الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجامعة العربية تفشل وتستمر على حالها.. إلى متى؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع الضربات الموجعة والمخاطر الحقيقية التى تنزل على عدد من الدول العربية، والتى تكاد لا تسلم منها دولة من المحيط إلى الخليج، يَفرِض موضوعُ جامعة الدول العربية نفسَه، ليس من باب الدور الحاسم الذى كان يُتوقع منها، وإنما، بالأساس، عن صحة وجواز أن يتوقع أحد، فرداً أو حزباً أو دولة، أن يكون بمقدور الجامعة القيام بدور حاسم!
بمعنى: هل يحسّ أى مواطن فى أى دولة عربية بجدوى أو بأثر لجامعة الدول العربية؟ هل تُراه يفتقد دوراً للجامعة فى إحدى الأزمات؟ أو يتذكر لها دوراً فاعلاً فى أزمة ما؟ أو أن يأمل منها دوراً فى إحدى الكوارث الكثيرة التى تضرب المنطقة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها؟ وهل تعتقد أى دولة عربية أنه لولا الجامعة لكانت أوضاعها أسوأ، أو أفضل، أو لما تمكنت هذه الدولة من حلّ إحدى مشاكلها، أو لتفاقمت هذه المشكلة إلى الأسوأ؟
للجامعة وجود تأسس منذ نحو 70 عاماً، تتركز عليها الأضواء فى مواسم، وتتوارى معظم الوقت، وفى كل الأحوال ليس لها تأثير على الأرض، فى حين أن إنشاءها كان يرصد مستهدفات عملية منها ما ينشد جمع الصف العربى إزاء قضايا سياسية عملية، بالتوازى مع مهام ثقافية تخصّ الهوية واللغة المشتركة بين أعضائها، وكانت فلسطين هى قضيتها المركزية. ولكنها خسرت التحدى الكبير بعد نحو ثلاثة أعوام من تشكيلها بتأسيس دولة إسرائيل، ثم توالت بعد ذ لك الكوارث على القضية المركزية، حتى تدهورت إلى هذا الدرك!
الحجج السريعة تتحدث عن القوى الكونية التى تدعم إسرائيل وليس للعرب، ولا لجامعتهم، بها قبل! ولكن هذا لا يفسر الفشل فى علاج المشاكل بين الفصائل الفلسطينية التى تفاقت إلى حد الانقسام والاحتراب فيما بينها، وإلى حد أن يكون الاسهل لكل فريق منها أن يتفاوض مع إسرائيل فى السر والعلن عن أن يجلس على مائدة مع شقيقه الفلسطينى!
وكان هذا وحده كفيلاً بالتوقف لمراجعة إذا ما كانت الأسس التى قامت عليها الجامعة صحيحة أم لا، كما كان يُفتَرَض أن نرى عدداً من الاستقالات من كبار مسئولى الجامعة، على الأقل احتراماً لأنفسهم أولاً، ثم للجماهير التى صَدَّقت الشعارات الأولى! ولكن، ما يبدو أنه حقيقة، أنه قد تشكلت قاعدة قوية من أصحاب المصلحة فى الاستمرار بأى صورة وبأى أداء، حتى إذا كنا انحدرنا إلى هذا الدرك!
ليس هذا فقط، بل إن الجامعة صارت تثبت يومياً فشلها فى تحقيق واحد من أهم أهدافها الأخرى، وهو المحافظة على استقلال وسيادة الدول العربية، حتى إن نظام الجامعة وآلية عملها والتناقضات الكبيرة التى تُفرِّق بين أعضائها، فى المصالح ونظم الحكم والأيديولوجيا، تكبح الجامعة عن اتخاذ مواقف فاعلة توئد النزاع المتوقع من منابعه، أو تعالجه إذا انفجر. بل إن بعض المخاطر على الدول العربية من "شقيقاتها" العربيات صارت أحياناً أفدح من مؤامرات الدول الأجنبية حتى منها دول الاستعمار القديم والجديد! وللأمانة، فإن قطر ليست وحدها الآن، كما أن الدور التخريبى تناوب عليه عدد من الدول عبر عمر الجامعة!
