الخميس 06 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحرب ضد داعش تزداد غموضاً!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لو أخذتَ بجدية ظاهر تصريحات أعلى مستوى فى الإدارة الأمريكية، الرئيس أوباما ونائبه بايدن، عن تنظيم داعش وعن الحرب التى تقودها أمريكا ضده الآن، فمعنى هذا أن لديهم اضطراباً كبيراً لا يقلّ عما تعانى منه دول العالم الثالث! وإما أن يكون الإرباك مُتعمَّداً لأغراض لا تزال فى طور السرية!
فمن الصعوبة تصديق الرئيس أوباما، فى تصريحه قبل أيام، أنه أخطأ فى تقدير قوة داعش، لأن أى رئيس أمريكى عندما يتحدث بلسان الأنا فهو يقصد دولته العظمى، يعنى إدارته بكل مؤسساتها، بما فيها أطقم الخبراء فى كل التخصصات وفى كل بقاع العالم وبكل اللغات، والذين لا يكوِّنون آراءهم إلا بعد دراسة تقارير المعلومات والتحليلات التى تقوم بها أجهزة التخابر والأمن ذات الأذرع الطويلة التى لا تبعد عنها شاردة أو واردة باتساع الكوكب، أو هكذا دأبت هذه الأجهزة على ترسيخ هذه الصورة عنها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، تارة بالكلام الصريح وتارة عن طريق تسريب المعلومات فى مذكرات لعملاء سابقين وغيرهم، أو فى أخبار وتقارير صحفية يُتعمَد الإيحاء بأنه خبطات صحفية، أو من خلال معالجات سينمائية..إلخ
هكذا يجيء تصريح أوباما الأخير وكأنه يُضفى على شخصه وعلى سياسات بلاده براءة لا تتفق مع الواقع، خاصة بعد أن تسربت معلومات منذ أشهر قليلة دارت حول العالم عن ضلوع أمريكا، مع إسرائيل وبريطانيا، فى رعاية نشأة داعش والإشراف على تدريب زعيمها وتأهيله لقيادة التنظيم بعد أن جرى شحنه بأفكار ومقولات تحقق مصالح المتآمرين!
يكفى أن خليفة داعش، رداً على سؤال رجاله المقاتلين عن متى يبدأ جهادُهم ضد إسرائيل لمساعدة أخوتهم فى غزة، عندما كانت إسرائيل تشن ضدهم أبشع المجازر، قال لهم بصريح العبارة إن الله لم يأمرهم بقتال إسرائيل! فأعطى بذلك دليلاً مُفحِماً لمن لم يكن على علم بما جرى نشره قبلها على أن داعش لم ينشأ لمواجهة إسرائيل، على الأقل طبقاً للخطة الموضوعة له والتى ليس هنالك، حتى الآن، ما ينبئ عن تغييرها!
وأما النائب بايدن، فإن تراجعه السريع عن تصريحه الواضح مؤخراً لا يبدد الخطورة التى وصلت إلى الناس مما حاول بعد ذلك أن يخفف من وطأته، ذلك أنه اتهم تركيا وعدداً من الدول العربية شديدة القرب من أمريكا بأن هَمّهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد، وأضاف بأنهم لذلك شنّوا حرباً بالوكالة بين السُّنة والشيعة، وقدَّموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون مقاتلة الأسد!!
لاحظ أن داعش مع بعض التنظيمات الأخرى، منها ما يمثل القاعدة فى سوريا، هم من أشد المقاتلين ضد الأسد، بما يلقى بالاتهام على الدول الصديقة لأمريكا أنها أمدت داعش ببعض هذا العون الهائل! ولا يمكن وفق قواعد التعامل بين أمريكا وحلفائها أن يكون هذا الدعم من وراء ظهر أمريكا!
وهكذا تتشكل إحدى علامات الاستفهام الكبرى فى هذه المتاهة: ماذا كان منطق وأهداف أمريكا وأصدقائها من المساعدة فى تأسيس داعش ثم فى دعمه ثم فى السكوت عليه وتركه يستفحل حتى وصل إلى ما وصل إليه؟ وحتى الدول العربية التى لم تشارك فى حشو أدمغة داعش بأفكار معينة، فإن النبع المتطرف الذى ينهل منه داعش وشركاه متاح، بل إن أجهزة الأمن والتخابر العربية تعرفه معرفة الخبير، ولم يكن من الصعب عليهم أن يتوقعوا أن يلجأ داعش إلى المجازر وعمليات الإبادة الهمجية حتى قبل أن تبدأ! ثم ما الذى جدّ، ولم يكن متوقعاً، مما جعل المؤيدين ينقلبون إلى محاربة داعش؟ وكيف يقفز كل هؤلاء فوق هذه الأسئلة الكبرى، ولا يحترمون عقول شعوبهم صاحبة الحق فى معرفة هذه الخفايا التى تخترق أهم تفاصيل حياتهم؟ ثم ماذا عما تنشره بعض الصحف العالمية، وتنقل عنها صحف القاهرة وغيرها، عن أن تعاون بعض هذه الدول مع داعش لا يزال مستمراً، ومن ذلك أن تركيا تدفع له نحو 800 مليون دولار مقابل الحصول على البترول الذى نجح داعش، بفضل معاونة هذه الدول، فى فرض هيمنته على حقوله!
وقد زاد الموضوع تعقيداً، بل وخطراً بما ينذر باضطرابات واسعة النطاق قد تمتد لمدى غير معلوم، عندما أعلنت طالبان عن تعهدها بإرسال نحو 1500 مقاتل من كوادرها لما قالت إنه خدمة للإسلام، ولمساندة داعش فى الدفاع عن نفسه ضد التحالف الذى تقوده أمريكا! فهل يخرج علينا أوباما مجدداً ويقول هذه المرة أيضاً إنه أخطأ بعدم توقع هذا الاحتمال؟
لقد أحسن الرئيس السيسى برفضه أن يكون تابعاً للقرار الأمريكى فى هذه الحرب الغامضة مجهولة الأهداف، وبكل ما يحيط بها من علامات استفهام وتعجب، برغم أن القضاء على داعش ينهى أحد أسباب الاضطرابات الأمنية التى تعانى منها البلاد. كما كان السيسى موفقاً بربطه بين داعش وظاهرة الإرهاب الممتدة والمنتشرة والتى لا يُشكِّل داعش سوى أحد أعراضها، وأما مصر فهى تعانى من مفرخة الإرهاب الكبرى المتمثلة فى جماعة الإخوان وحلفائها فى سيناء وغيرها, مما يفرض عليها أن تجرى حسابات دقيقة فى كل خطوة تتخذها فى التصدى للإرهاب!
أما هذه الحرب التى تقودها أمريكا الآن، والتى توجه فيها الضربات الموجعة للمطارات المدنية والمصانع وصوامع الغلال بزعم أنها قواعد لداعش، ومع سقوط المدنيين الذى هم فى الأصل ضحايا داعش، فمن الواضح أن الغرض منها تدمير سوريا والإجهاز على ما تبقى من العراق.
لذلك فمن المتوقع أن لا يلتزم من يحاربون داعش الآن فيما يدّعون أن هدفهم هو القضاء عليه، وهم أنفسهم من احتضنوا فكرة إنشائه ورعوا نموه وصمتوا على تقدمه السريع، الذى طارت فيه آلاف الرءووس، حتى تمكن، وفق بعض التقارير الصحفية، من فرض سطوته على نحو ثُلث سوريا وعلى مساحات ممتدة من العراق!