الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تقرير يفند دور دول أوروبا في التحالف الدولي ضد " داعش".. تمدد التنظيم غير سياسات أوروبا الحذرة تجاه الشرق الأوسط.. جهود الدول تباينت بين الدعم بالسلاح، وإرسال طائرات والدعم المادي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصدرت وحدة العلاقات السياسية الإقليمية، بالمركز الإقليمي للدراسات، تقريرًا حول الدور الأوروبي في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ودورها في دعم العراق، وتوجيه الضربات الجوية نحو التنظيم.


وقال التقرير إنه ورغم تبني الدول الأوروبية سياسات خارجية "حذرة"، في التعامل مع أزمات منطقة الشرق الأوسط طوال السنوات الماضیة، وھى السیاسات التي انتقدھا وزیر الدفاع الأمریكي الأسبق رونالد رامسفیلد في عام ۲۰۰۳، ووصفھا بأنھا تعبر عن "أوروبا القدیمة."

وأوضح التقرير أن ھناك تحولا ملحوظا، في ھذه السیاسات نتیجة تمدد تنظیم "داعش"، وسیطرته على مناطق متفرقة في العراق وسوریا، وتزاید جاذبیته للمقاتلین الأوروبیین، حیث اتجھت الدول الأوروبیة مؤخرًا، وبدرجات متفاوتة، لتقدیم الدعم العسكري والمالي وكذلك السیاسي لحملة "القضاء"، على "داعش"، إلا أن درجة مشاركتھا في التحالف مازالت محكومة بعدة متغیرات.

ويشير التقرير إلى أن هناك شكلين رئيسيين للتحرك الأوروبي في مواجهة داعش يمكن التمييز بينهما، ويتمثل التحرك الأول في تقدیم الدعم العسكري، حیث قدمت دول أوروبیة عدیدة دعمًا عسكریا لقوات "البشمركة" الكردیة، فمثلا قدمت ألمانیا نحو ۱٦۰۰۰ بندقیة وعربات مدرعة، ومئات من الأسلحة المضادة للدبابات، مع تدریب بعض الأكراد داخل ألمانیا، وصرحت وزارة الدفاع الألمانیة، في ۱سبتمبر الماضي، بأنها ستوفر أسلحة لعدد ٤۰۰۰ كردي، كما أعلنت بریطانیا، في ۱٦ أكتوبر الماضي، عن أنها سترسل طائرات بدون طیار للعراق، وستدعم طائرات "تورنادو" المشاركة في التحالف.


ولفت التقرير إلى أنه من الملاحظ أن ھذا الدعم العسكري یقتصر فقط على العراق، ولم یصل إلى سوریا حتى الآن، وذلك بسبب خشیة الدول الأوروبیة من تعزیز الحرب بالوكالة في سوریا، فضلا عن أن سوریا تحولت إلى مركز جذب للتنظیمات الإرھابیة المختلفة.

التحرك الثاني وفقًا للتقرير يتمثل في الدعم المالي والإنساني للعراق، حیث تعهدت إیطالیا بتقدیم مبلغ قیمته ملیون دولار، بینما تعھدت إسبانیا بتقدیم ٥۰۰ ألف یورو، وأرسلت ألمانیا ۳٦ طنًا من المساعدات الإنسانیة، وقدمت التشیك ملیون ونصف ملیون دولار، وھولندا ملیون دولار، وفرنسا ٥۹ طنًا من المساعدات الإنسانیة لمدینة أربیل شمال العراق، فیما أرسلت المجر ۹۰۰۰۰ دولار للمسیحیین في المدینة نفسھا.

ويقول التقرير بأن إرسال المساعدات یمثل بعدًا جديدًا في سیاسات الدول الأوروبیة، حیث إنھا ترسل مساعدات دائمًا للدول المتضررة والتي تعاني من ویلات الحروب، ومن ذلك اعتماد الاتحاد الأوروبي المساعدات لتقلیص المعاناة الإنسانیة من العنف في سوریا، إلى جانب أن ھذه الدول تعد مصدرًا رئیسیًا للمساعدات للفلسطینیین، ولكن الجدید في حالة "داعش"، أن تقدیم ھذه المساعدات یتزامن مع تأیید ھذه الدول الحملة الدولیة ضد التنظیم، حیث تعد ھذه المساعدات في ھذه الحالة، عاملا مكملا للحملة العسكریة ضد "داعش."


