الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مصر ترفض طلبًا أمريكًا بمراقبة تحركات الجيش في سيناء مقابل الإفراج عن الطائرات.. و3 عوامل وراء تراجع موقف واشنطن

الأباتشى
الأباتشى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل الجيش المصرى يدعم ويساعد التحالف الدولى فى حربه ضد داعش بالعراق وسوريا؟


ألقى تشارلى روز مذيع "سى بس إس" التليفزيونية الأمريكية سؤاله المباشر على ضيفه رفيع المستوى.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يجرى أول لقاءاته التليفزيونية أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، على هامش مشاركته فى أعمال القمة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما تسيطر انتصارات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فى سوريا والعراق، على المناخ الدولى.


سأل الرئيس محدثه: "انتو محتاجين الجيش المصرى معاكم؟".
فور وصول الترجمة الإنجليزية إلى آذان "روز" رد: نعم.. من غير المنطقى أن يكون الجيش الأمريكى بمفرده ضد "داعش".
تدرك الولايات المتحدة جيدًا أهمية الدور المصرى فى الحرب على "الدولة الإسلامية".. تغاضت هى عن كل النداءات التى أطلقتها قيادة ما بعد 30 يونيو بضرورة تركيز الجهود الدولية على محاربة الإرهاب.. اعتقد ساكن البيت الأبيض – مدفوعًا بموقفه السلبى تجاه ما حدث فى 3 يوليو 2013 – بأن الإدارة المصرية تهول من مخاوفها تجاه تصاعد الهجمة الإرهابية كسلاح فى مواجهة الإخوان المسلمين.
لكن أمام مشاهد الذبح التى نفذتها "داعش" بحق مختطفين أجانب، تحركت أمريكا، فقصف التحالف الدولى مواقع للتنظيم فى سوريا والعراق، من دوى جدوى على ما يبدو حتى الآن.


عاد «روز» لتساؤلاته: "إذن بماذا ستدعمنا سيدى الرئيس؟".
ارتفعت أصوات الضحكات لدقائق.
"ادونا الطيارات (الأباتشى) اللى وقفتوها وF16.. نحن فى مواجهة جادة وخطيرة ضد الإرهاب".. هكذا قال السيسى.
فى أكتوبر الماضى، أعلنت الإدارة الأمريكية تعليق جزء من المساعدات العسكرية السنوية المقدمة إلى مصر طبقًا لتفاهمات "كامب ديفيد"، بينها 10 طائرات من طراز أباتشى، لحين "اتخاذ مصر خطوات على طريق الديمقراطية".
واجهت القوات المسلحة وعناصر الشرطة المدنية حربًا شرسة من التنظيمات الإرهابية الموجودة فى سيناء، تحققت بعض النجاحات، ولكن الطبيعة الجغرافية لشبه الجزيرة تجعل سلاح الجو الأكثر قدرة على حسم المعركة، كانت الحاجة إلى الطائرات ملحة، ولكن الإدارة الأمريكية استمرت على موقفها الرافض لتسليم الأباتشى على الرغم من النداءات المصرية المتكررة.. أدار "أوباما" ظهره للمصريين وفق تعبير الرئيس لـ"واشنطن بوست".
الرغبة فى بناء خيارات خارجية جديدة تكسر الاعتماد على الولايات المتحدة دفعت مصر للتوجه شرقًا نحو استعادة العلاقات مع روسيا.. شعر الأمريكى بانفلات زمام الأمور من بين يديه فرفعت واشنطن فى أبريل الماضى، الحظر عن تسليم طائرات الأباتشى إلى القاهرة، لدعم عمليات «مكافحة الإرهاب» فى شبه جزيرة سيناء، على الحدود مع إسرائيل، ثم أعلنت فى 29 أغسطس الماضى تنفيذ الصفقة، من دون بيان موعد محدد لتسليمها.


