الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإخوان والأمريكان.. الأفعى تسكن بيت الشيطان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

العلاقة بين الطرفَيْن بدأت بعد الصدام بين الثورة والجماعة عام ١٩٥٤

واشنطن استخدمت الإخوان "مخلب قط" فى مواجهة حركات التحرر والاتحاد السوفيتى

"اتحاد الطلبة المسلمين فى الولايات المتحدة وكندا" أول كيان جمع كيان الإخوان فى أمريكا

العداء مع عبدالناصر ورفض الاشتراكية صنعا الوفاق بين الأفعى والشيطان

كنا قد وعدناكم أن نكشف بالوثائق تفاصيل علاقة الإخوان بواشنطن، وتطور تلك العلاقة المريبة حتى وقتنا الراهن، وها نحن ذا نفى بالوعد، واليوم نبدأ حلقات هذه السلسلة، التى نأمل أن تلقى الضوء على بعض من تفاصيل تلك العلاقة الملتبسة بين الطرفين، والتى وصلت إلى حد بناء أكبر فرع للجماعة فى بلاد العم سام، فى الوقت الذى تقوم فيه قوات المارينز بمطاردة جميع التيارات الإسلامية فى العالم.


البدايات:

بدأت علاقة الإخوان المسلمين بأمريكا بعد المواجهة التى حدثت بين الجماعة والثورة فى عام 1954، والتى كانت بسبب رغبة الجماعة فى السيطرة على القادة الجدد واختطاف الثورة لصالح الجماعة.

كانت الجماعة تعيش فى بداية الثورة حالة من الوفاق مع قادتها، خصوصًا بعد استثناء الجماعة من قرار حل الأحزاب السياسية، والذى أسهم فى تنامى شعور الجماعة بالقوة، وأدى بعد ذلك إلى الصدام.

الأسباب الحقيقية للصدام يرويها البكباشى جمال عبدالناصر فى قرار حل الجماعة، الذى صدر فى 14-1-1954، والذى يؤكد فيه أن: "نفرا من الصفوف الأولى فى هيئة الإخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية، مستغلين سلطان الدين على النفوس وبراءة وحماسة الشبان المسلمين، ولم يكونوا فى هذا مخلصين لوطن أو لدين‏.‏

ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم التى تقوم عليها هذه الهيئة لإحداث انقلاب فى نظام الحكم القائم تحت ستار الدين‏".‏


ويوضح جمال عبدالناصر فى متن قرار الحل التفصيلات التى أدت إلى وصول العلاقة بين الطرفين إلى طريق مسدود، والتى دفعت مجلس قيادة الثورة إلى اتخاذ مثل هذا القرار بالقول "ولقد سارت الحوادث بين الثورة وهيئة الإخوان قد جرت بالتسلسل الآتى‏:‏    

‏1‏- فى صباح يوم الثورة استدعى الأستاذ حسن العشماوى لسان حال المرشد العام إلى مقر القيادة العامة بكوبرى القبة، وأبلغ إليه أن يطلب من المرشد العام إصدار بيان لتأييد الثورة، لكن المرشد بقى فى مصيفه بالإسكندرية لائذا بالصمت، فلم يحضر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك، ثم أصدر بيانا مقتضبا، طلب بعده أن يقابل أحد رجال الثورة، فقابله البكباشى جمال عبدالناصر فى منزل الأستاذ صالح أبورقيق، الموظف بالجامعة العربية، وقد بدأ المرشد حديثه مطالبا بتطبيق أحكام القرآن فى الحال، فرد عليه البكباشى جمال عبدالناصر أن هذه الثورة قامت حربا على الظلم الاجتماعى والاستبداد السياسى والاستعمار البريطانى، وهى بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم‏.‏

فانتقل المرشد بالحديث إلى تحديد الملكية، وقال إن رأيه أن يكون الحد الأقصى ‏500‏ فدان‏، فرد عليه البكباشى جمال قائلا إن الثورة رأت التحديد بمائتى فدان فقط، وهى مصممة على ذلك، فانتقل المرشد بالحديث، قائلا إنه يرى لكى تؤيد هيئة الإخوان الثورة أن يعرض عليه أى تصرف للثورة قبل إقراره، فرد عليه البكباشى جمال، قائلا إن هذه الثورة قامت دون وصاية أحد عليها، وهى لن تقبل بحال أن توضع تحت وصاية أحد، وإن كان هذا لا يمنع القائمين على الثورة من التشاور فى السياسة العامة مع كل المخلصين من أهل الرأى دون التقيد بهيئة من الهيئات، ولم يلق هذا الحديث قبولا من نفس المرشد‏.‏


-‏ سارعت الثورة بعد نجاحها فى إعادة الحق إلى نصابه، وكان من أول أعمالها أن أعادت التحقيق فى مقتل الشهيد حسن البنا، فقبضت على المتهمين فى الوقت الذى كان المرشد لا يزال فيه فى مصيفه فى الإسكندرية‏.‏

