الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

داعش يهتك الأسرار ويفضح الجميع!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انْظُرْ إلى هذا الكلام الخطير الذى فجَّرَه ضابط سابق فى جهاز الاستخبارات البريطانية عن تعاون بلاده مع أطرف أخرى، قال إن أمريكا واحدة منها، فى تأسيس تنظيم داعش وفى رعايته وتدريبه والإشراف على تسليحه وإطلاقه للعمل فى المنطقة، وأضاف بأن كل هذا يحقق مصلحة بلاده ومن معها فى محاربة عدوهم الرئيسى إيران بإضعاف حلفائها، خاصة نظام بشار الأسد فى سوريا، ونظام الحكم الشيعى فى العراق، الذى كان يمثله نورى المالكى مع بداية انطلاقة داعش، إضافة إلى استنزاف القوى والأحزاب فى المنطقة مثل حزب الله الذى هو حليف لإيران أيضاً!
وكان غريباً أن يُعلَن كل هذا على شاشة تليفزيون عربى، الأسبوع الماضى، مع ترجمة فورية، فيما بدا أن القصد منه هو إيصاله إلى كل الجماعات الحاكمة والتيارات السياسية فى الدول العربية مع الجماهير العربية العريضة بأسرع ما يكون فى عزّ اشتعال الموقف!
فهل وصل اللعب على المكشوف إلى حد تهديد العرب بمخاطر حقيقية على الأرض؟ وهل يسعى الغرب الآن بأى سلاح إلى إجبار نظم الحكم العربى على أن تصطف خلفهم خوفاً على حياتها وحفاظاً على وجودها؟
ذلك أن أول ما يلفت نظر أى حاكم أو سياسى أو مواطن عربى هو أنه من الصعب تصور أن يخرج ضابط من جهاز استخبارات بهذا الحجم، وبهذا التاريخ الزاخر بالخبرات العريضة عن واقع الإقليم وأديانه وثقافاته وعاداته، حتى إذا كان ترك الخدمة، ويُفشى أسراراً بهذه الأهمية فيما يبدو أنه فضيحة لبلاده عالمياً، وفيما يُوحِى بأنها مبادرة شخصية من المتحدث، ثم لا نسمع بعد ذلك عن مساءلته أو عن أخطار تتهدده، إلا إذا كان ذلك بالتنسيق مع جهاز المخابرات الذى كان يعمل به، أو تنفيذاً لأوامر صريحة من هذا الجهاز! وهذه ليست غريبة على أجهزة الاستخبارات الدولية العريقة فى عالم المؤامرات الكبرى أن تُكلِّف بعض رجالها الثقات من خارج الخدمة الرسمية بإشهار ما يُفيد الجهاز إشهاره دون أن يتورط الجهاز فى القول ولا فى ضرورة تفسير ما قرَّر بنفسه إفشاءه!
وقبلها بأيام قليلة، فى نفس السياق وبما يصبّ فى ذات الغرض، خرج نائب الرئيس الأمريكى شخصياً ليؤكد أخباراً متناثرة منذ عدة أشهر عن أن بعض الدول العربية تموّل داعش، ثم يتراجع بعدها ويعيد تفسير كلامه الواضح بمعانٍ أخرى، ولكن بعد أن أوصل المعنى المباشر لمن لم يكن يعرف!
ثم طلع خبير أمريكى آخر، فى عطلة نهاية الأسبوع الماضى، ليعلن أن بعض مقاتلى داعش تلقوا تدريباتهم على أيدى القوات الأمريكية فى عدة بلاد، منها تركيا، على مدى الـ 18 شهراً الماضية! أضِف إلى ذلك الأخبار التى لا تزال عالقة عن أن تركيا دعمت داعش بنحو 800 مليون دولار فى شراء بترول من إنتاج الحقول التى سيطر عليها داعش فى الإقليم الممتد الذى بسط سطوته عليه من أراض سورية وعراقية! بما يعنى أن داعش كان على درجة عالية من التدريب قبل خوضه للمذابح، كما أنه كان مكتفياً مالياً بما يسمح له بالصرف على تجنيد المقاتلين الجدد وعلى إيوائهم وإطعامهم وتوفير سلاحهم وذخيرتهم إلى حد يمكنهم من إسقاط طائرات عراقية تهاجم معسكراتهم!
