الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

إسرائيل في ذكرى أكتوبر: حالة من التخبط تسود بين صحفيي النظام والمعارضة.. التكرار الإخبارى كل عام يولد حالة من الاستياء لدى المواطنين.. وغياب ملحوظ لقيادات الحرب الإسرائيلية عن الشاشت في هذا اليوم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحتفل مصر منذ 41 عاما بذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة بطرق عديدة، أهمها الاحتفاء الإعلامي بالمقاتلين وبث أفلام وثائقية وصور من أرض المعركة، علاوة على ما تشهده الشوارع من خروج للمواطنين الذين يحملون الإعلام تأييدًا لجيشهم الذي يخرج إليهم لتقديم العروض الجوية ووضع الورود على منصة الجندى المجهول وتكريم شهداء الحرب في جميع أرجاء المحافظات، ولكن يظل السؤال: "كيف تمر ذكرى تلك الحرب على إسرائيل؟ وما الذي يبرزه الإعلام الصهيوني كل عام ليحاول إرضاء الشعب الصهيوني وتخفيف ذلك الجرح الذي يفتح كل عام من قبل الإعلام العالمي؟".


تخبط الإعلام الصهيوني:

بداية وقبل كل شيء يبدأ الإعلام الإسرائيلي بالتحضير لهذه الذكرى قبلها بيومين أو ثلاثة على الأكثر ليرسخ في عقل الشعب أن إسرائيل لم تنهزم كما يشاع؛ ولكن ما حدث كان خطأ سيتم التراجع عنه في القريب، بتلك الكلمات يعزى الإعلام الإسرائيلي شعبه على مدى الـ41 عاما الماضية، ما أدى لاستياء كتاب ومفكرين إسرائيليين لعدم التجديد في مثل هذا اليوم.

وقد ظهر ذلك الامتعاض واضحا في مقال للكاتب الصحفى "يؤاف شحام" المنشور أمس على موقع المصدر الإسرائيلي، والذي جاء بعنوان "حرب أكتوبر.. انتصار أم هزيمة؟!"، حيث قال: "في كل عام، يقوم المعلقون بإظهار نفس الحقائق المعروفة للجميع، كان هناك علم لدى جولدا مائير وموشيه ديّان بالنسبة للعمليات المصرية، وقد قررا عدم تجنيد الاحتياط من الجنود. كان رئيس المخابرات الإسرائيلي على علم بالتحذيرات التي قرأ من خلالها إشارات لحرب قريبة مع إسرائيل، إلّا إنه كان متأكدًا من أنها لن تنشب، وتفاجأ الجيش الإسرائيلي من هذه الحرب، وهناك الكثير من الجنود الذين دفعوا ثمنا باهظا لحياتهم. كما أن هناك تغطية إعلامية واسعة النطاق لذكرى ضحايا هذه الحرب".

في حين أن هناك تخبطات لدى عدد من الكتاب الإسرائيليين الآخرين الذين يحاولون تبرير الهزيمة وتحويلها إلى انتصار، زاعمين أن دولة إسرائيل- كما يسمونها- تركت الحرب حفاظًا على حياة جنودها، وهو ما أبرزه المعلق الإسرائيلي "يسرائيل هرئيل" في مقاله بجريدة "هآرتس"، حيث قال: "إنه نتصار غير مسبوق، إنقاذ الدولة، كنتيجة لتضحيات الجنود والقادة.. فقد كانت الرواية الحقيقية لهذه الحرب. لكن، في الحقيقة، الرواية الكاذبة والمتلاعب بها، تجذرت في الوعي الإسرائيلي- حيث يجب إعادة صياغة هذه الرواية من جديد.. فبعد 40 عامًا من جلد الذات، حان الوقت للتخلص من فكرة الصدمة النفسية التي زعزعت ثقتنا بأنفسنا، وحياتنا، علينا أن نتخلص من الرواية الكاذبة، وأن نجذر في أنفسنا الرواية العادلة والتفاؤلية".

هكذا رأينا نوعا من التخبط الإعلامي الإسرائيلي بين ما توقعناه من صحافة النظام والمعارضة بعد مرور 41 عاما على ذكرى نكستهم وانتصارنا، وما زال الجدل الإعلامي في دولتهم قائما حتى الآن.


غياب ملحوظ لقيادات الحرب عن الشاشات

كما نرى على الجانب الآخر غيابا ملحوظا لقيادات الحرب الإسرائيلية عن شاشات الإعلام في مثل هذا اليوم، وذلك لافتقادهم المادة التي من الممكن أن يقدموها للشعب، ولذلك فإن الصحافة الإسرائيلية تعتمد في مثل هذه الأيام على شيئين رئيسيين هما نشر عدد من التصريحات الخاصة بمقاتلين من خلال الوثائق التي دونوا فيها شهاداتهم في التحقيقات التي أجرتها لجنة "أجرانات" والتي كان من دورها التحقيق مع كل القادات الإسرائيليين لكشف سبب الهزيمة ونشر تلك الوثائق على أنها تصريحات تاريخية موثقة، أما الركن الرئيسي الثانى وهو تصريح رئيس الدولة الصهيونية، عما إذا كان انتصارا أو هزيمة، وهو ما اتضح خصوصًا في هذه الذكرى، حيث إذا حاولت البحث على مواقع الإنترنت ستجد أن عددا قليلا جدا من الذين وافقوا على عمل حوارات صحفية، بل لن تجد أكثر من حوار صحفى واحد هذا العام فازت به صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مع رئيس شعبة الاستخبارت العسكريه في أثناء حرب " 1973 " اللواء " إيلي زاعيرا "، وهو الشخص الذي حاولت القيادات الإسرائيلية مرارا وتكرارًا تعليق فشلها عليه.

