الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

علماء اختلفوا حول حقيقة إسلامها.. فيلم "الشيماء "أكذوبة تاريخية !!آمنة: ليست صحابية.. والشحات: ولا كافرة.. مصادر: اعتماد الفيلم من الأزهر جاء ترضية لـ "اعتماد خورشيد"

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فيما يشبه المقرر الدراسي على جمهور المسلمين في البلدان الإسلامية والعربية يتم عرض مجموعة من الأفلام السينمائية "الدينية" في كل مناسبة تخصهم بداية من رأس السنة الهجرية ونهاية بعيد الأضحى، ليصل عدد مرات مشاهدتها خلال العام الواحد إلى أكثر من خمس مرات، ما جعلها راسخة في أذهان ووجدان المشاهد المسلم وتساهم في تشكيل وعيه الديني وتضلله، بسبب ما يردد في تلك الأفلام من مغالطات تاريخية تصل إلى حد الكذب الصريح المعلن، في الوقت الذي يؤكد لنا فيه "تتر" الأفلام أنه تمت مراجعتها بواسطة لجنة من الأزهر الشريف ما يمثل كارثة بكل المقاييس، ينطبق هذا تحديدا على فيلم "الشيماء" الذي قامت ببطولته الفنانة سميرة أحمد أمام الراحل أحمد مظهر وأخرجه حسام الدين مصطفى وتم إنتاجه في الستينيات ولعل لذلك مغزى في أن يخرج الفيلم بتلك الصورة البشعة من التزييف والكذب ليس علينا فقط بل والكذب أيضا والافتراء على رسول الله (ص).
الفيلم يقدم الشيماء ك"صحابية جليلة" وصاحبة فضل على الإسلام، بوصفها من السابقين الأولين الذين أشهروا إسلامهم في قومها وأنها هجرت زوجها بجاد "أحمد مظهر" وأخذت تغني في "محمدها" كما يقول الفيلم وتجمع له ولقومه الغذاء عندما كانوا محاصرين في الصحراء في شعب أبي طالب، وكل هذا كذب بواح مفضوح بالقراءة في أي مرجع من مراجع وكتب السيرة النبوية الشريفة.
الفيلم يصور الشيماء أنها كانت صغيرة في السن عندما أعلنت إسلامها، المشكوك فيه أصلا، بينما الحقيقة تؤكد أنها كانت تكبر الرسول (ص) بحولي 10 سنوات تقريبا، لأنها عندما قابلت رسولنا الكريم (ص) في الجعرانة وهو الموقف الوحيد الذي قابلته فيه (ص)، بعد فترة صباه، كانت عجوز شمطاء، وقالت للصحابة عندما ساقوها بين السبي، "إني لأخت صاحبكم من الرضاعة".

د. عبد المهدى عبدالقادر، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، يؤكد أن الرواية التي تذكر إسلام الشيماء لراوٍ اسمه أبو عمر لم يحققها ولم يهتم بها أغلب محققي السير وفي متن الرواية كملة "زعم بنو سعد" وهم أهل الشيماء وعشيرتها أي أنه عندما روى ما نقله عنهم كان شاكا في كلامهم عنها، وهو ما يضعف موقفها من الإسلام إذ أنه لا يوجد أي صحابي أكد أو حتى ذكر مجرد الذكر أنها عندما جلست بين يدي الرسول وبسط لها بردته الشريفة إكراما لها ولأمها حليمة السعدية التي أرضعته وربته صغيرا، أنها أسلمت بين يديه (ص)، بل إن الثابت أن الرسول خيرها بين أن تظل في جواره مكرمة أو أن ترجع إلى أهلها ففضلت أهلها على جوار النبي(ص).
ومثل هذه الأفلام تحتاج إلى وقفة من الأزهر يراجع فيها الفيلم ومن المؤرخين، وقد عرضت "البوابة نيوز" عليهم القضية فجاءت ردودهم متباينة بين التسليم بالأمر الواقع والهجوم على شخص الشيماء.
د. "آمنة نصير" أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر قالت إن فيلم الشيماء ليس فيه جديد مما يهمنا ونحتاجه في حياتنا ويجب الاتجاه إلى معالجة أخرى لقضايانا الدينية في أفلام السينما، وشخصية الشيماء ليست صحابية ولكنها شخصية عادية من بين شخصيات التاريخ الإسلامي وكانت أمها حليمة السعدية مرضعة الرسول وأخذوا عنها بعض المعلومات من الكتب ووضعوها في فيلم، ولم يكن هناك داع للمبالغة في دورها، لكن في الوقت نفسه لا يجب أن نحاكم فيلما أو مؤلفا أو مخرجا له رؤية وهو حر في أن أعجبته قصتها وأحب أن يعمل لها فيلم.
وأضافت "نصير" أن هناك من الصحابيات المعروفات في التاريخ من هن أولى بالمعالجة الدرامية والسينمائية من الشيماء، لأنهن أصحاب تجربة وفضل في در الإسلام مثل "نسيبة بنت كعب"أو "رفيدة الأسلمية"، بينما تحتاج شخصية الشيماء إلى تدقيق ومراجعة قبل أن نضعها في تلك المكانة الكبيرة أو أن نصفها بأنها صحابية.


