الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مدخل:
بعد اندلاع ثورة 25 يناير ببضعة أيام بدا واضحًا لكل السياسيين الثوريين، ذوى الخبرة، الذين شاركوا فى الثورة منذ اليوم الأول، أو بالأحرى الذين شاركوا في التحضير لها عبر سنوات طويلة من النضال، أن القوى الثورية مبعثرة ومفتتة، إذ لم تتمكن هذه القوى، فى ظل استبداد نظام مبارك، وتصفية الحياة السياسية، وتراجع المد الثوري، والزخم الجماهيري، من تنظيم صفوفها وبلورة خطابها السياسى، ومن ثم تحركت الكوادر السياسية الثورية بسرعة من أجل محاولة بناء قوى سياسية منظمة وقادرة على الاضطلاع بقيادة هذه الموجة الثورية من خلال التلاحم معها والانخراط في مقدمة صفوفها.
ولا أبالغ إذا قلت إننى كنت من أشد المهتمين ببناء حزب سياسي بمجرد اندلاع الثورة لعدة أسباب أهمها: أنني كنت أدرك وبعمق وقبل ٢٥ يناير بعدة سنوات أن انفجار الشارع هو أمر آت لا ريب فيه، وأن هذا الانفجار قد يفاجئ الجميع، وعلى القوى الثورية أن تكون مستعدة، ولو من خلال تنظيم صغير لكنه يملك رؤية ثورية قادرة على التلاحم بالانفجار القادم وموجاته الثورية بالذات وأن الإخوان، وما يمثلونه من خطر بناء دولة استبدادية دينية شبه فاشية، قد أصبحوا القوى المنظمة الرئيسية التى تعاظم نموها وازدهارها فى مصر فى عصر مبارك.
من بين أسباب اهتمامي المبكر ببناء حزب سياسي أنني تنبأت ـ شأن العشرات من الكوادر السياسية الثورية ـ بقرب وقوع هذا الانفجار، أو هذه الثورة، قبل اندلاعها ربما ببضعة أسابيع أو شهور، ومن بين الاستعدادات التى طالبت بها على الدوام مع الأصدقاء والزملاء القريبين منى إنسانيًا وسياسيًا هو أن نحافظ على تماسك المجموعة التى قمنا بتأسيسها فى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة تحت اسم الحزب الديمقراطى الاجتماعى "تحت التأسيس"، وهى المجموعة التى أسست لوجود الديمقراطية الاجتماعية فى مصر، وقدمت محاولة مهمة لتجديد الخطاب اليسارى، ولم يكن الحفاظ على هذا التماسك الفكرى والسياسى والتنظيمى لهذه المجموعة أمرًا سهلًا فى ظل ظروف الاستبداد السياسى والإحباط العام، حتى أننا واجهنا، وقبل ثورة 25 يناير، أزمة كبيرة عندما قام عدد من زملائنا فى هذه المجموعة الصغيرة بالدعوى إلى حلها لأنها غير فاعلة، وأذكر أننى فى الاجتماع الذى ناقشنا فيه فكرة الزملاء أكدت مرارًا وتكرارًا أن ما تعانيه هذه المجموعة من أزمة هو نتيجة انحسار الزخم الجماهيرى بصفة عامة واستقرار الاستبداد السياسي، ولا يعود إلى عيوب أو مثالب تتعلق بصحة خطابنا أو توجهاتنا، وأن ما نعانيه من عزلة هو حال كل القوى السياسية الثورية وغير الثورية وليس حالنا فقط، وأن الانفجار القادم ومدى قدرة هذه المجموعة أو تلك على التلاحم مع هذا الانفجار وموجاته الثورية سيكون هو الاختبار الحقيقى لصحة توجهات كل القوى السياسية على اختلافها لكننى بكل أسف لم أستطع إقناع هؤلاء الزملاء بالاستمرار، لكن على الرغم من ذلك استمرت مجموعة صغيرة من الكوادر تحت نفس اللافتة: الحزب الديمقراطى الاجتماعى "تحت التأسيس".
