الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المتنبي الحزين في مصر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتل المتنبي مرتبة عظيمة في الشعر العربي لا ينافسه فيها إلا تلميذه أبو العلاء المعري الذي لم يقابله . للمتنبي قصائد عظيمة تظل عابرة للأزمان لكن قصيدته "عيد بأية حال عدت ياعيد" تقفز كل عام إلى ذاكرتي وتقف أمامي . هي قصيدة كتبها وهو فار من مصر يائسا من حاكمها كافور الإخشيدي . بعيدا عن أبياتها الأخيرة التي تعاير كافور بكونه عبدا سابقا وكونه خصيا فأبياتها الأولى تقفز كل عيد . كنت في سنوات ما قبل يناير في كل عيد أكتب بيت الشعر العظيم "نامت نواطير مصر عن ثعالبها وقد بشمن وما تفنى العناقيد" تلخيصا لحالة النهب الواسع لمقدرات مصر الاقتصادية وتوصيلها هدايا لحد البيت لسعيدي الحظ في ارتباطهم مع النظام ونواطيره، حراسه . وأفكر دائما أن الأمر قديم حقا في مصر. وأتذكر مقولة لمناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حين سألوه في أحد المؤتمرات الصحفية لو لم تكن رئيسا لوزراء إسرائيل فأي دولة كنت تحب أن تكون رئيسا لوزرائها فأجاب: مصر . بالطبع ضحك الحضور فقال لأنها دولة يتم نهبها منذ سبعة آلاف سنة ولا تزال واقفة على قدميها. طبعا مصر نهبت كثيرا جدا في العصور القديمة . كانت تسمى سلة غلال العالم في العصرين اليوناني والروماني. وفي العصور الإسلامية هناك موقف رائع بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص . لقد أبعد ابن الخطاب عمرو بن العاص عن ولاية مصر وبعد عام وصل الخراج إلى المدينة أكثر كثيرا جدا مما كان يرسله ابن العاص وفي جلسة بينهما قال بن الخطاب لابن العاص " لقد درت اللقحة بعدك ياعمرو" واللقحة هي أنثى الحيوان فقال ابن العاص "ولكن جاع أولادها". والحقيقة أن مصر كانت مطمعا لكل الدنيا لكن بعد أن تحررت من الاستعمار البريطاني صارت مطمعا لفريق من أولادها وخاصة منذ السبعينات من القرن الماضي حيث بلغ الطمع درجة من الفجر لم تستطع ثورة يناير ولا يونيو استرجاع ما نهب منها حتي الآن. حديث الاقتصاد يمشي معنا ومعي من عام إلى عام لكني هذا العام وجدت نفسي أقف عند بيت الشعر الثاني في القصيدة الشهيرة:
"عيد بأية حال عدت ياعيد ... بما مضى أم لأمر فيك تجديد"
" أما الأحبة فالبيداء دونهم ... فليت دونك بيدا دونها بيد"
الصورة مؤلمة وشديدة الحزن ويمكن تفسيرها مباشرة أن المتنبي في مصر بعيد عن العراق، ودون مصر والعراق بيد وصحارٍ واسعة . لكن إذا نسيت موطن المتنبي الأول فستجد بيت الشعر يصف حالة الوحدة والفراق فالبيد يمكن أن تكون مسافات روحية وهو لايجد علاجا لها إلا الدعوة أن لايعود العيد " فليت دونك بيدا دونها بيد" أي ليت بيننا وبينك صحارٍ لا تنقطع ولا تنتهي . مسافات لا تجعلك تعود إلا ومعك الأحبة . ثم يأتي بيت الشعر الذي يؤكد حالة حزنه وألمه العميق فيقول
" يا ساقييّ أخمر في كؤوسكما... أم في كؤوسكما همٌّ وتسهيد ؟ "
وهكذا لاشىء يخرجه من حالة الحزن والهم . صحيح أنه ينتقم لنفسه بعد ذلك فيصف كيف أن الكرم عند الحاكم كافور لايزيد على كلام في كلام وان الكرم الحقيقي لم يعد موجودا في حكام مصر لكن كل ذلك لا يهمني . أو لم يهمني هذا العام ووجدت نفسي أقف عند ضياع الأحبة . أجل ضاع كثير من الأحبة يأتون اليّ ومؤكد إلى غيري من الفضاء في رؤى لا يعرفها إلا من عرف الفقد . ولا أدري لماذا هذا العام شعرت بحاجتي وشوقي إليهم أكثر من كل عام . لم يعد ما حولي ينسيني لا بالبهجة ولا بالانشغال . ولا أتمني لأحد أن يشعر بذلك . ومن ثم أرجو أن تكون أيامنا القادمة أفضل لننسى المتنبي حتى في مشاعره الذاتية التي تخلعنا عن الأرض .