وفى كتب السيرة الكثير من الروايات التي تدحض رواية إسلام الشيماء، ومنها ما جاء في “السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون إنسان العيون” – المجلد الثالث ص 94، يقول مؤلفها على بن برهان الدين الحلبى (... ولما أسرت أخته (ص) من الرضاعة “الشيماء” صارت تقول والله إنى أخت صاحبكم ولا يصدقونها فأخذها طائفة من الأنصار الذين أتوا بها رسول الله (ص) فقالت يا محمد إنى أختك قال وما علامة ذلك؟ قال لها إن تكونى صادقة فإن بك منى أثرا لن يبلى، فكشفت عن عضدها ثم قالت نعم يا رسول الله حملتك وأنت صغير فعضتني هذه العضة، فعرف رسول الله هذه العلامة، وعند ذلك قام (ص) قائما وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه وسألها عن أمه، فأخبرته بموتها وقال لها: سلى تعطى واشفعى تشفعى فاستوهبته السبى بعد أن قال لها قومها إن هذا الرجل أخوك فلو أتيته فسألته قومك لرجونا أن يحابينا... وهم ستة الآف فوهبها السبى فما عرفت مكة مثلها ولا امرأة هي أيمن على قومها منها وخيرها (ص) وقال إن أحببت فعندى محببة مكرمة وإن أحببت أمتعك وترجعى إلى قومك، قالت بل تمتعنى وتردنى إلى قومى فأعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية وقيل إن القادمة عليه (ص) أمه من الرضاعة التي هي حليمة).
وفى موضع آخر يقول صاحب ذلك الكتاب مقولة لم يهتد إليها أحد من كتاب السير ولا محققوها من العلماء والأئمة تنهى الجدل حول شخصية الشيماء فيقول: ( أعتق (ص) هوازن قبيلة أمه من الرضاعة التي هي حليمة السعدية وكانوا ستة الآف آدمى، وإنما لأجل أنه (ص) كان له وهو طفل فيهم رباء بفتح الراء والمد أي تربيته فيهم ولأجل أن أخته من الرضاعة أتت في ذلك السبى وتلك الأخت صغّر كفرها وسباؤها قدرها الرفيع بإخوته (ص) فأعطاها برا وفعل معها معروفا). 
ويوضح “برهان الدين الحلبى” أن إسلام الشيماء لم يثبت، والرواية التي يستند إليها في القول بإسلامها غير مؤكدة، ولم يأخذ بها أغلب كتاب السير وضعفها البعض منهم.
ومما سبق نستنتج أن “ الشيماء “ كانت كافرة طيلة حياتها، كما أشارت الرواية السابقة، وهذا على العكس تمامًا مما صوره الفيلم أنها كانت وقت هجرة الرسول مؤمنة أشد الإيمان بالله ورسوله وقد كانت في ريعان الشباب وفى قمة رشاقتها وقوتها.


