الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قانون الأحزاب السياسية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التطور التاريخي والتجارب الأخرى (8-8)

في إطار حديثنا عن قانون الأحزاب في مصر، أوضحنا، في مقالات سابقة، أننا سنعتمد منهاجية تاريخية اجتماعية إلى جوار الاهتمام بمقارنة القانون المصري بنظيره في بلدان متنوعة من حيث درجة التطور الديموقراطي وذلك تأكيدا على أن مصر لا تستطيع أن تحيا بمعزل عن العصر، و بدأنا بالفعل ، بعد تحديد هذه المنهاجية بشىء من التفصيل، الحديث في المقال الأول عن نشأة الأحزاب في مصر بداية بالثورة العرابية والحزب الوطني القديم ثم تطرقنا إلى ظهور عدد كبير من الأحزاب مع موجة التحديث التي شهدها القرن العشرين، وحاولنا في المقال التالي أن نستكمل الاستعراض التاريخي الاجتماعي لتطور الأحزاب السياسية فتعرضنا لثورة ١٩١٩ التي كانت السبب في ظهور أهم موجة حزبية في مصر، ثم تابعنا بعد ذلك التطورات التي انتهت بظهور قانون ٤٠ لسنة ٧٧ والذي يمكننا أن نعتبره ثمرة لموجة النضال الديموقراطي التي بدأت في ١٩٦٨ عقب هزيمة ٦٧ ووصلت إلى ذروتها في انتفاضة يناير ١٩٧٧.
وقفنا بعد ذلك، وفي المقال الثالث بشيء من التفصيل عند القانون ٤٠ لسنة ٧٧، فتعرضنا إلى خطوطه الرئيسية من خلال استعراض أبوابه الثلاثة، كما تعرضنا أيضًا إلى الشروط التي تضمنها لتأسيس الأحزاب والقيود التي فرضها على حركتها، و حددنا الأحزاب التي تمت الموافقة عليها وفقًا لهذا القانون، ثم عرضنا في المقال الرابع، الخطوط الرئيسية للقانون الجديد، القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠١١ الذي يعتبر ثمرة من ثمرات ثورة ٢٥ يناير، ثم قدمنا في المقال الخامس قراءة نقدية لهذا القانون مبرزين الفروق بينه وبين القانون ٤٠ لسنة ٧٧ وحاولنا في المقال السادس أن نتطرق إلى استعراض سريع لقوانين الأحزاب في بعض الديمقراطيات الناشئة والعريقة. واستعرضنا بعض تجارب الديمقراطيات العريقة من خلال دولتين من أعرق الدول الديمقراطية وهما: ألمانيا وفرنسا، وتعرفنا على شروط تأسيس الأحزاب والقضايا التى تشغل بال المُشرع في هذين البلدين .
وأخيراً انتقلنا فى المقال السابع إلى بلدان ديمقراطية ناشئة للتعرف على تجاربها.
وسنحاول فى هذا المقال، الثامن والأخير من هذه السلسلة، أن نقدم ملاحظات ختامية على قانون الأحزاب فى مصر بالاستناد إلى التطور التاريخى السياسى - الاجتماعى لقانون الأحزاب فى مصر ومدى تأثر هذا التطور بموجتى الثورة، 68 - 77، 2005 - 2011، وبالاستناد أيضاً إلى مرجعية الإطار الدولى والإقليمى الذى لا يمكننا أن ننعزل عنه، وأخيراً بالاستناد إلى الدستور الجديد، دستور 2013، الذى جاء فى مادته الرابعة والسبعين : "للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معادى لمبادئ الديمقراطية أو سرى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى".