‏3-‏ طالبت الثورة الرئيس السابق على ماهر بمجرد توليه الوزارة أن يصدر عفوا شاملا عن المعتقلين والمسجونين السياسيين، وفى مقدمتهم الإخوان، وقد نفذ هذا فعلا بمجرد تولى الرئيس نجيب رئاسة الوزارة‏.‏

‏4-‏ حينما تقرر إسناد الوزارة إلى الرئيس نجيب تقرر أن يشترك فيها الإخوان المسلمون بثلاثة أعضاء، على أن يكون أحدهم الأستاذ الشيخ أحد حسن الباقورى.‏


وقد تم اتصال تليفونى بين اللواء عبدالحكيم عامر والمرشد ظهر يوم 7‏ سبتمبر سنة 1952‏، فوافق على هذا الرأى، قائلا إنه سيبلغ القيادة بالاسمين الآخرين، ثم حضر الأستاذ حسن العشماوى إلى القيادة فى كوبرى القبة، وأبلغ البكباشى جمال عبدالناصر أن المرشد يرشح للوزارة الأستاذ منير الدله الموظف فى مجلس الدولة، والأستاذ حسن العشماوى المحامى، وقد عرض هذا الترشيح على مجلس الثورة فلم يوافق عليهما‏،‏ وطلب البكباشى جمال عبدالناصر من الأستاذ حسن العشماوى أن يبلغ ذلك إلى المرشد، ليرشح غيرهما، وفى الوقت نفسه اتصل البكباشى جمال بالمرشد فقال الأخير إنه سيجمع مكتب الإرشاد فى الساعة السادسة ويرد عليه بعد الاجتماع‏.‏


وقد أعاد البكباشى جمال الاتصال مرة أخرى بالمرشد فرد عليه أن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك فى الوزارة، فلما قال له‏:‏ لقد أخطرنا الشيخ الباقورى بموافقتك، وطلبنا منه أن يتقابل مع الوزراء فى الساعة السابعة لحلف اليمين، أجابه بأنه يرشح بعض أصدقاء الإخوان للاشتراك فى الوزارة ولا يوافق على ترشيح أحد من الإخوان‏.‏

وفى اليوم التالى صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل الشيخ الباقورى من هيئة الإخوان، فاستدعى البكباشى جمال عبدالناصر الأستاذ حسن العشماوى وعاتبه على هذا التصرف الذى يظهر الإخوان بمظهر الممتنع عن تأييد وزارة الرئيس نجيب، وهدد بنشر جميع التفاصيل التى لازمت تشكيل الوزارة، فكان رد العشماوى أن هذا النشر يحدث فرقة فى صفوف الإخوان، وليس لموقف المرشد العام، ورجاه عدم النشر‏.‏


‏- عندما طلب من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها قدم الإخوان إخطارا باعتبارهم حزبا سياسيا، وقد نصحت الثورة رجال الإخوان بألا يترددوا فى الحزبية، ويكفى أن يمارسوا دعوتهم الإسلامية بعيدا عن غبار المعارك السياسية والشهوات الحزبية، وقد ترددوا بادئ الأمر ثم استجابوا قبل انتهاء موعد تقديم الإخطارات، وطلبوا اعتبارهم هيئة، وطلبوا من البكباشى جمال عبدالناصر أن يساعدهم على تصحيح الأخطاء، فذهب إلى وزارة الداخلية، حيث تقابل مع المرشد فى مكتب الأستاذ سليمان حافظ وزير الداخلية وقتئذ، وتم الاتفاق على أن تطلب وزارة الداخلية من الإخوان تفسيرا عما إذا كانت أهدافهم سيعمل على تحقيقها عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات، وأن يكون رد الإخوان بالنفى حتى ينطبق عليهم القانون‏.‏

‏6- وفى صبيحة يوم صدور قرار الأحزاب فى يناير سنة ‏1953‏ حضر إلى مكتب البكباشى جمال عبدالناصر الصاغ صلاح شادى والأستاذ منير الدلة، وقالا له الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا هيئة الإخوان، ولهذا فإنهم يجب أن يكونوا فى وضع يمكنهم من أن يردوا على كل أسباب التساؤل، فلما سألهم ما هذا الوضع المطلوب؟ أجابا بأنهم يريدون الاشتراك فى الوزارة فقال لهما إننا لسنا فى محنة، وإذا كنتم تعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون، فقالوا له إذا لم توافق على هذا فإننا نطالب بتكوين لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها للموافقة عليها، وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إن أردتم التأييد، فقال لهم جمال لقد قلت للمرشد سابقا إننا لن نقبل الوصاية، وإننى أكررها اليوم مرة أخرى فى عزم وإصرار‏.‏ وكانت هذه الحادثة هى نقطة التحول فى موقف الإخوان من الثورة وحكومة الثورة‏.‏ إذ دأب المرشد بعد هذا على إعطاء تصريحات صحفية مهاجما فيها الثورة وحكومتها فى الصحافة الخارجية والداخلية، كما كانت تصدر الأوامر شفهيا إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائما فى المناسبات التى يعقدها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدى‏.‏