لكن الدكتور "عبد الله النجار" أستاذ الشريعة الإسلامية - جامعه الأزهر، يرى أنه إذا كانت المراجع قد احتوت على روايات تقول إنها أسلمت وأخرى تشكك في إسلامها فيجب علينا ألا نأخذ تلك التي تشكك ونقف عند التي قالت بإسلامها، فمن المحظور الشرعي أن نصفها بالكفر إذا تردد الأمر بين الإيمان والكفر، إضافة إلى أن الناس تحبها من دورها الذي أدته في حياة نبي الإسلام فحبها من حب بني الإسلام.
وطالب "النجار" بألا نصادر حرية التعبير عن الرأي لأن مثل هذا الفيلم ليس عملا توثيقيا لكنه عملا دراميا، أما معلوماتنا الدينية فنستقيها من المصادر الموثقة، ومتاح لأي فيلم أن يتناول حياة الشخصيات الإسلامية بعيدا عن الأنبياء والرسل والعشر المبشرون بالجنة.
أما د. "رشدي أنور شحاتة" رئيس قسم الشريعة بجامعة حلوان فيعترض من حيث المبدأ على مصادرة على حرية التعبير عن الرأي وحرية الإبداع، قائلا إننا لا يجب أن ننساق وراء دعاوى وقف عرض الأفلام أو حتى إعادة تقييم فيلم أو عمل إبداعي، فلنترك كل شيء على ما هو عليه حتى لا نثير البلبة ونزعزع أفكار الناس.
كان السر الكبير، والذي كان لابد من اكتشافه وراء قصة صناعة هذا الفيلم وهو القرار السياسي والسيادى الذي أدى إلى (سلق) هذا الفيلم فيخرج إلى النور بهذا الشكل الفج الكاذب، وبداية الخيط نأخذه من مذكرات اعتماد خورشيد الشاهدة على انحرافات صلاح نصر، مدير المخابرات الأسبق في عهد الرئيس عبد الناصر، حيث تعترف بين السطور، بأن قرار تصوير الفيلم جاء بأمر مباشر من عبد الناصر، وبتكليف زوجها المنتج أحمد خورشيد بإنتاج الفيلم كتعويض وترضية له على ما اقترفه صلاح نصر في حقه وحق زوجته اعتماد خورشيد، فخرج الفيلم خلال أشهر إلى النور دونما حاجة إلى تدقيق أو تفحيص أو تمحيص من الأزهر، وهذا لا يمنع أن يكتب على تيتر الفيلم أسماء أعضاء لجنة تدقيق من الأزهر، لكن هل يرفض أحد تفاصيل قصة ابنة خير الأنام (ص) لتكون قصة فيلم يروج للدعوة الإسلامية ولشخصية ارتبطت في الأذهان بكونها أخت الرسول من الرضاعة “ الشيماء”؟ وردا على سؤال حول إمكانية تغافل مؤسسة الأزهر في الستينيات عن مراجعة قصة وتفاصيل الفيلم أو عدم اكتراثها لما جاء فيه مقارنة بالمعلومات التاريخية الأصلية لشخصية الشيماء قال: " من المحتمل أن يكون الفيلم لم يمر على المراجعة، وأتذكر أنه في هذا الوقت كانت هناك موجة قائمة على إلغاء المراجعات وإلغاء الرقابة، فمن المحتمل أن يكون هذا الفيلم قد مر بمعلوماته المغلوطة على حد قولك دون رقابة، من ثم استقى بعض المعلومات من مصادر غير موثوقة، ويكون قد وقع في الخطأ".



د. محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية والأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الأسبق، يقول: " نحن نتحدث عن فيلم مر عليه وقت طويل فهو ليس حديث الإنتاج، وأنا لا أستطيع شخصيا أن أخبر بما ورد عن تلك الشخصية في الكتب".
أوضحنا لعضو مجمع البحوث الإسلامية ملخصا سريعا لروايات ذكر الشيماء في كتب السير، وتوقفنا عند اختلاف علماء السلف حول نقطة ثبوت إسلامها وكونها مزاعم غير مؤكدة، وهو على عكس ما جاء في الفيلم الذي يجب أن يكون الأزهر قد راجعه وقتها، وكيف أن الأزهر لم ينتبه أن تلك القصة مستعارة من قصة السيدة زينب بنت رسول الله (ص)، فجاء رده بأن الفيلم لن يخلو من الخيال والنواحى الفنية والحبكة التي تضخم من علاقة الرسول (ص) بأخته من الرضاعة.
واستنكر د. الشحات أن الشيماء لم تذكر في حياة الرسول (ص) إلا مرتين اثنتين وتساءل عن المرجع الذي أتينا منه بتلك المعلومة، ونفى أن تكون كتب السير قد ذكرت أن الشيماء لم تسلم، ورفض التشكيك فيما جاء في الفيلم، وتساءل حول المغزى والهدف من وراء البحث حول شخصية الشيماء، وتساءل عن سبب تأخرنا (الصحافة) في اكتشاف هذا الخطأ في الفيلم بعد كل هذه الفترة من إنتاجه.
ورجح الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن يكون الأزهر قد راجع هذا الفيلم، وطالب بالتأكد من المعلومة قبل نشرها، ووعد أنه سيطرح هذه القضية على مجمع البحوث الإسلامية للنقاش والبحث، وطالبنا بتقديم طلب للمجمع للبحث فيها.
د. حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضو المجلس الأعلى للأزهر، ومستشار شيخ الأزهر والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون، حدد الأسس التي يؤخذ بها في أي قضية وما يستشهد به قائلا:" في مناهج البحث العلمى يتحدثون عن توثيق المعلومات وعن المصادر التي يتم التوثيق منها، وهى مصادر معتمدة وغير معتمدة، ولا يصح التوثيق من المصادر غير المعتمدة ومن أمثلتها الأفلام أو المسلسلات أو الأحاديث الشعبية والحواديت الشعبية وما شابه ذلك، فلا يعتد به في مواجهة المصادر المعتمدة كالمصادر التاريخية للمعلومات التاريخية، وهى كتب التاريخ الأصلية، وفى تلك الكتب المصادر القديمة هي الأصح والأفضل في الاعتماد عليه.