وعندما اندلعت الثورة بدأت الحوارات والاتصالات بين كوادر هذه المجموعة تزداد سخونة، واتسعت هذه الحوارات والاتصالات بالتدريج لتشمل أطراف المجموعة وأصدقائها والذين خرجوا منها، وإلى جوار هذه الحوارات والاتصالات التى كانت تستهدف بناء حزب سياسى، وبشكل مواز، وفى قلب ميدان التحرير، كانت هذه المجموعة تحاول أن ترفع بعض الشعارات أو تبلور بعض المواقف، وانتهت هذه الحوارات فى ظل النضال اليومى فى الميدان إلى إعادة بلورة المجموعة التى اتسعت وتماسكت وبدأت اتصالها بمجموعات أخرى حتى انتهى الأمر أخيرًا وفى 18/3/2011 إلى اجتماع واسع بنقابة الصحفيين حضرة المئات للإعلان عن تأسيس الحزب المصرى الديمقراطي الاجتماعى.
فى هذه الفترة، وبالتحديد فى منتصف فبراير 2011، والثورة لا زالت فى الميدان كتبت تحت عنوان "اللحظة السياسية الراهنة والمهام العاجلة" ورقة كان يفترض أنها ستُقدم كـ"مسودة للجنة التحضيرية للاجتماع التأسيسى لـحركة التغيير الاجتماعى الديموقراطي"، حيث أفضى اجتماع هذه الحركة إلى اتساع مجموعة الحزب الديمقراطى الاجتماعى "تحت التأسيس" قبل نهاية فبراير، وهو ما ساعدنا على أن نلعب بعد ذلك دورًا مهمًا فى الاتصال بأطراف ومجموعات مختلفة قامت بالتحضير والمشاركة فى اجتماع نقابة الصحفيين الذى أشرنا إليه.
تناولت الورقة التى قُمت بإعدادها فى ذلك الوقت، وتم تداولها على نطاق ضيق، اللحظة السياسية الراهنة والمهام العاجلة، من خلال تقديم مجموعة من الإجابات على مجموعة من الأسئلة لم يرد الكثير منها، في ذلك الوقت، بكل أسف، على ذهن أحد، ولكننى تعمدت طرحها لأسباب لن تخفى على فطنة القارئ عندما نُعيد قراءتها الآن، وقد بدأت الورقة محاولة قراءة الثورة القائمة على الأرض من خلال قراءة الثورات التى عرفها العالم وعرفتها مصر من قبل، وهكذا أعلنت الورقة "أن البشرية عرفت ثورات كبرى فى مسارات تطورها، وكان من بين أهم هذه الثورات الثورة الفرنسية والروسية والإيرانية، وعرفت مصر ـ شأن كل بلدان الدنياـ ثورات كبرى شعبية شارك فى فعاليتها مئات الآلاف، بل والملايين من المصريين فى العصر الحديث وعلى مدى مئة وثلاثين عامًا المنصرمة، أول هذه الثورات كانت الثورة العرابية، والثانية ثورة 1919، والثالثة حركة الطلبة والعمال فى 1946، والرابعة انتفاضة 18 و19 يناير، والخامسة "ثورة الشباب" فى 2011" واختتمت هذه الفقرة الافتتاحية أن التأمل فى مقدمات ووقائع ونتائج هذه الثورات المتتالية، وبالذات ثورة 2011، يثير عدة تساؤلات مهمة قد تساعد الإجابة عليها فى بناء تصوراتنا حول المرحلة المقبلة".
سنحاول في مقالات قادمة أن نتعرض لهذه التساؤلات وننشر، لأول مرة، الجابات التي تقدمنا بها، لأننا نعتقد أن هذه التساؤلات لازالت مطروحة، ولازالت الإجابات التي تقدمنا بها، والثورة لازالت في الميدان، صالحة، ومفيدة، ومن الضروري أن نستعرضها الآن لكي يعرف الجميع على أي أرض كنا نقف وعلى أي أرض كان يقف البعض الآخر من أعداء الثورة الذين حاولوا ركوب الموجة، وكلهم أمل أن تنتهي وقد عاد بنا الزمن الى الوراء، الى عصر مبارك، عصر ثنائية الدولة والاخوان، وكأن القوى الثورية والديمقراطية لم تنجح في إسقاط الإخوان مثلما أسقطت مبارك، وهي بإذن الله قادرة على إسقاط أي نظام استبدادي طال الوقت أو قصر.