بالاستناد إلى ذلك كله دعونا الآن نُحدد بدقة ووضوح ملاحظاتنا على القانون 40 لسنة 1977 وتعديلاته المختلفة والتى كان أخرها تعديلات المجلس العسكرى التى صدرت فى 28/3/2011 من قبل لجنة شكلها المجلس العسكرى بموجب الإعلان الدستورى رقم 1 الصادر بتاريخ 13 فبراير 2011، وهى اللجنة التى أُسند إليها تعديل بعض مواد دستور 1971 واقتراح مشروعات قوانين أخرى مكملة للدستور، وقد اعتبرت كل القوى السياسية، باستثناء الإخوان، فى ذلك الوقت، أن تشكيل هذه اللجنة غير متوازن لأنها ضمت بالإضافة لبعض القضاة ممثلاً عن جماعة الإخوان مع استبعاد بقية القوى، وفى نفس الوقت لم تسعى هذه اللجنة إلى إدارة أى حوار مجتمعى حول الملفات التى أسندت إليها، بل ولم تتشاور حتى مع الأحزاب والقوى السياسية.
الملاحظة الأولى :
أن المجلس العسكرى اكتفى بإدخال التعديلات على القانون 40 لستة 1977، ولم يلغى القانون الذى قيد حق المواطنين فى تكوين وإنشاء الاحزاب السياسية فى مصر أو بالدقة جعل قرار تأسيس الأحزاب فى يد الدولة ومؤسساتها الأمنية، بل وجعل نشاط هذه الأحزاب أيضاً تحت هيمنة وسيطرة الدولة إلى حد كبير، وذلك بالمخالفة لدستور 71 نفسه، وبالمخالفة أيضاً للمادة 22 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، حيث سمح القانون 40 لسنة 77 للجنة شئون الأحزاب بالتدخل فى عملية تأسيس الأحزاب السياسية واسند إليها سلطات واسعة فى إدارتها أيضاً، والتدخل فى شئونها بالإضافة إلى ما وضعه من قيود عديدة ومتنوعة على الحق فى إنشاء الأحزاب ومن ثم كان يتوجب إلغاء القانون ووضع قانون جديد.
المفارقة أن القانون ينص فى بعض مواده التى لم يتغير حتى الآن، على أمور تجاوزها الزمن بشكل فاضح مثل المادة الثابتة التى جاء فيها: "تسهم الأحزاب السياسية التى تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون فى تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والاقتصادى للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعى والاشتراكية الديمقراطية ..!!
الملاحظة الثانية:
أن المرسوم وضع شروط غامضة ويمكن تأوليها بصورة مجحفة لتأسيس الأحزاب، وبالذات فى المادة الرابعة التى نصت على أن تأسيس أو استمرار أى حزب سياسي يجب ان لا يتعارض مع مقتضيات حماية الامن القومى المصري او الحفاظ على الوحدة الوطنية او السلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى، وهى عبارات فضفاضة تحمل، كما أكدنا من قبل، أكثر من تأويل مما قد يفتح الباب امام اللجنة المشكلة بموجب المرسوم ونتيجة أى ضغوط محتملة لرفض مشروعات احزاب اذا رأت اللجنة ان مبادىء تلك الاحزاب تتعارض مع هذه العبارات، دون وضع اى معايير لتحديد مفهوم تلك العبارات.
الملاحظة الثالثة:
أن تشكيل اللجنة التى تسمح أو تمنع وبصرف النظر عن أنها لجنة قضائية يتعارض مع الدستور الذى نص فى المادة 74 على أن تأسيس الأحزاب بالإخطار، ويتعارض أيضاً مع الأعراف والقوانين المشابهة فى الدول الديمقراطية والتى تؤكد على أن تأسيس الأحزاب بالإخطار وأن الحكومة تلجأ للقضاء إذا خالفت الأحزاب من خلال نشاطها الفعلى على الأرض على أسس وقواعد النظام الديمقراطى.