خلال اللقاء الذى جمع الرئيسين السيسى وأوباما، في قاعة الاجتماع بفندق "والدورف أستوريا" فى نيويورك، تطرق الحديث إلى الأباتشى، أكد الرئيس الأمريكى نية بلاده تسليم الطائرات، وطلب «السيسى» تبكير موعد التسليم، واتفق الطرفان فى النهاية على أن يتولى المسئولون الأمنيون فى البلدين إنهاء باقى الأمور المتعلقة بالصفقة.
ما الذى تريده واشنطن؟
فى لقاءات واتصالات بين مسئولين فى وزارة الدفاع والمخابرات العامة ونظرائهم فى "البنتاجون"، وضعت أمريكا أول شروطها لتسليم الطائرات وهى وجود عناصر أمنية أمريكية على الأرض، للتأكد من استخدام الأباتشى فى مكافحة العناصر الإرهابية.
تقول مصادر شاركت فى الاتصالات إن المطلب كان غريبًا فـ"الإدارة الأمريكية تمتلك وسائل كثيرة للتأكد من الأمر من دون وجود أى مراقبين، كما أن هناك صحفيين أمريكيين يتابعون ما يجرى فى سيناء على أرض المعركة".
ترجع المصادر هذا المطلب إلى الضغوط التى تمارسها بعض وسائل الإعلام الأمريكية على إدارة بلادها، لمنع تسليم الطائرات بدعوى استخدامها ضد أهداف مدنية، وهو بالضبط ما أشارت إليه افتتاحية "نيويورك تايمز" الشهيرة بأن "معركة الجيش المصرى ضد المسلحين فى سيناء انتقلت إلى المناطق السكنية، حيث استخدمت القوات العسكرية دبابات أمريكية الصنع لقصف المناطق التى يسكنها المدنيون".
ويتبنى مقترح إرسال مراقبين أمريكيين لمتابعة الأعمال العسكرية فى سيناء مسئولون فى البيت الأبيض على رأسهم سوزان رايس، مستشارة الأمن القومى الأمريكى، وكذلك مسئولون فى "الكونجرس" على رأسهم جون ماكين، بينما يضغط "البنتاجون" لسرعة تسليم الطائرات، وهو ما يظهر بشكل واضح فى تأكيدات وزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل، لنظيره المصرى الفريق أول صدقى صبحى أكثر من مرة اعتزام بلاده تسليم طائرات الأباتشى.
أبلغت مصر الولايات المتحدة رفضها المطلب بشدة، مشيرة إلى أن "قيام وفود أمريكية بزيارة سيناء للتأكد من استخدام الأباتشى فى مكافحة المتطرفين المنتشرين فى شبه الجزيرة مرفوض على كل المستويات".
بحسب المصادر فإن الأوضاع الميدانية فى سيناء وتحقيق تقدم قوى فى القضاء على الإرهاب نقل مفاوضات إنهاء الصفقة إلى "أرضية جديدة": "مصر مبقاش فارق معاها أوى، واحنا فى أيدينا أوراق نضغط بيها.. يمكن القول إن موقفنا أقوى هذه المرة".
أغلق هذا الملف نهائيًا أمام الرفض المصرى.
انتقلت المطالب الأمريكية إلى منحى آخر.. الإفراج عن الصحفيين المتهمين فى قضية «خلية ماريوت» كان مسار حديث بين مسئولى البلدين.. الرئيس الأمريكى نفسه أبلغ "السيسى" بهذا المطلب خلال اللقاء الذى جمع بينها.
انطلق الأمريكون فى مفاوضاتهم من قاعدة تصريحات أدلى بها الرئيس فى أحد لقاءاته مع رؤساء تحرير عدد من الصحف وممثلى القنوات الفضائية أوحت بتعاطف مع صحفيى "الجزيرة" المسجونين، الأسترالى بيتر جريست، والمصرى الكندى محمد فهمى، الذى كان مديرًا لمكتب «الجزيرة الإنجليزية» فى مصر، وباهر محمد، بمدد تتراوح بين 7 و10 أعوام.. بحسب ما نقل عن الرجل فإنه "كان يتمنى ترحيلهم فور القبض عليهم بدلًا من محاكمتهم فالحكم كانت له آثار سلبية جدًا".
انعقدت لجنة إدارة الأزمة التابعة لرئاسة الجمهورية لبحث الأمر، دارت نقاشات بين الأعضاء، البعض طرح سيناريو قبول نقض المتهمين على الحكم وإخلاء سبيلهم بعد ذلك على ذمة القضية، وبعدها تجرى إعادة المحاكمة.. دار نقاش حول الطرح ولكنه رفض فى النهاية.
أوصت اللجنة بأن هذه القضية أكبر فرصة للتأكيد على استقلالية القضاء، وإثبات هيبة الدولة، وبأنه إذا كان هناك إمكانية للتدخل فلا يصح أن يحدث إلا بعد إغلاق ملف القضية بأحكام نهائية باتة، وبأن الإفراج عن المتهمين يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، ويفقد مصر ورقة مهمة فى الضغط على الحكومات الأجنبية.
كما اللجنة طالبت بامتناع المسئولين عن إبداء أية آراء حول هذا الملف قد تسبب إحراجًا للهيئة القضائية التى ستنظر نقض المتهمين، فيما ألمحت المصادر التى تحدثت إلينا بأن سيناريو إصدار عفو رئاسى عن المتهمين الأجانب فى هذه القضية «مطروح» وإن كان "عزيز جدًا"، ولكن "لا يمكن إصدار أى عفو قبل أن تبت محكمة النقض فى القضية ويصبح الحكم نهائيًا"، ووصلت رسالة بنفس المعنى إلى الإدارة الأمريكية.
قد تكون النتيجة المنطقية لما سبق وغيره مما خفى عن التوترات بين الجانبين أن توقف الولايات المتحدة صفقة الأسلحة.. فكرت الإدارة الأمريكية فى ذلك فعلًا.. قبل زيارة وزير الخارجية جون كيرى إلى مصر للمشاركة فى مؤتمر "إعادة إعمار غزة"، لم يكن هناك موعدًا محددًا لتسليم الصفقة.