ويلفت التقرير إلى اختلاف مستوى مشاركة الدول الأوروبیة في التحالف، ویمكن التمییز بین تیارین رئیسیین: الأول، یتبنى سیاسة الانتظارwait and see، ویضم ألمانیا والدنمارك وبلجیكا وھولندا، فرغم مشاركة ھذه الدول في التحالف ضد "داعش"، إلا أن أدوارھا تعكس مدى التردد والحیطة، وھذا التردد ربما نابع من عدم وضوح الرؤیة الحاكمة للحملة ضد "داعش"، فضلا عن استمرار تقدم "داعش" وسیطرته على مناطق متعددة داخل العراق وسوریا، وھو ما ینذر بخطر وشیك سیطال دولا أوروبیة عدیدة، خاصة في حال عودة مقاتلي "داعش" الأوروبیین لدولھم والذین یقدر المركز الدولي لدراسات التطرف عددھم بین ۲٦۰۰ و۳۰۰۰ مقاتل، لذلك ترى ھذه الدول أنه ربما من الأفضل الانتظار لتقییم ما ستؤول إلیه الأوضاع.

أما التيار الثاني، فيدعو إلى التحرك السریع للقضاء على "داعش"، وتأتي فرنسا في مقدمة الدول التي تتبنى ھذا المسار، وبدرجة أقل بریطانیا، حیث كانت فرنسا أول دولة تشن غارات ضد "داعش"، لتصبح أول دولة تقود التحالف عسكریا في ۱۹ سبتمبر ۲۰۱٤، علاوة على استضافتھا لمؤتمر باریس في ۱٥ سبتمبر ۲۰۱٤ بحضور دول أوروبیة وعربیة، والذي تحددت من خلاله الأدوار التي ستقوم بھا الدول داخل التحالف، ولم یؤد مقتل مواطن فرنسي في شرق الجزائر في ۲٥ سبتمبر ۲۰۱٤، إلى عدولھا عن المشاركة، بل إنھا أكدت على استمرارھا في التحالف، إلى جانب ذلك.


ويقول التقرير إن ھناك حالة من الرضا الداخلي حول سیاسة فرنسا في التعامل مع "داعش"، حیث أجرى المعھد الفرنسي للرأى العام IFOP استطلاع رأى خلال سبتمبر ۲۰۱٤، انتھى إلى أن ھناك ٦۹% راضی عن سیاسة فرنسا تجاه العراق، وھى النسبة التي ارتفعت في غضون أسبوع بمقدار ۱٦%، بعد مقتل الرھینة الفرنسي.

وعلى الرغم من أن بریطانیا شاركت في التحالف، وقامت بتقدیم معلومات استخباراتیة وأسلحة، إلا أنھا شنت ضربات جوية "محدودة"، حیث كان موقفھا منذ بدایة الحملة على "داعش" یتسم بالتردد، فتارة تعلن عن مشاركتھا في التحالف ثم تتراجع، ویبدو أن ھذا التردد نابع من عدم الرغبة في التورط مرة أخرى في أزمات المنطقة بعد الحرب على العراق عام ۲۰۰۳، ولكن ذبح رھینتین بریطانیین على ید "داعش"، ربما أرغمھا على قبول المشاركة.


ويشير التقرير إلى أن ھناك جدلًا ونقاشًا داخل العدید من الدول الأوروبیة حول مستوى المشاركة في الحملة ضد "داعش"، وھو جدل مرتبط في جوھره بالتحول نحو تبني أدوار تدخلیة في أزمات الشرق الأوسط interventionist، ومدى استقرار ھذه الأدوار بعد "القضاء"، على "داعش"، ومن الواضح أن الاتجاه یمیل في عدد من ھذه الدول لصالح تبني ھذه الأدوار، حیث تراجعت ألمانیا عن سیاستھا الخاصة بعدم التدخل في الحرب على "داعش" إلى التدخل وإرسال أسلحة للأكراد.

