الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خطابان متناقضان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرفت مصر منذ الثالث من يوليو عام 2013 وعزل مرسي، خطابين سياسيين يتناقضان في الأسس والمنطلقات والأهداف والنتائج، وقد شغل هذان الخطابان الفضاء العام حتى هذه اللحظة، وشكلا معا قطبى الرحى في العملية الاستقطابية الواسعة التيى سيطرت على المجال السياسي العام.
أول هذه الخطابات خطاب 30 يونيو و3 يوليو الذي رسم مساراً سياسياً للبلاد وإقامة المؤسسات في الدولة عبر توافق وطني شاركت فيه القوى المدنية والمؤسسات الدينية، إضافة إلى الجيش والشرطة وقطاع كبير من المصريين من مختلف الفئات والتوجهات، وهذا الخطاب ارتكز على استعادة الدولة وإنقاذها من "الأخونة" وتأكيد طابعها المدنى الحديث وإقامة ديموقراطية تشاركية تتأسس على احترام الحريات والحقوق واستكمال ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2014.
أما الخطاب الثاني هو خطاب الإخوان ومؤيديهم من القوى الدينية الأخرى، وتركز هذا الخطاب حول استعادة المسار الديموقراطي الذى نجم عن ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وتعزيز الديموقراطية عبر استكمال مهام ثورة الخامس والعشرين من يناير وتوصيف ما حدث فى الثلاثين من يونيو عام 2013 باعتباره انقلاباً وضرورة عودة الشرعية الدستورية، أى عودة مرسى إلى الحكم والإخوان معه.
هذا الخطابان سيطرا على المجال السياسي العام، وشكلا معا أساس إنتاج الخطابات الفرعية الأخرى فى الإعلام والصحافة ووسائل الإعلام المختلفة.
خضع كل من هذين الخطابين لعمليات إعادة إنتاج مكبرة أو مصغرة فى جميع القضايا واستخدم كلاهما مفردات الإقصاء والتخلف والخيانة والأحادية، وألصقا هذه المفردات بمؤيدي الخطاب الآخر بمناسبة ودون مناسبة، وفي خضم هذا الاستقطاب بين هذين الخطابين تحرفت معاني مفردات ومفاهيم كثيرة عبر الاستخدام والتوظيف الإيديولوجي لهذه المفاهيم، فالثورة واستكمالها تعني العودة لحكم الإخوان الذى أضر بالبلاد والعباد طوال العام الذىي قضوه في الحكم والعودة لروح ثورة يناير عنت في خطاب الإخوان عودتهم إلى الحكم أما الديموقراطية فاتخذت طابع الإقصاء أى إقصاء المخالفين في الرأي والإيديولوجيا واعتبارهم خونة أو كفارا وفق سياق الخطاب الذي ترد فيه هذه المفردات.
الخطاب الإعلامي الذي أعاد إنتاج هذه الخطابات أضاف من عنده توصيفات وأوصاف ربما لم ترد في ذهن مؤسسي هذه الخطابات، وأصبحت الرؤى الأحادية هي التي تسيطر على المجال العام، حيث تركز الخطاب الأول والخطابات الفرعية الناجحة عنه على رفضه حكم الإخوان والدولة الدينية وخلط الدين بالسياسة، بينما ركز الخطاب الثاني على انتهاكات حقوق الإنسان والإضرار بالحريات العامة دون رؤية العنف الذي أحاط بمظاهرات الإخوان وتعديهم على المنشآت العامة والخاصة.
ولنا في هذا السياق ملاحظتان الأولى منهما تتعلق بمدى تعبير هذه الخطابات عن الجمهور والقوى السياسية المؤثرة، فالقول بوجود خطابين لا يعني أنهما متكافئان أو أنهما على قدم المساواة، أو أن ثمة انقسام فى المجتمع بين معسكرين متكافئين، وإنما الواقع أن خطاب 3 يوليو وما بعدها هو الخطاب السائد شعبياً وجماهيرياً وسياسياً ويعبر عن تكتل واسع بين القوى السياسية والمدنية وأجهزة الدولة المختلفة وكذلك قطاعات كبيرة من جمهرة المواطنين غير المسيسين، أما الخطاب الثانى فلا يعبر إلا عن قوى الإخوان ومؤيديهم من بعض القوى ذات التوجه الإسلامى ولم يكسب هذا الخطاب قوة إضافية سوى من بعض الغاضبين من تهميشهم بعد 30 يونيو وهي فئات ليست كبيرة على أية حال.
أما الملاحظة الثانية فهي أن سيطرة هذين الخطابين على النحو الذى ذكرناه تصادر إمكانية خلق خطاب ثالث يتجنب أخطاء هذين الخطابين ويستكمل أوجه النقص فى خطاب 3 يوليو ويدعمه بمقترحات ومفاهيم جديدة تواكب التغير فى الواقع ويعيد تأكيد المسار الديموقراطى الذى تنشده البلاد ويتجنب إصدار أحكام على المواطنين وفق النوايا والضمائر ويضعهم فى المعسكر الآخر المرفوض، هذا الخطاب الثالث يدعم ومكمل لخطاب 3 يوليو ويعوض أوجه القصور والثغرات القائمة فيه ويحول دون استفحال الاستقطاب على النحو الذى نراه.