الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا يبقى من عبد الناصر؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الزعامات التاريخية رغم رحيلها عن عالمنا فإنها تبقى حية فى ذاكرة المواطنين والشعوب، ذلك أن إنجازاتها وآثارها تتميز بأنها عابرة للزمن والمكان الذى ظهرت فيه، فهى تترك بصماتها على العصر الذى شهد مولدها وساهمت فى أحداثه وتحولاته وهذا الإسهام فى صناعة العصر يجعلها تستعصى على النسيان.
زعامة عبد الناصر تنخرط فى هذا الإطار، فالرجل رحمة الله عليه كان وبلا أدنى شك أحد صناع النصف الثانى من القرن العشرين، مع زعماء مثل نهرو وتيتو ونكروما، حيث ساهم وساهموا معه فى صياغة معالم هذه الحقبة على الصعيد السياسى والاستراتيجى والتنموى، عبر إنشاء تحالف باندونج وصياغة سياسات عدم الانحياز والحياد الإيجابى وتشكيل نموذج تنموى يستجيب لحاجات شعوب العالم الثالث وخاصة الطبقات الفقيرة والمحرومة.
تخطى عبد الناصر عتبة الوطنية ليصبح زعيمًا عالميًا له تقديره واحترامه وجمهوره عبر العالم، وذلك باعتباره أحد رموز حركة التحرر الوطنى فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث جعل من مصر بلاده مركز دعم هذه الحركات وتعزيز مطالبها الوطنية فى التحرر من الاستعمار والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها.
فى جميع مراحل حركة التحرر الوطنية كانت الغالبية منها فى أقطار إفريقيا وآسيا وغيرهما تتخذ من القاهرة منصات لانطلاقها وبث دعايتها ومشروعها الوطنى من خلال الدعم الذى تلقته من قيادة عبد الناصر ورفاقه ومصر معهم، كانت القاهرة صوت من لا صوت له، صوت من غيّب الاستعمار التقليدى صوته، واتخذ هذا الدعم كافة الأشكال الاقتصادية المادية والعسكرية والمعنوية.
رحل عبد الناصر ولكن ما يبقى منه كثير وكثير جدًا، إذ يبقى محاولة تصنيع مصر وإنصاف الفقراء من الفلاحين وغيرهم عبر مبادئ العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والانحياز للبسطاء، يبقى تعزيز مواقع الطبقة الوسطى عبر مجانية التعليم والخدمات الصحية والعلاجية، يبقى السد العالى وأمن مصر المائى ومصادر الطاقة الكهربائية، وفوق ذلك يبقى الاستقلال الوطنى السياسى والاقتصادى والاعتماد على سواعد المصريين لبناء المشروع النهضوى والاقتصادى والوطنى.
وإذا كان التاريخ لا يعيد نفسه فإنه من المؤكد أنه يمكن استلهام المبادئ والقيم التى أحاطت بالتجربة الناصرية ووجهتها لتكون مرشدًا وملهمًا فى المرحلة الراهنة من إعادة بناء مصر والدولة، مثل مبادئ العدالة الاجتماعية ومبدأ المواطنة ومبدأ المساواة فى توزيع الثروات الوطنية ومبدأ استقلال الإرادة والاستقلال الوطنى والدور الإقليمى الرائد لمصر فى عالمها العربى والإفريقى والإسلامى.
هذه المبادئ تمثل القيم العليا للمشروع الناصرى وهى لا ترتبط بمكان معين أو زمن معين، بل هى صالحة لمصر فى الوقت الحاضر وفق نموذج جديد تتمكن مصر من بنائه وصياغته على ضوء المعطيات الجديدة فى الإقليم والعالم، وهذا يعنى أنه لا يمكن استعادة النموذج الناصرى بحذافيره وتفصيلاته بل بمبادئه وقيمه التى بقيت ضمن ميراث عبد الناصر وميراث مصر.