ويلفت التقرير إلى أن موقف ألمانیا من الحرب على "داعش"، يثير تساؤلات حول ماھیة الدور الذي ستلعبه ألمانیا لاحقا وإمكانیة خروجھا عن الأنما التقلیدیة التي تبنتھا في سیاستھا الخارجیة خاصة في أوقات الأزمات، لا سیما وأن القانون الألماني یحظر تصدیر أسلحة ألمانیة إلى مناطق النزاع النشطةconflict zones، ورغم ذلك إلا أنه منذ تشكیل حكومة ائتلافیة جدیدة بین المستشارة أنجیلا میركل والحزب الاشتراكي الدیمقراطي، دعا وزیرا الخارجیة والدفاع إلى تبني سیاسة خارجیة ألمانیة "أكثر نشا ًطا"، دون توضیح أبعاد ھذا النشاط، وعكس قرار ألمانیا دعم الأكراد إدرا ًكا بخطورة "داعش"، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن ألمانیا ھى ثالث أكبر منتج للسلاح فيً العالم، إلا أنھا لا تترجم قدراتھا العسكریة إلى سیاسة تدخلیة في النزاعات المسلحة في المنطقة والعالم، خاصة وأن وزارة الدفاع، وفقا لتحلیلات عدیدة، مازالت تتبنى سیاسة الاستخدام المقید للقوة العسكریة  culture of military constraint، التي تلتزم بھا ألمانيا منذ فترة طویلة.


أما بالنسبة لفرنسا، فيقول التقرير إن موقفھا من الحرب على "داعش"، یختلف كلیة عن موقفھا من الحرب على العراق عام ۲۰۰۳، ففي حالة "داعش"، وافقت فرنسا على فرض حظر جوي في ۹ أكتوبر ۲۰۱٤، بینما كانت قد رفضت في ۲۰۰۳ المشاركة في الإطاحة بنظام الرئیس العراقي الأسبق صدام حسین، وذلك على عكس الدنمارك التي شاركت في الحرب على العراق، وكذلك في حملة الناتو للإطاحة بالرئیس اللیبي السابق معمر القذافي، أما ھولندا فرغم أنھا ساندت الحرب على العراق سیاسیا، إلا أنھا لم تنخرط عسكریا وھو موقف بلجیكا أیضا، وفي حالة "داعش"، فإن ھذه الدول الثلاث "راغبة" في المشاركة في الحملة الدولیة.

وفيما يتعلق بالمخاوف الأوروبية من الانخراط في حملة "القضاء" على "داعش"، يقول التقرير إنها على حد تعبیر الرئیس الأمریكي باراك أوباما، تتمثل في عودة "المجاھدین" الأوروبیین إلى دولھم الأصلیة وانتشار الإرھاب والتطرف فیھا، وھو الخطر الأكبر الذي تواجھه أوروبا الیوم، والذي تحول إلى ظاھرة جماعیة بعد الاعتداء على المتحف الیھودي في مدینة بروكسل، في ۲٤ مایو ۲۰۱٤، والذي أدى إلى مقتل ٤ أشخاص كانوا یزورون المتحف.


وھناك مخاوف أیضا من انتشار أنماط إرھابیة شبیھة لـ"داعش" في ھذه الدول، بحیث یتعدى الأمر ممارسة أعمال العنف العشوائیة، فعلى سبیل المثال، انتشر فیدیو لمجموعة إرھابیة ألمانیة تھدد بشن تفجیرات في دول أوروبیة عدیدة، كما ظھر ما یسمى بشرطة "الشریعة" في ألمانیا، والتي باتت تجذب الشباب.

وتكمن المشكلة الرئیسیة في أن عدد "المجاھدین" الأوروبیین في حال عودتھم لدولھم الأصلیة، لن یساعد فقط على نشر أفكارھم الجھادیة، بل یمكن أن یؤدي إلى تسریع ظھور خلایا إرھابیة في مختلف الدول الأوروبیة، ویختلف "داعش" عن باقي التنظیمات الإرھابیة، في أن لدیه استراتیجیة عسكریة مكونة من أموال وأسلحة وقوة بشریة، وقدرة على جذب المقاتلین الأجانب، سواء من غرب أوروبا أو من منطقة الشرق الأوسط أو من المغرب العربي.

وينتهي التقرير إلى القول بأن الولایات المتحدة ما زالت ھى قائد التحالف، حیث نفذت۹۰% من الضربات العسكریة ضد "داعش"، وفقاً لتقدیرات عدیدة، فیما تتوزع النسبة الباقیة بین الدول الأوروبیة والعربیة، وبالتالي یظل تحول سیاسات الدول الأوروبیة إزاء الحرب على "داعش"، في اتجاه تبني أدوار تدخلیة، مرتبط بتطورات الوضع في العراق وبدرجة أقل في سوریا.