الملاحظة الرابعة :
المادة 6 بند 1، قيدت حق المواطنين المصريين المجنسين فى الانضمام الى اى حزب الا بعد خمسة سنوات على الاقل، كما اشترطت على من يتولى منصباً قيادياً فى اى حزب أن يكون من أب مصري وهوأمر يتعارض مع القوانين فى الدول الديمقراطية ويتعارض حتى مع القانون التونسى ويتشابه مع الحالة الأردنية التى زادت على ذلك بأن يكون الشخص مقيم بصفة شبه دائمة فى الأردن (!)، ويُعد هذا النص مخالف للمادة الرابعة من الدستور والتى تنص على أن "المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو النوع أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بين المواطنين"، وهو إهدار لحقوق هؤلاء المواطنين المصريين، ومخالف أيضاً للمادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
الملاحظ الخامسة:
وضع المرسوم قيد كبير على تأسيس الأحزاب عندما ألزم الراغبين فى أن لا يقل المؤسسون عن خمسة آلاف مؤسس، بل اشترط أن يتم التصديق رسمياً على توقيعاتهم (أى أن يقوموا بتحرير توكيلات من الشهر العقارى لوكلاء المؤسسين)، وأن يكونوا من عشر محافظات على الاقل بما لا يقل عن ثلاثة مائة عضو من كل محافظة وهو ما يشكل قيداً ويحرم المواطنين المصريين الذى يقل عددهم عن هذا العدد من تشكيل احزاب كما يضع قيداً على حق المواطنين فى محافظة ما من تشكيل حزب، حيث اشترط ضرورة جمع الاعضاء المؤسسين من عشرة محافظات على الاقل، وهى شروط مبالغ فيها، فالاصل انه يحق لاى عدد من المواطنين يزيد على خمسة أشخاص تكوين جمعياتهم السلمية، وجدير بالذكر هنا أن القانون الأصلى، القانون 40 لسنة 1977، كان ينص على أن يكون المؤسسون ألفا فقط فإذا بالمجلس العسكرى يصدر، وبعد ثورة 25 يناير، قانونا يضاعف عدد المؤسسين المطلوب إلى خمسة أضعاف !!
وينبغى أيضاً أن ننوه هنا إلى أن الحصول على خمسة آلاف مؤسس هو أمر يحتاج إلى حرية حركة للمجموعة التى ستلقى على عاتقها جمع هؤلاء المؤسسين من المحافظات المختلفة، وهو أمر كان ممكناً، مثلاً، فى أعقاب ثورة 25 يناير، ولكنه قد لا يكون متاحا الآن بنفس القدر على الأقل فى ظل التضييق على الحركات والحركة السياسية فى الشارع، والقانون الأردنى مثلاً والذى ينص على عُشر هذا العدد يعطى تصريحا لخمسة فقط من هؤلاء المؤسسين للحركة من أجل جمع التوكيلات المناسبة، وحتى هذا البند لا يتوفر فى القانون المصرى.
الملاحظ السادسة:
نص المرسوم فى المادة الثامنة على ضرورة نشر أسماء المؤسسين فى صحيفتين يوميتين واسعتى الانتشار، وهو ما يعتبر عبئأ مالياً على المواطنين الراغبين فى انشاء الاحزاب، حيث ان تكلفة تصديق توقيعات خمسة آلاف مواطن ونشر أسمائهم فى جريدتين يوميتين، لا يقل عملياً عن حوالى نصف مليون جنيه، ويعتبر ذلك عبء كبير على الأحزاب بالذات وهى فى مرحلة التأسيس.
الملاحظ السابعة :
أعطى المرسوم فى المادة 17 منه للسيد رئيس لجنة الاحزاب سلطة فى حل الحزب وتصفية امواله بعد تقرير من النائب العام عن تخلف او زوال اى شرط من الشروط المنصوص عليها بالمادة 4 من القانون، وهو ما يفتح الباب للتدخل الإدارى فى عمل الاحزاب السياسية ويعطى للسيد النائب العام وللجنة الأحزاب السياسية سلطات واسعة فى التدخل فى شئون الأحزاب.
الملاحظة الثامنة:
ألغى المرسوم الدعم المقدم للأحزاب الذى نص عليه القانون 40 لسنة 1977، وهكذا سارت هذه اللجنة فى طريق معاكس للاتجاه العام داخل الديمقراطيات العريقة التى تحاول إحلال المال العام محل المال الخاص فى دعم الأحزاب.