مصر من خلال استهدافهم او الاحتماء بهم والتستر خلفهم للتسلل الى عمق الجبهة.
نحن نواجه حرباً قذرة تتسلل عبر الأنفاق التى تمتد بطول الحدود مع قطاع غزة وتنتهى فى الأراضى المصرية متخفية تحت منازل بعض الخونة أو فى مزارعهم وحقولهم، فلا بديل عن إخلاء الشريط الحدودى بعمق كيلو مترين او ثلاثة من قاطنيها، الى مدن او مواقع داخل سيناء تتوفر فيها كل مقومات الحياة والإعاشة، بدعم لوجستى من القوات المسلحة، توطئة لمسح المنطقة التى تم اخلاءها وتدمير ما بها من انفاق تدميراً كاملاً، والحسم فى التعامل مع معابر القطاع الباب الثانى لدخول الدعم للإرهابيين.
ولكن نحن أمام خطر توالد موجات واجيال من الإرهاب والإرهابيين الذين يستندون الى يقين يتصاعد الى درجة الإيمان بأنهم يدافعون عن الدين ويخرجون للدفاع عن "الله"، ومن ثم لا يأبهون بعويل الأمهات الثكالى أو الأطفال اليتامى أو الزوجات الأرامل، ولا يعنيهم المشاعر المكلومة، بل يرونها نتاج طبيعى يستحقه الذين يعيشون خارج دائرة الإيمان "الصحيح" الذى يعرفونه هم وحدهم بما أنعم عايهم من بصيرة كما يلقنهم من استولوا على عقولهم.
ليسوا كلهم اصحاب رؤية سياسية أو يقاومون نظاماً على أرضية صراع سياسى، هناك فرق بين القاعدة العريضة من الشباب الفاعل لجرائم الإرهاب وبين قادتهم الذين يدفعونهم لذلك، وإذا كانت المواجهات الأمنية لازمة لتوقيف العمليات الإرهابية ومطاردتها، فإن تجفيف منابعها لا يقل اهمية إن لم يسبقها.
والمنابع هنا تنقسم الى قسمين أحدهما يعمل على تكوين العقيدة المؤسسة للفعل الإرهابى والثانية تعمل على توفير الغطاء السياسى الذى يقدم نقاط التواصل بين الفكر والعمل وتوفير ظهير يتواجد فى المشهد السياسى وبين آلياته المعتمدة.
يقع فى القسم الأول منظومة التعليم الدينى الرسمى والموازى، وفى القلب منه منظومة الأزهر التعليمية، والتى تعانى من اختراقات عديدة على اصعدة مختلفة، وقد انتجت لنا طوفان من الطلبة الذين روعوا الجامعة باحتجاجاتهم الدامية، الى الدرجة التى تحولت فيها كلياتهم ومدنهم الجامعية الى ثكنات لانطلاق مظاهراتهم التى تقطع الطرق وتهاحم الأمن، وتغذى الإرهاب فى ربوع مصر، وقد تصدى لبعض من مناهجها ومقرراتها كثير من الباحثين وعقدت فى هذا الصدد عشرات المؤتمرات والندوات وصدر عنها اوراق بحثية موثقة متوفرة لمن يطلبها.
فضلاً عن مئات المراكز التعليمية التى تتولى شحذ الشباب وشحنهم بافكار مفارقة لسعى الدولة المدنية، وتحفيزهم للارتداد الى ما قبل الدولة، محتمية فى ظل انساق الجمعيات الاهلية والمراكز البحثية ومدعومة بتمويلات ذات صلة وثيقة بالمتربصين بالوطن.
وفى القسم الثانى تقبع الأحزاب الدينية التى لا تخفى هويتها، ودعوتها، وسعيها، تخالف الدستور وتحتمى بتأويلات يوفرها لها نفر من القانونيين من صفوفهم، بأن الدستور يمنع قيام الاحزاب على اساس دينى لكنه لم ينص على منع قيام احزاب بمرجعية دينية، ويجدون فى المادة الثانية التى تنص على أن الاسلام دين الدولة "الرسمى" ليتخذوها منصة لقذف من يرفضهم بوابل من النيران الثقيلة.
وتبقى ازمة الوطن الحقيقية فى بقاء هذه المنابع، التى تحتمى بزخم تراثى يحتاج لمراجعة، وتستظل بتأويلات منحرفة لنصوص دستورية، فإما ان نقر بها ونسلم لها ونتحمل تبعات ذلك وإما ان نسمى الاشياء بأسمائها ونواجه واقعنا نصححه ونعيده الى مواقعه فى منظومة الوطن ولحسابه.