السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المعاشات والدولة العجوز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في عام 2013 حدثت مظاهرات عارمة في فرنسا ضد قرار رفع سن العمل إلى خمسة وستين عاما، خرج الموظفون والعمال في مظاهرات حاشدة ضد القرار، يريدون أن تظل سن المعاش كما هي ستين عاما، يومها ضحكت لأننا في مصر يسعى كل المسؤولين في كل المناصب حتى الإعلامية والصحفية والثقافية التي قد لا تحتاج لوظيفة. أقول يسعون لمد الخدمة إلى خمسة وستين عاما، تراجعت الحكومة الفرنسية عن قرارها وعاد الأمر لما كان عليه، ستون عاما الحد الأقصى للعمل، لماذا تظاهر الفرنسيون إذا على قرار باستمرار العمل بعد الستين؟ ذلك أنه عند سن المعاش يأتي دور الدولة أن ترد إليك شيئا مما قدمت. فأنت على المعاش يعني أن سفرك بالقطارات وبالطائرات بنصف الثمن ويعني أن علاجك بالمجان في أي وقت وأي مكان ويعني اشتراكك في نوادي بنصف الثمن ويعني وقتا متسعا لديك تستطيع فيه أن تسافر إلى ما شئت من بلاد لم تزرها. هذا سر ارتفاع أعمار السياح الذين نراهم في مصر قادمين من فرنسا أو غيرها، في بلادنا الأمر مختلف كما قلت، أنت على المعاش يعني أنك ميت لا محالة. لا تستطيع أن تقترض شيئا من أي بنك إلا إذا وضعت مبلغا فيه يساوي القرض لأنك ببساطة يمكن أن تموت ولا أحد يضمن استمرار المعاش، حتى لو كان لديك عقار فالأمر من الصعب، لكن هذا ليس مهما، المهم هو العلاج، فأصحاب المعاشات بالطبيعة تجاوزوا الستين لذلك فأمراض القلب الذات هي الأعلى عندهم والحد الأقصى للمعاش - بعد أن ارتفع - للعاملين الذين أمضوا في العمل ستة وثلاثين سنة صار ألفا ومائتي جنيها. أي سعر نصف الأدوية الخاصة مثلا بتوسيع الشرايين التاجية، أما إذا كنت ممن خرجوا معاشا مبكرا تحت تأثير أي شيء فمعاشك لن يصل إلى أربعمائة جنيه بأي حال من الأحوال. طبعا سيقول قائل، إن هناك تأمينا صحيا وكلنا يعرف بهدلة التأمين الصحي وخاصة لكبار السن فضلا على أن الأدوية الغالية عادة ليست موجودة فيه كما أن في التأمين الصحي حكاية غريبة، فرغم وجود الحاسب الآلي وقاعدة بيانات واحدة في كل مصر فلابد أن تذهب إلى المستشفى الذي هو قريب من عنوانك الذي في بطاقة رقمك القومي رغم أن هذا المستشفى قد يكون صغيرا ولا قيمة له، فعليك إذا كان الأمر كذلك أن تذهب إلى الإدارة الرئيسية للتأمين لتحصل علي موافقة وهكذا فالروتين يضيع الوقت ويضيع العمر أيضا. 
في الفترة الأخيرة لاحظت انتشار موقع أصحاب المعاشات على الفيس بوك وعرفت منه أشياء مذهلة وما قلته هو نقطة في بحر الإهمال لهم وعدم الاعتبار لحياتهم أو على الأقل ما قدموه للبلاد، للأسف أصبحت سن المعاش هي حكم بالموت علي المصريين ولا ينجو منه إلا من يجد عملا آخر أو يكون لديه عمل آخر يجدد فيه نشاطه وقوته ويستعين به على الفقر القادم مع المعاش الذي يبدأ كما قلت بألف ومائتي جنيه لمن أمضى ستة وثلاثين عاما من العمل كاملة. لقد نشروا خبرا غريبا جاءت به الصحف وهو قرار نسب للرئيس عبد القتاح السيسي بزيادة معاشات الشرطة والجيش وفتح باب المعاش الاستثنائي لهم. ولم يحدث ذلك مع بقية الناس في الوظائف المدنية وقالوا إن الرئيس اجتمع بهم وعبر عن حزنه لحالهم. والسؤال هنا هو عن أموال أصحاب المعاشات المهدرة والتي لا يستفاد بها إلا للحكومة. بعيدا عن رغبة الرئيس أو عدم رغبته، اهتمامه أو نسيانه، أموال المعاشات تجعل الحد الأدنى للمعاش مضاعفا ثلاث مرات وما يحدث هو الاستيلاء علي هذه الأموال بغير وجه حق واستخسارها في أصحابها. طبعا لا تنفع "الدعوى" على العاملين في رعاية أموال المعاشات لأنهم يمدون في عملهم حتى سن الخامسة وستين، والدولة العجوز معهم.