ما الذى دفع الأمريكى لـ"ابتلاع السم"؟
تقول المصادر إن الحاجة الشديد للدعم المصرى فى مواجهة «داعش» تمثل «الورقة الرابحة»، تأمل الولايات المتحدة فى انضمام مصر إلى التحالف الدولى، ونحن نطالب بأن تثبت واشنطن أنها جادة بالفعل فى مواجهة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه فى المنطقة، وألا تقتصر المواجهة على "الدولة الإسلامية" فى سوريا والعراق.
أيضًا يمثل الدور المصرى المهم بالنسبة للملف الفلسطينى والذى تعول عليه واشنطن وبخاصة وزير خارجيتها جون كيرى فى إيجاد حل للقضية ينهى الصراع عامل آخر، وكذا والأوضاع المتصاعدة فى ليبيا، والدور المحورى الذى يمكن أن تلعبه القاهرة فى تثبيت الأوضاع هناك.
كل هذه العوامل دفعت الإدارة الأمريكية للتراجع بقوة، حيث أبلغ "كيرى" الرئيس، خلال لقائهما فى الأخير، أن واشنطن ستسلم طائرات الأباتشى إلى القاهرة فى نوفمبر المقبل، وبعدها أعلنت جين ساكى، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن الصفقة فى طريقها إلى القاهرة بالتزامن مع وجود الفريق محمود حجازى، رئيس أركان القوات المسلحة، فى نيويورك، لحضور المؤتمر الدولى الذى يناقش سبل مواجهة «داعش»، وحددت المصادر الأسبوع الأول من الشهر المقبل كموعد نهائى للوصول بعد انتهاء إجراءات الشحن.