‏7‏- لما علم المرشد بتكوين هيئة التحرير تقابل مع البكباشى جمال فى مبنى القيادة بكوبرى القبة، وقال له إنه لا لزوم لإنشاء هيئة التحرير ما دام الإخوان قائمين، فرد عليه البكباشى جمال إن فى البلاد من لا يرغب فى الانضمام إلى الإخوان، وإن مجال الإصلاح متسع أمام الهيئتين، فقال المرشد إننى لن أؤيد هذه الهيئة، وبدأ منذ ذلك اليوم فى محاربة هيئة التحرير وإصدار أوامره بإثارة الشغب واختلاق المناسبات لإيجاد جو من الخصومة بين أبناء الوطن الواحد‏.‏

‏8-‏ وفى شهر مايو سنة ‏1953‏ ثبت لرجال الثورة أن هناك اتصالا بين بعض الإخوان المحيطين بالمرشد وبين الإنجليز عن طريق الدكتور محمد سالم الموظف فى شركة النقل والهندسة، وقد عرف البكباشى جمال من حديثه مع الأستاذ حسن العشماوى فى هذا الخصوص أنه حدث اتصال فعلا بين الأستاذ منير الدلة والأستاذ صالح أبورقيق ممثلين عن الإخوان وبين مستر‏ إيفانز‏ المستشار الشرقى للسفارة البريطانية، وأن هذا الحديث سيعرض حينما يتقابل البكباشى جمال والمرشد، وعندما التقى البكباشى جمال مع المرشد أظهر له استياءه من اتصال الإخوان مع الإنجليز والتحدث معهم فى القضية الوطنية، الأمر الذى يدعو إلى التضارب فى القول وإظهار البلاد بمظهر الانقسام".


بعد حل الجماعة تحرك نظامها الخاص لاغتيال ناصر فى حادثة المنشية الشهيرة، والتى انتهت بالفشل وتصاعد المواجهة بين الثورة والجماعة، اعتقل الآلاف من كوادر الجماعة، وتم فصل البعض من أشغالهم، وهرب كثيرون واختفوا، وكان الخيار الأفضل للكثير من أعضاء الجماعة هو السفر لأى دولة خارج مصر خصوصًا الدول النفطية مثل السعودية والتى كانت على خلاف فى هذا الوقت مع نظام عبدالناصر، ومنهم من اختار السفر للغرب خصوصا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك كونوا روابط إخوانية، وحاولوا البقاء متماسكين حتى تتضح الصورة فى مصر وتظهر الجماعة من جديد، وسنحاول فى هذه الحلقات عرض مراحل تطور الجماعة فى الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، حتى وقتنا هذا.


ولكن لماذا الولايات المتحدة الأمريكية؟!

كانت الولايات المتحدة فى فترة الخمسينيات تمثل حلما وبريقا لبعض القوى، خصوصا الإسلامية منها، وكانت تعد نفسها لوراثة الاستعمار القديم المتمثل فى إنجلترا وفرنسا، وتعانى منافسة حادة من الاتحاد السوفييتى الذى أخذ يسيطر وينشر أفكاره فى منطقة الشرق الأوسط، ووسط حركات التحرر الوطنى بشكل عام، الأمر الذى استنفر الأمريكان، وأخذوا فى البحث عن قوى يمكن الاعتماد عليها فى كسر شوكة قوى التحرر، من ناحية، والوقوف ضد تمدد نفوذ موسكو من ناحية أخرى، وسرعان ما وجدوا ضالتهم فى حركة الإخوان المسلمين.

كانت الجماعة ومعها عدد من المفكرين الإسلاميين يعتبرون الاشتراكية كفرا بواحا، ومن ينادى بها كفار يستحل دمهم، الأمر الذى أدى إلى مواجهات متعددة بين أنظمة وقوى التحرر الوطنى الناشئة، سواء تلك الحاكمة، كثوار يوليو، أو تلك التى تسعى إلى تحرير بلادها من ربقة المستعمر، كما عدد من بلدان المشرق العربي.

كل هذه العوامل أدت إلى ازدياد موجات هجرة الإسلاميين إلى الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، هربا من تلك المواجهة.

كانت فى الأغلب الأعم من تلك الهجرات منظمة، بمعنى أن هناك جهات عديدة تابعة لتلك الحركات، وفى القلب منها حركة الإخوان المسلمين، كانت تشرف على هجرة هؤلاء الشباب، ثم تقوم بإعادة تجميعهم، لتصفهم فى صفوف منظمة، تصب فى بوتقة واحدة.

وهو ما حدث بالفعل فى يناير 1963، عندما تكون "اتحاد الطلبة المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا"، وهو أول كيان يجمع الشباب المنتمين إلى حركة الإخوان فى أمريكا، وهو ما سنتحدث عنه وعن مسيرته تفصيليا فى الحلقات القادمة إن شاء الله.