الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبارك وشباب يناير.. أحزان السجين فى غرفة باردة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ذهب الرئيس مبارك إلى قاعة محكمته صباح السبت 27 سبتمبر، وهو يحمل بين عينيه حلمه الوحيد الآن، بأن يسمع الحكم ببراءته، طالت عليه الأيام، وحاصرته الليالى الطويلة بكوابيسها السخيفة والمملة، يعلم بينه وبين نفسه أنه كان سببًا فى نهايته التى كتبها الثوار فى 25 يناير، لكنه أيضًا على ثقة بأن ما دفعه من حريته وكرامته ثمن كبير جدا، ويكفى أنه نزل من على عرشه وأصبح سجينًا، مرة فى زنزانة موحشة، ومرات فى حجرة باردة بمستشفى.

لا أخفى عليكم تعاطفى الشديد مع رجل اختلفت أو اتفقت معه أنه كان واحدًا من أبطال حرب أكتوبر، يدخل محكمة التاريخ بما له وما عليه، قد أرى أن عليه كثيرًا، ويرى مريدوه أن عليه أقل القليل الذى يجب ألا يؤاخذ به أو عليه، لكنه فى النهاية ذاك الشيخ العجوز المريض المتهدم، الذى انتقمت منه الأيام على طريقتها الخاصة، بأن تركته ببدنه، يتقلب على كرسى مرضه أمام الجميع.. وكأن الأقدار أرادت أن تجعل منه عبرة لمن يعتبر.

زهق مبارك، هكذا صرح لمقربين منه، "أنا خلاص زهقت" كان يريد أن يسمع حكمًا من قاضيه الذى يثق فى عدله ونزاهته، لكن ضن عليه القاضى وأجل النطق بالحكم فى قضية القرن (المتهم فيها مبارك وحبيب العادلى ومساعدوه بقتل الثوار) إلى 29 نوفمبر المقبل، شهرًا كاملًا، هو الأطول والأقسى فى حياة مبارك، حياته كلها كوم، وهذا الشهر كوم آخر، خاصة أن القاضى لوح بالمادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية، التى تنص على انقضاء الدعوى الجنائية بوفاة المتهم.. حيث لا يمنع ذلك من الحكم بالمصادرة فى الحالة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة "30" من قانون العقوبات إذا حدثت الوفاة أثناء نظر الدعوى، فإذا حدثت الوفاة- طبقا لخبراء قانونيين- أثناء نظر الدعوى فإن ذلك لا يمنع المحكمة من أن تبين فى حيثيات حكمها إذا ما كان مبارك بريئًا أم مدانًا.. أو توصى بمصادرة ممتلكاته فى حالة الاتهام المالى.

انزعج مبارك من تطرق القاضى إلى المادة "14" من قانون الإجراءات الجنائية، وله الحق فى ذلك، إنه يخاف من الموت، وقر فى يقينه أن القاضى يرسل له برسالة، رغم أن الرسالة ليست لمبارك، بل كانت لهؤلاء الذين ينتظرون الحكم على أول رئيس مصرى يدخل السجن، أن العدالة ستأخذ مجراها بوجود مبارك أو بعدمه.

لا أستبعد أن تكون ليلة مبارك الأولى فى مستشفى المعادى العسكرى- حيث يرقد- صعبة جدًا، بل إن الوهم الذى أحاطه به القاضى يمكن أن يكون له تأثير السحر عليه، وليس بعيدًا أن تتدهور حالته الصحية، فشبح القدر يطارده الآن، للدرجة التى قال معها لبعض المقربين منه، "وهل يعلم القاضى أنى سأموت؟".

لن أكون حزينًا ولن أغضب إذا حصل مبارك على حكم بالبراءة، رغم أنى أحمّله كثيرا من مسئولية ما يجرى لمصر من 25 يناير وحتى الآن، فقد ربَّى فى حجره حيات من التيارات الإسلامية، انطلقت تلدغ فى الجميع بعد أن ذهب هو، لكن براءته لن تعنى لدىَّ الكثير، كما أن إدانته لن تعنى الكثير أيضا، فهو بالنسبة لى أصبح فى ذمة التاريخ، هو حر بشأنه، يواصل إدانته له أو يرد له اعتباره، فهذه قصة أخرى تمامًا.

أحزان مبارك- التى لا أنكرها عليه- تجرنى إلى أحزان أخرى قد تكون قريبة منه، هى أحزان عدد من الشباب الذين شاركوا فى يناير، وزلت أقدامهم بغرورهم واعتقادهم أنهم يمكن أن يغيروا الكون بكلمة منهم، فوجدوا أنفسهم فى السجون المظلمة، لن أحدد اسمًا، ولكنى أشير إلى حالة الكثيرين ممن يعانون الآن فى زنازين انفرادية، تحاصرهم الأمراض دون أن يلتفت أحد إلى ضرورة نقلهم إلى مستشفى ليتلقوا العلاج.

الكل أخطأ.. يتساوى لدىَّ ما فعله مبارك وما فعله شباب الثورة، الكل أخطأ فى حق الوطن.. كلٌ بطريقته وعلى طريقه، هل أطالب بالرحمة للجميع؟ أمتلك الشجاعة لأقول ذلك وأكتبه حتى يظل موثقًا، ارحموا شيخوخة مبارك وارحموا ضعف أحمد دومة وهزاله وإعلانه أنه تاب وتأدب، هل أطالب بعفوٍ سياسى وشعبى عن الجميع؟ إننى أطالب بذلك تمامًا، حتى نفتح صفحة جديدة مع الجميع، لنقف صفًا واحدًا فى وجه العدو الواضح والفاضح، والذى يعلن أنه ضدنا جميعًا.