ناهيك عن دور إسرائيل فى الموضوع، وهو ما أكده خليفة داعش المزعوم برفض مطالب مقاتليه أن يتوجهوا بعملياتهم ضد إسرائيل، عندنا قال لهم إن الله لم يأمرنا بقتال إسرائيل!
كما انفضح فى هذا السياق دور تركيا، الذى كان يتستر وراء شعارات ضد مصر، إبان العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة، بالادعاء أن مصر تشارك إسرائيل وتدعمها بإغلاق معبر رفح أمام الفلسطينيين، فإذا بتركيا الآن تنسى هذا اللغو الدعائى الذى ظلت تكرره كالببغاء، وتغلق الحدود أمام أكراد سوريا الفارين من مذابح داعش التى لم يشهدها العصر الحديث، وتتركهم للموت المحقق، ولم تكترث تركيا ما دام أن هؤلاء من أعدائها الأكراد الذين هم امتداد للأكراد فى تركيا المطالبين بحقوقهم التاريخية!
وفى خلفية كل ذلك تتردد أخبار عن أن مصانع السلاح فى أمريكا تعيش لحظة انتعاش تاريخية، حيث صار زبائنها من كلتا الناحيتين المتحاربتين: من جانب، تقبل أمريكا وحلفاؤها على استخدام هذا السلاح، ومن جانب آخر تتغافل أمريكا عن السلاح الأمريكى المهرب إلى الأطراف الأخرى! إلى حد أن بعض الأخبار المتداوَلة تقول إن سلاح داعش كله أمريكى، حتى سيارة الخليفة أمير المؤمنين التى ترفع علم الخلافة فهى أمريكية من ذات الدفع الرباعى مصفحة محصنة ضد النيران الأمريكية!
ثم نأتى للمهم! هل تتوافق الأغراض المُعلَنة للتحالف الغربى، فيما يقولون إنه حرب ضد داعش، مع مخططاتهم الحقيقية؟ أولاً، كيف تكون حرباً حقيقية ضد التنظيم الذى ساعدوا على تأسيسه بأنفسهم ليحقق لهم مصالحهم والذى يؤكد كل يوم أنه لم يخرج عن الخط؟ وثانياً، وإذا لم يكونوا أسسوه وإذا لم يكن يحقق مصالحهم، كيف يمكن تصديق أن القوات الأمريكية، التى هى مجهزة لمواجهة حرب كونية ضد قوى عظمى، تعجز عن القضاء على داعش، بل وتصدر البيانات الرسمية من البنتاجون تقول إنهم لن يتمكنوا من وقف زحف داعش واستيلائه على عدد من المدن فى العراق وسوريا؟! وثالثاً، كيف للضربات الأمريكية أن تخيب فى إصابة داعش فى سوريا وتُوقِع ضحايا مدنيين أبرياء وتُدمِّر صوامع للغلال ومطارات مدنية لا يستخدمها داعش؟ ورابعاً، ألا يُذكِّرك هذا بمعارك تدمير العراق وبالسعادة التى أعرب عنها قادة إسرائيليون بعد أن تخلصت حدودهم الشرقية من الخطر لزمن قالوا إنه يمتد إلى 100 عام؟
المؤكد أن كل هذا فى اللحظة الراهنة، واستمراره لأطول فترة ممكنة، يحقق مصالح التحالف الغربى، مع أكبر فائدة تعود على إسرائيل، ولكن هل حسب هذا التحالف التبعات المتوقعة عن حربهم المزعومة؟ هل يثقون حقاً أن يظل داعش منضوياً تحت لوائهم ولا يحاول المروق، على الأقل تحت ضغط قواعده التى لم تشارك فى مؤامرة التأسيس، وإنما هى تؤمن بالشعارات المرفوعة عن نصرة الإسلام؟ ثم، لقد اكتشفت بعض دول التحالف الغربى أن بعض مواطنيهم يحاربون بالفعل، وعن عقيدة، فى صفوف داعش، وأن آخرين يسعون للانضمام، فهل يتذكرون ما فعله العرب الأفغان فى أوطانهم عندما عادوا بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفييتى؟