ولكن زاعيرا أكد خلال حواره أن القيادات لم يأخذوا مطلقا بآرائه التي قدمها وتحدث بكل صراحة في حواره عن أخطائه وأخطاء الآخرين، وفشل الاستخبارات الإسرائيلية، والصراع مع رئيس الموساد آنذاك تسفي زامير، بشأن قصة الجاسوس المصري أشرف مروان، والساعات المصيرية قبل الحرب، عن مشاعره بعد تقرير لجنة "أغرانات" التي حققت في إخفاقات الحرب" .


تصريحات رئيس الدولة الشيء الوحيد المتجدد كل عام

بعد حالة الفقر الإخبارى التي تسيطر على الإعلام الإسرائيلي كل عام، وبعد اضطرارها لإعادة ما يتم نشره مع إضافة بعض الكلمات للعناوين لمحاولة خلق مادة إخبارية جديدة، يقف رئيس الدولة أمام شعبه، لتكون كلمته هي المنقذ الوحيد لهم في مثل تلك الظروف، فهى الكلمة التي تتجدد في شكلها مع الاحتفاظ بنفس المضمون الذي يتمثل في هزيمتهم والذي حاول عدة رؤساء من قبل الخروج من هذا المضمون ولكنهم فشلوا، فيما تقوم وسائل الإعلام باستغلال هذه الكلمة لتثري بها مادتها الإخبارية عن طريق تصريحات وتعليقات وردود أفعال من قبل السياسيين المتواجدين حاليا، وبالرغم من تواجد عدد كبير من المحاربين القدامى في كل عام أثناء تأبين ذكرى نكبتهم في القدس المحتلة، ومن القليل أن تجد جنديا أو أحد القيادات يوافق على أن يدلى بتصريحات عن سبب هزيمتهم الكبرى.

ولعل هذه السنة أكد رئيس الدولة الإسرائيلية "رءوفين رليفين" في كلمته الإعلاميه خلال مراسم التأبين التي تتم كل عام بمناسبة هذه الذكرى في القدس المحتلة أنه يستحيل الصفح عن خطايا حرب أكتوبر، قائلا: "إن تلك الخطايا تتمثل في الصلف والغرور والاستهتار بالأعداء وتجاهل الحقائق، وعدم تهيئة جنود جيش الدفاع للقتال كما يجب".

هذا إلى جانب الكثير من القصص التي تثبت تخبط وفقر الإعلام الإسرائيلي في مثل هذا اليوم، فانظر مثلا لموقع "مثل " جورزاليم بوسط "، أحد المواقع الإخبارية الإسرائيلية الناطقه باللغه الانجليزيه، لتجد عددًا قليلا جدا من الاخبار التي تكتب عن هذه الذكرى غير مرتبة حسب تواريخ النشر.


جيش الاحتلال يحتفل بذكرى نكبته كل عام بالقدس المحتلة

اعتدنا دائما أن الشعب المنتصر يحتفل كل عام بذكرى انتصاراته وسط حالة من الفرحة والبهجة لدى الشعب ولدى الجيش، ولكن إسرائيل حاولت إدخال الشعب في حالة من الفخر والسرور وترسيخ حب الأرض فيهم فقامت بتحويل ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة إلى حفل تأبين لشهدائها فوق جبل هرتزل الذي يطل على القدس المحتلة، حيث توجد هناك مقبرتهم العسكرية بحضور رئيس الدولة وعدد من المحاربين القدامى لوضع أكاليل الزهور على مقابر الجنود الذين ماتوا في الحرب، وإلقاء كلمة يحاول فيها الرئيس ومن معه تخفيف الجراح وتحويل الهزيمة إلى انتصار لترسيخ مبدأ أن الدولة دافعت عن جنودها بالانسحاب فورا، وهو الاعتقاد الخاطئ حيث إن عدد شهداء الجيش المصرى كان أضعاف عدد المقتولين من جيش العدو.


الشعب الإسرائيلي يحاول تجاهل هذه النكسة بالصمت

في الوقت ذاته يعيش الشعب الإسرائيلي هذا اليوم في صمت حيث لا تعليق ولا مظاهرات ولا احتجاجات، فالصدمة التي يواجهها بتذكره النكسة تجعل منه شخصا منكسرا وسط العالم، فيفضل أن يقابلها بالصمت.

وفى عام 2010 حاول الأسري الإسرائيليون تحريك هذا الصمت بعمل معرض فنى بنادي المحاربين القدامى بالقدس المحتلة لعرض صور حاولوا عن طريقها إدانة الجيش المصرى في التعامل معهم عن طريق تعذيبهم بشتى الطرق والوسائل ولكن لم يلاق هذا العمل رواجا عالميا ومرت تلك الذكرى على الشعب الإسرائيلي في هدوء ليصبح الصمت هو الكلمة الأولى والأخيرة للشعب الإسرائيلي هذا العام.

هكذا تعيش إسرائيل ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة شعبا وإعلاما دون أي جديد وما زالت غيبوبة الصدمة تسيطر عليها حتى الآن.