ومن الأخطاء الكبيرة الأخرى، أن الجامعة أثبتت بالممارسة الفعلية أنها تتحصن أحياناً وراء القوى الأجنبية وتستمد منها شرعية التدخل فى النزاعات العربية/ العربية، بما يعنى أنها لا تؤمن بشرعيتها، كمنظمة وكنظام، فى الانفراد بحسم بعض النزاعات بنفس الطريقة التى تشارِك بها مع القوى الأجنبية! وغابت حقيقة كبرى هى أن العكس هو الصحيح، أى أنها، بمشاركتها مع القوى الأجنبية، تضفى شرعية على هذه القوى التى تحقق مصالح استراتيجية لها لم تشارك العرب فى رسمها، بل هى ضد نظام الأمن العربى ولا تحقق إلا مصالح هذه القوى ومعها إسرائيل، وربما تسبق المصلحة الإسرائيلية ما عداها!
ولقد كانت حرب تحرير الكويت نموذجاً جلياً على ذلك!
ثم جاء الغزو الأمريكى للعراق، وتدميره واحتلاله وتقسيمه بعد حل جيشه، إعلاناً لفشل الجامعة التى وقفت مكتوفة الإيدى فى مواقع المشاهدين. وها هى مرحلة أخرى فى سوريا تكاد أن تكون متطابقة مع سابقتها، لتحقيق مهام إضافية على نفس الخط!
وللإنصاف، فإنه ليس فى يد الأمين العام الكثير لينطلق، لأنه مُكَبَّل بالميثاق، وبالآلية التى تفرض نفسها، وليس هنالك أمين عام للجامعة أوحى بأنه يصول ويجول مثلما فعل السيد عمرو موسى، الذى ينبغى الاعتراف له بكاريزما لدى قطاعات من الجماهير، وامتلاك لمهارات فى التواصل والدعاية، حتى إنه كان يظهر على التليفزيون فى بعض المواسم بأكثر من المذيعين مقدمى البرامج، ومع ذلك فقد شهدت أمانته للجامعة تدهوراً غير مسبوق فى نظام الأمن العربى: الغزو العراقى للكويت، ثم الغزو الأمريكى للعراق وتوابعه، ثم الغارات متعددة الجنسيات على ليبيا، وتفتيت الصومال وضياعها، وتقسيم السودان إلى دولتين لم تعد إحداهما تمتّ إلى العروبة، وقد تفاقم فى عهده أيضاً أكبر احتقار فى العصر الحديث لاتفاقيات دولية، وهى التى وقعتها إسرائيل ولم تلتزم منها بحرف واحد، وغير ذلك كثير، ولم يتجاوز موقف السيد عمرو موسى التصريحات التى لم يحقق أقصى أثر لها سوى مجرد تهدئة لبعض الفئات لبعض الوقت!
ولما كانت الظروف الحالية لا تساعد على الإطلاق على تطوير الجامعة ليكون لها قدر معقول من الصلاحيات الإقليمية (ليس هنالك أوهام أن تصل إلى صلاحيات مجلس الأمن!) بما يكفى للسماح لها بالتدخل لتحقيق شعارها القديم الخاص بالمحافظة على استقلال وسيادة الدول العربية، فليس هناك ما ينبئ عن أى إمكانية لتوافق عام، فعلى الأقل لا تساهم فى إضفاء الشرعية على القوى الأجنبية التى ترفع شعارات كاذبة لا تحترم العقل العربى وهى تتحدث عن تحرير الشعوب وعن نشر الديمقراطية ومحاربة استبداد الحكم، فى حين أنها تتغافل عن مصالح تتصور أنها غائبة عن إدراك فئات السياسيين والمثقفين العرب!
قد يكون من المفيد أن تركز الجامعة فى هذه الظروف المتراجعة على دور كانت توليه اهتماماً قبل 50 عاماً، منذ عهد الإدارة الثقافية فى الأمانة العامة فى الجامعة، حتى قبل قيام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1970، عندما طُرِحت أفكارٌ عظيمة عن ترجمة ونشر كتب عملاقة من تراث الإنسانية تعجز عن الاضطلاع بها دور النشر الساعية للربح، فقد أفادت الثقافة والمثقفين أيامها ببعض ما لم يكن يقدر عليه غيرها.